المرحوم محمد الشدي في ذاكرتي - خالد بن حمد المالك

  • 8/11/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعد الأستاذ محمد الشدي من أعلام الإعلام، وتحديداً الجانب الصحفي منه، وله في ذلك بصمات وإنجازات وتاريخ لا يمكن لمؤرِّخ للصحافة في المملكة أن يتجاهله، فقد أمضى شبابه المبكِّر وسنين عمره المتقدِّم في خدمة الصحافة، وكرَّس وقته وحياته وقدراته الصحفية في زمن كانت الصحافة تحتاج إلى مثل خدماته، ولا تستغني عن مواهبه، في زمن كان عدد الصحفيين من السعوديين محدوداً. * * وقد كان له اهتمام بالأدب بكل فروعه، ومتابعة منه لما كان يشكِّله من رافد أساسي في تقديم صحافة للنخبة، لكنه ضمن تنوّع اهتماماته ركَّز على الرياضة والفن، وهيأ لها مساحات واسعة في مجلة اليمامة حين كان رئيساً لتحريرها، ثم في المجلة التي تبنى إصدارها شهرياً إلى جانب المجلة الأخرى الدورية خلال رئاسته لمجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون التي شهدت في فترته وبدعم من مدير عام رعاية الشباب آنذاك الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- الكثير من النجاح. * * هذا جانب من سيرة الرجل الذي فقدناه أمس الأول، حيث وافاه الأجل المحتوم، بينما كان غيابه قد سبق وفاته بسنوات عن المجتمع الذي أحبه، والمناقشات التي كان أحد نجومها، بفعل المرض الذي أقعده، وحال بينه وبين محبيه، ما جعل الخوف يداهم كل معارفه من أن وفاته لن تكون مفاجأة، أو حدثاً غير متوقّع إذا ما تم ذلك. * * أتذكر ضمن ذكرياتي عن المغفور له -إن شاء الله- حين اتصل بي ذات يوم يطلب مني أن أتولى الإشراف على الصفحات الرياضية بمجلة اليمامة حين كان رئيساً لتحريرها، وكنت وقتها أعمل في صحيفة الجزيرة مشرفاً على صفحاتها الرياضية، وهو طلب غير متوقّع، ومفاجأة لم تكن في الذهن ولا في الحسبان، إذ كيف لي أن أعمل في نفس المجال بصحيفتين، وبمؤسستين متنافستين، وإن كانت المنافسة لم تكن بتلك الحدة التي وصلت إليها فيما بعد، لكني قدَّرت طلبه، وقبلت بالعمل معه، دون أن أفرط بعملي محرراً رياضياً في صحيفة الجزيرة. * * خلال عملي باليمامة، فهمت عن محمد الشدي أكثر، واقتربت منه بأكثر مما كنت عليه قبل أن أعمل إلى جانبه، فأثناء عملي لاحظت اهتمامه بتشجيع الكتَّاب، ودعمه للمواهب منهم ومن الصحفيين، وكان أكثر ما لفت نظري أن الرجل كان يقف موقف المدافع عن أي ملاحظات على كاتب أو صحفي يكون قد نشر ما جعله موضع مساءلة من جهة أو جهات وخاصة وزارة الإعلام، وهذا بنظري ما قوَّى علاقته بمن كان يعمل معه وإلى جانبه. * * وفي عملي معه أيضًا ظهر لي أنه كان يساعد أو يقرض بعض الصحفيين أو الكتَّاب في المجلة من راتبه، ممن يرى أن أوضاعهم المادية تحتاج إلى الوقوف معهم، دون أن يعرف أحدًا عن هذه الأريحية التي أفصح لي عنها أكثر من زميل ممن عمل بالمجلة خلال تسلّم المرحوم رئاستها على مدى سنوات، وأدخل عليها الكثير من التحسينات سواء في الإخراج أو في موضوعاتها بحسب الإمكانات المتاحة آنذاك. * * ومن تجربتي الشخصية أيضاً مع محمد الشدي - رحمه الله - فقد كتبت مقالاً رياضياً في مجلة اليمامة أعقب فيه على مقال للزميل محمد عبد الرحمن رمضان الذي كان يسبقني بسنوات في العمل في ميدان الصحافة الرياضية، وله في هذا المجال نجاحات كثيرة، سواء في الصحافة أو الإذاعة أو التلفزيون، كان محمد رمضان قد طالب بتسريع تحسين مستوى الأشبال من اللاعبين، وكان عنوان تعقيبي (الرمضان يريد شبلاً يُقال له كن فيكون) فتوقف محمد الشدي عند هذا العنوان، وقرأه أكثر من مرة قبل أن يسمح بنشره، كان من رأيه أن (كن فيكون) مأخوذة من القرآن الكريم، وأنها قد تثير على المجلة ورئيس تحريرها ومحررها غضب البعض لكنه بالحوار الهادئ سمح بنشره، متحمّلاً المسؤولية فيما لو كان هناك ملاحظات من أي جهة. * * قصدت من هذه الرواية - وغيرها كثير أن أقول: إن محمد الشدي كان رئيس تحرير من طراز آخر، وأنه لم يعط حقه في حياته، فآن لوزارتي الإعلام والثقافة وجمعية الثقافة والفنون أن تنصف تاريخ الرجل بعد وفاته بمبادرة تليق بخدمته في واحد من القطاعات التي دافع من خلالها عن الوطن بكل ثقة وجسارة، ومثله إنصاف غيره ممن رحلوا ولم يتم إنصافهم كما كان يجب. * * ويحسب للشدي ضمن اهتمامه بالأدب والأدباء مبادرته في جمع وحفظ قصائد الشاعر حمد الحجي وإصدارها في ديوان بعنوان عذاب السنين، بل وزيارته في منزله بمحافظة مرات للتعرّف عليه، والعمل على مساعدته في تلقي العلاج من مرضه المزمن داخل وخارج المملكة، ومعروف أن الحجي شاعر كبير صنفه الأديب عبدالله بن إدريس في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) كأحد هؤلاء الشعراء، الذين برزت لديهم الموهبة الشعرية في مرحلة مبكرة من العمر، وقال عنه الأستاذ الدكتور محمد آل حسين: هذا شاعر لم أر له نظيراً في شعراء العربية سوى طرفة بن العبد رغم الفوارق البيئية والزمنية والاجتماعية بين الشاعرين، ولعل هذا ما شجع الشدي لحفظ شعره من الضياع بإصداره في ديوان. * * رحم الله الأستاذ محمد بن أحمد الشدي، وغفر له، وجعل ما أصابه تكفيراً، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأقول لشقيقه علي ولأبنائه أحسن الله عزاءكم وعظّم الله أجركم، في وفاة المرحوم إن شاء الله الأستاذ محمد الشدي.

مشاركة :