كابول - يفاقم تتالي تاقسط المدن على يدي المتمردين الأفغان على وقع المعارك المتواصلة منذ أسابيع، المخاوف من عودة حكم طالبان في أفغانستان، فيما تواصل الحركة المتمردة الزحف نحو العاصمة كابول. وتواصل طالبان ضغطها وتقدمها في شمال أفغانستان، حيث سيطرت الاثنين على سادس عاصمة لولاية، بينما يؤكد الجيش الأفغاني أنه حقق نجاحات في الجنوب. وأعلن نائب حاكم سمنغان أن مقاتلي طالبان سيطروا الاثنين على أيبك عاصمة الولاية الواقعة على بعد نحو مئة كيلومتر جنوب غرب قندوز. وقال صفة الله سمنغاني نائب حاكم الولاية لوكالة فرانس برس، إن "طالبان استولت على مدينة ايبك وتسيطر عليها بشكل كامل". وأوضح أن وجهاء طلبوا الاثنين من حاكم الولاية سحب قوات الحكومة من المدينة لتجنيبها القتال، وأنه وافق على ذلك. ويبدو أن الحركة لا تفكر في إبطاء الوتيرة المحمومة لتقدمها في الشمال. فقد أعلن المتمردون أنهم هاجموا مزار الشريف كبرى مدن شمال أفغانستان وعاصمة ولاية بلخ. لكن السكان والمسؤولين قالوا إنهم لم يصلوا إليها بعد. وقالت الشرطة في ولاية بلخ إن أقرب موقع شهد معارك يبعد 30 كيلومترا على الأقل منها، متهمة طالبان بأنها تستخدم "الدعاية لترويع السكان". وقال مرويس ستانيكزاي المتحدث باسم وزارة الداخلية في رسالة إلى وسائل الاعلام إن "العدو يتحرك الآن باتجاه مزار الشريف لكن لحسن الحظ أحزمة الأمان (حول المدينة) قوية وتم صد العدو". ومزار الشريف مدينة تاريخية ومفترق طرق تجاري. وهي من الدعائم التي استندت عليها الحكومة للسيطرة على شمال البلاد. وسيشكل سقوطها ضربة قاسية جدا للسلطات. وتعهد محمد عطا نور الحاكم السابق لولاية بلخ والرجل القوي في مزار الشريف والشمال، بالمقاومة "حتى آخر قطرة دم". وكتب على تويتر "أفضل أن أموت بكرامة على أن أموت في حالة من اليأس". استولى المتمردون بفارق بضع ساعات الأحد وبعد قتال عنيف على قندوز التي كانوا يحاصرونها منذ بضعة أسابيع، ثم على ساري بول وتالقان عاصمتي الولايتين الواقعتين في جنوب قندوز وشرقها. وباتت طالبان تسيطر على ست من عواصم الولايات الأفغانية البالغ عددها 34 بعد أن استولت السبت على شبرغان معقل زعيم الحرب عبد الرشيد دوستم على بعد حوالى 50 كلم شمال ساري بول والجمعة على زرنج عاصمة ولاية نيمروز البعيدة في جنوب غرب البلاد على الحدود مع ايران. أشار مراسل وكالة فرانس برس في قندوز إلى أن طالبان سيطرت على جميع المباني الرئيسية في المدينة البالغ عدد سكانها حوالى 300 ألف نسمة واحتلها المتمردون مرتين في السنوات الأخيرة، في عامي 2015 و2016. وقال رحمة الله (28 عاما) الذي فر مع زوجته وأطفاله من قندوز "هربنا جميعا من المدينة (الأحد). فر معظم الناس من منازلهم سيرا على الأقدام أو بالسيارة أو على دراجة ثلاثية العجلات إلى المناطق المجاورة أو إلى كابول ومزار الشريف". وأضاف أن "الوضع الأمني ليس جيدا. هربنا لإنقاذ حياتنا. انه أشبه بفيلم رعب. من علق في المدينة لا يجرؤ على مغادرة منزله". وتشكّل السيطرة على قندوز، مفترق الطرق الاستراتيجي في شمال أفغانستان بين كابول وطاجيكستان، أكبر نجاح عسكري لطالبان منذ بدء الهجوم الذي شنته في مايو/ايار مع بدء انسحاب القوات الدولية الذي يُتوقع أن ينتهي بحلول 31 أغسطس/آب. قد يكون عجز السلطات في كابول عن السيطرة على شمال البلاد أمرا حاسما لفرص الحكومة في البقاء. ولطالما اعتُبر شمال أفغانستان معقلًا للمعارضة في وجه طالبان، فهناك واجه عناصر الحركة أقوى مقاومة عندما وصلوا إلى السلطة في التسعينات. حكمت طالبان البلاد بين عامي 1996 و2001 وفرضت الشريعة الإسلامية بتفسيرها الصارم لها، قبل أن يطيحها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. وتتعرض قندهار (جنوب) وهرات (غرب)، ثاني وثالث مدن البلاد، لهجمات المتمردين منذ أيام عدة، على غرار ما يحصل في لشكركاه (جنوب)، عاصمة ولاية هلمند، أحد معاقل المتمردين. وقال ستانيكزاي أنه "لحسن الحظ ، تحسن الوضع الأمني في ولايتي قندهار ولشكركاه وهرات"، مؤكدا أنه "تم تحييد خطة (العدو) للاستيلاء عليها". ففي لشكركاه التي دخلتها طالبان مطلع الأسبوع الماضي ، شن الجيش هجوما مضادا الأربعاء بعد أن طلب من 200 ألف من السكان المتضررين بشدة من القتال الفرار. وقال فؤاد أمان الناطق باسم وزارة الدفاع الأفغانية في تغريدة على تويتر "تم تطهير مناطق واسعة في شرق وشمال شرق المدينة"، مؤكدا أن "عملية التطهير مستمرة بنجاح لكنها بطيئة لأن طالبان تمركزت في منازل المدنيين". وفاجأت سرعة تقدم طالبان المراقبين وكذلك قوات الأمن الأفغانية على الرغم من المساعدة التي تلقتها من القوات الجوية الأميركية. ووسط قلق دولي من استمرار تمدد طالبان منذ بدء انسحاب القوات الاميركية والدولية من أفغانستان، رفضت وزيرة الدفاع الألمانية اليوم الاثنين دعوات لإعادة جنود بلادها للأراضي الأفغانية. بدوره قال مسؤول في حلف شمال الأطلسي إن انسحاب الحلف من أفغانستان مستمر، مضيفا "لا يوجد حل عسكري للصراع، ويجب على طالبان أن تفهم أن المجتمع الدولي لن يعترف بها مطلقا إذا رفضت العملية السياسية وحاولت الاستيلاء على البلاد بالقوة... وعليها أن توقف هجماتها وأن تشارك في محادثات السلام بحسن نية". في سياق المعارك المستعرة، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الاثنين إن 27 طفلا على الأقل قتلوا وأصيب 136 في ثلاثة أقاليم في أفغانستان خلال الأيام الثلاثة الماضية مع تصاعد العنف هناك. أظهرت بيانات مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة اليوم الاثنين ارتفاها كبيرا في عدد النازحين داخليا في أفغانستان منذ بدء انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الاطلسي(الناتو) في مايو/أيار الماضي. وبلغ عدد النازحين داخليا ما لا يقل عن 244 ألف شخص، عندما شن مسلحو حركة طالبان عدة هجمات ضد الحكومة، بزيادة بواقع 321 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
مشاركة :