الفنون.. ثقافة علاجية في منظومة الصحة النفسية

  • 8/11/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

صدق الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي، حين قال: إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقا.. فاسلك إليه من الفنون طريقا لقد باتت الفنون بمختلف قطاعاتها، جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الصحة النفسية والاستشفاء خلال العقود الماضية، واليوم، تحتل موقعاً ريادياً على مستوى العالم، عبر تجاربها الاستثنائية، تحت مفهوم الفن العلاجي، كجزء لا يتجزأ من العديد من ممارسات مراكز إعادة التأهيل، ومؤسسات الصحة النفسية، إلى جانب المدارس والمجتمعات الإبداعية التي تنادي بأهميته أيضاً، لكافة أفراد المجتمع الأصحاء، ضمن الروتين اليومي، لتخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية. تجربة ذاتية يؤكد خليل عبد الواحد مدير إدارة الفنون التشكيلية بهيئة الثقافة والفنون في دبي، أن العلاج بالفنون، بدأ في منتصف القرن 20، وأخذ شكله المستقل عبر مارغريت نومبورغ، المربية والمعالجة، التي كانت من أوائل من عرفوا العلاج بالفن، باعتباره شكلاً مميزاً من العلاج النفسي في الأربعينيات، وفي كثير من الأحيان، يشار إليها في الواقع أنها مؤسسة العلاج بالفن، حيث كانت تنظر إلى التعبير الفني، على أنه وسيلة لإظهار الصور اللاواعية، وهي ملاحظة تتناسب مع وجهة نظر التحليل النفسي السائدة في أوائل القرن العشرين، وبشكل عام، فإن العلاج بالفن لا يتعلق بالتركيز على الصور من حولك، ولكن تلك المنبثقة من داخل كل منا، عبر خوضنا لتجارب ذاتية، تعيد استكشاف ذواتنا ومشاعرنا المحملة بالخيال، وقد تتضمن تلك التجربة، تعلم مهارات أو تقنيات فنية جديدة، ولكن بلا شك، الأساس العام، هو التركيز على التطوير. إعادة تأهيل وفي ما يتعلق بأهمية الموسيقى في تحسين الصحة النفسية، تقول خديجة أحمد بامخرمه مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام على برنامج العلاج بالموسيقى في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية: العلاج بالموسيقى، هو علاج صحي، مبني على التفاعل مع الموسيقى، من أجل تحقيق أهداف معينة في صحة الشخص المستفيد، ويقوم خلالها المختص بالعلاج الموسيقي، باستخدام الموسيقى لتحقيق أهداف تربوية، أو تطوير مهارات في كل من الجوانب الحركية والمعرفية والعاطفية والعقلية والاجتماعية واللغوية والجمالية والروحية، لتحسين الحالة النفسية والعقلية والبدنية للمستفيد، عبر استخدام المجالات الموسيقية لتحقيق أهداف العلاج. كما أنه أحد العلاجات الداعمة للحالات الطبية الأخرى، مثل تعزيز الصحة، السيطرة على التوتر، وتخفيف الآلام، والتعبير عن المشاعر، وتقوية الذاكرة، وتحسين التواصل، ومرض ألزهايمر، ومرض باركنسون، وتعزيز إعادة التأهيل البدني. نقطة اتصال وحول فعالية الفنون في تحسين الصحة النفسية، تقول الدكتورة نجاة الزبيدي اختصاصية الطب النفسي: هناك العديد من الدراسات والأبحاث المثبتة حول فعالية ممارسة الفنون المختلفة، بهدف تحسين الصحة النفسية، فالعلاج بالفن، يفتح المجال أمام الناس للتعبير عن أنفسهم، ويتحول إلى أداة يطرحون عبرها أفكارهم ومشاعرهم، التي لا يستطيعون التحدث فيها، بمساعدة الطبيب أو المعالج النفسي المختص، الذي يفهم أكثر عن مشاعر الفرد وسلوكه، من خلال رسوماته أو أعماله الفنية، ما يساعده على معالجة مشكلاتهم النفسية، لا يُشترط على الفرد امتلاكه موهبةً فنيةً لنجاح هذا النمط من العلاج النفسي، لأن العملية العلاجية، لا تتعلق بالمستوى الفني للعمل، بل تهدف إلى إيجاد روابط بين الخيارات الإبداعية التي ينتقيها الفرد وحياته الشخصية. يمكن استخدام العمل الفني، منصةً ينطلق منها الفرد لإعادة إحياء الذكريات. تحسين الذات تشير الفنانة التشكيلة رباب طنطاوي مؤسسة مجموعة «الفن للخير»، ومشروع «ارسم معي»، إلى أن للفنون البصرية دوراً مهماً في تحسين الصحة النفسية، خاصة التي ترتبط بالفنون البصرية، والتي يعتقد كثير من الناس أنهم لا يمتلكون موهبة ممارسة الفنون، مثل النحت والرسم، ودورنا أن نساعدهم في طرح كافة الأفكار والمشاعر التي قد يصعب وضعها في الكلمات، من خلال الكتابة أو الكلام، وتدعم عملية الشفاء للأفراد الذين يعانون من الاكتئاب والقلق والأمراض المزمنة، كما تسهم في دعم عملية التركيز، عبر تنوع أساليب التعبير الفني، واليوم، أصبح للفن أهمية متزايدة، واستعمالاته تجاوزت أحياناً الغاية الجمالية أو التزيينية منه، إلى توظيفه في مناحي الحياة المختلفة، ومنها الطب النفسي والصحة النفسية، خاصة في علاج الكثير من أمراض العصر. إيجابية اللون يعتقد الفنان الإماراتي مطر بن لاحج، أن الفنون بلا شك، تحقق فعالية ملموسة، في ما يتعلق بالصحة النفسية، انطلاقاً من فكرة تأثير الألوان في المتلقي، ومن ثم انخراطه في عملية ذاتية للرسم، يحاكي ذاته وأفكاره ومشاعره التي تتلمس خصوصية لون ما لديه دون الآخر، وذلك مثبت عبر دراسات متعمقة، حول تأثير الألوان في سيكولوجيا الإنسان، فعلى سبيل المثال، يُعتبر اللون الأزرق من أكثر الألوان شعبيةً وانتشاراً في العالم، فهو يعبر عن الاستقرار، والأمان، والثقة، وقد يدل أحياناً على مشاعر البرود، والعزلة، والحزن. ذاكرة الأمل يؤكد بن لاحج أنه من واقع تجربة شخصية، شهدها حول تأثير الفنون في تحسين الصحة النفسية، على والدته الراحلة، والتي أصيبت بجلطة دماغية، نتجت عنها إعاقة وشلل نصفي، وتعطل في النطق، ما دفعها للدخول في حالة اكتئاب، في ظل الأحداث المتلاحقة التي ألمت بها، وخلال تلك الفترة، عرض عليها الأطباء المعالجون، الأنشطة التي ترغب في ممارستها، فاختارت الرسم الذي تطور من مجرد خطوط مبهمة، مع الوقت، بصبرها والمواظبة على الرسم، إلى نقوش وألوان تستدعي ذاكرتها البصرية لمحيطها وبيئتها التي تلونها الحياة بالإيجابية، لتتمكن من رسم 150 لوحة، هي انعكاس لذاتها، وخصوصيتها التي تتحدي المرض ببستان من الألوان، في لوحات تكتسب إيجابية بصرية، تدفع بالمتلقي إلى إيجاد إيقاع التواصل، عبر إيحاءات غارقة في التأمل، لما تحتويه من الأشكال والنغمات، التي تزاوج بين القوام والأحجام المفعمة بالعاطفة. طاقة الفنون وتعتقد مصممة الأزياء، راحيل حسن، أن غيابها عن مجال التصميم ضمن المشهد الإبداعي بدبي منذ 2015، كان بالتزامن مع اكتشافها أنها مصابة بمرض السرطان، فتوقفت عن العمل، وأغلقت على إثر ذلك الخبر الصادم، دار أزيائها، وفقدت الرغبة في ممارسة حياتها بشكل طبيعي، وهي تنتظر مصيراً مجهولاً أمامها، ولكن كانت أوراق الرسم والأقلام، ملاذها ومسكن أوجاعها، في ظل كافة الضغوط النفسية التي لاحقتها خلال فترة العلاج، وعلى حد تعبيرها، بات رسم التصاميم وتخيل ابتكارها على الخامات وألوانها، هو ما يشجعها على الاستمرار، دون استسلام لليأس والإحباط، وها هي اليوم تحتفل بعودتها مجدداً على خارطة الإبداع المحلي، عبر إطلاق مجموعة من التصاميم لهذا الموسم، وإعادة افتتاح دار أزيائها، بعد أن استطاعت التغلب على المرض. تابعوا البيان الصحي عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :