شرعت السلطات الإسرائيلية اليوم (الثلاثاء)، في بناء مصعد كهربائي وجسر لتسهيل دخول المستوطنين إلى المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، في خطوة قوبلت بتنديد ورفض فلسطيني. وقال مدير المسجد حفظي أبو سنينة لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن آليات إسرائيلية باشرت منذ ساعات الصباح تحت حراسة مشددة عمليات حفر قرب الساحات الخارجية الغربية للمسجد بهدف تركيب المصعد الكهربائي دون تبليغ دائرة الأوقاف. وأضاف أبو سنينة، أن المشروع طرح من قبل السلطات الإسرائيلية منذ أعوام، وكانت هناك محاولات عدة من قبل بلدية الخليل ولجنة إعمار المدينة برفع دعوى قضائية ضد القرار في المحاكم الإسرائيلية لكنها قوبلت بالرفض. وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان أمس الاثنين، بدء العمل في إقامة مصعد لتسهيل الوصول إلى المسجد الإبراهيمي بناء على قرار الوزير بيني غانتس. وقال البيان، إن تنفيذ العمل في المشروع سيتم من قبل قسم الهندسة والبناء في وزارة الدفاع، وتحت إشراف الإدارة المدنية الإسرائيلية، على أن يستمر قرابة 6 أشهر. وأضاف، أن المشروع يشمل "إنشاء طريق وصول من ساحة انتظار السيارات إلى ساحة المسجد، ومصعدا يسمح للمصلين من جميع الأديان بالوصول إلى الموقع". وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي وزير الدفاع الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت صادق في مايو من العام الماضي على أمر بالاستيلاء على أراض ملاصقة للمسجد من أجل ترميمها، وإقامة مصعد لتسهيل وصول اليهود من ذوي الاحتياجات الخاصة. وشمل القرار في حينه نزع صلاحية التصرف بالمكان من الأوقاف الإسلامية ونقلها إلى الجيش الإسرائيلي، علما أنه كان يحتاج موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو ليصبح نافذا. وردا على الخطوة الإسرائيلية، تظاهر عشرات الفلسطينيين قبالة المسجد الإبراهيمي بدعوة من وزارة الشؤون الدينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، رفضا لبدء السلطات الإسرائيلية في تنفيذ المشروع. ورفع المشاركون في التظاهرة الأعلام الفلسطينية ورددوا شعارات تدعو المجتمع الدولي لوقف "الاعتداءات" الإسرائيلية على المسجد الإبراهيمي وأخرى تطالب بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وأكد القيادي في فتح مهند الجعبري في كلمة خلال التظاهرة، ضرورة التحرك داخليا ودوليا من أجل "لجم" ممارسات إسرائيل بشأن المسجد، مشددا على أن الشعب الفلسطيني "لن يفرط بالمسجد الإبراهيمي مهما كلف الأمر". بدوره دعا المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين في بيان صحفي، المجتمع الدولي إلى رفض مشاريع إسرائيل "التهويدية" للمسجد الإبراهيمي. وقال حسين، إن المشروع الإسرائيلي يهدف للاستيلاء على قرابة 300 متر مربع من ساحات المسجد ومرافقه ما يشكل "اعتداء صارخا" على ملكية المسلمين الخالصة له. واعتبر حسين، أن الخطوة "انتهاك للاتفاقات الدولية التي تكفل حماية الأماكن المقدسة وحرية العبادة ومن شأن ذلك أن يجرَ المنطقة إلى مزيد من التوتر والتصعيد". من جهتها أدانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الأعمال الإسرائيلية في ساحات المسجد الإبراهيمي، معتبرة أن الخطوة تعد "تعديا صريحا على حق فلسطين في السيادة" على المسجد وكافة مرافقه. وحذر وكيل الوزارة حسام أبو الرب في بيان تلقت ((شينخوا)) نسخة منه، من التبعات الخطيرة للخطوة الإسرائيلية تجاه المسجد الإبراهيمي الذي يعد أحد المعالم الأثرية للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية. ودعا أبو الرب، المجتمع الدولي لحماية المسجد الذي يتعرض يوميا "لانتهاكات" بهدف تحويله إلى "كنيس يهودي"، بعد أن فرضت تقسيمه زمانيا ومكانياً منذ العام 1994 في خطوة "جائرة" بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته. وأشار إلى أن الإدارة العامة لأوقاف الخليل علقت دوام موظفيها اليوم ودعتهم إلى التوجه للمسجد من أجل الرباط فيه في محاولة "لصد" السلطات الإسرائيلية عن تنفيذ مخططاتها. وفي السياق، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني أحمد التميمي، أن الهدف من المشروع الإسرائيلي "تهويد المسجد الإبراهيمي والاستيلاء على ساحاته ومرافقه". وقال التميمي في بيان صحفي، إن إسرائيل "تنتهك" القوانين والأعراف والاتفاقات الدولية تجاه المسجد من خلال منع رفع الأذان فيه ومنع وصول الفلسطينيين إليه والصلاة فيه في أغلب الأيام وتفتحه للمستوطنين بشكل يومي. ودعا التميمي، الأمم المتحدة إلى الوقوف أمام مسؤوليتها والتصدي للممارسات التهويدية الإسرائيلية تجاه المسجد الإبراهيمي حتى بات يخضع بشكل كامل لسيطرتها وسيطرة مستوطنيها. كما طالب محافظ الخليل في السلطة الفلسطينية اللواء جبرين البكري، جموع الفلسطينيين في المدينة بـ"النفير العام" وتعزيز تواجدهم في المسجد ضد الهجمة الإسرائيلية "المسعورة". واعتبر البكري في بيان، أن الشروع في أعمال في ساحات المسجد "ضرب بعرض الحائط الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكفل عدم المساس بالإرث التاريخي والمقدسات الدينية. وقال البكري، إن الممارسات تمس قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) الذي يعتبر الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة في الخليل جزءا من التراث العالمي الإنساني المهدد بالخطر. ويعتبر الحرم الإبراهيمي أقدم بناء مقدس مستخدم حتى اليوم دون انقطاع تقريبا في الضفة الغربية وهو رابع الأماكن المقدّسة عند المسلمين الفلسطينيين. في المقابل يعتقد اليهود أن الحرم الإبراهيمي أو ما يطلقون عليه "مغارة المخبيلا" هو المكان الذي دفن فيه الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وزوجاتهم، وقامت إسرائيل بعد احتلال الضفة الغربية بإنشاء كنيس يهودي داخل باحات الحرم. وفي أعقاب توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، تم التوقيع في عام 1997 على اتفاق لاحق بشأن الخليل يقسمه إلى قسمين (H1) ويخضع للسيطرة الفلسطينية، و(H2) تحت السيطرة الإسرائيلية. وحولت إسرائيل جزءا من المسجد إلى كنيس يهودي فأصبح 60 في المائة من مساحته لليهود، والباقي للمسلمين وقامت بالفصل بينهما بحواجز وبوابات حديدية محكمة ووضعت فيها ثكنات عسكرية للإشراف والمراقبة. وتتولى لجنة إعمار الخليل مهام ترميم وتطوير الحرم الإبراهيمي بالتنسيق مع وزارة الأوقاف الفلسطينية، لكنها تشتكى من تعرضها لعقبات إسرائيلية عديدة منذ سنوات. وفي يوليو 2017 أدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، البلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي، في قرار حظى بدعم 12 دولة، فيما امتنعت 6 دول عن التصويت، وصوتت ضده 3 دول. وفي حينه اعتبر الفلسطينيون أن قرار اليونسكو "يدحض بوجه قاطع كافة الادعاءات الإسرائيلية المطالبة بضم الحرم الإبراهيمي إلى الموروث اليهودي، ويؤكد هوية الخليل الفلسطينية". في المقابل أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية معارضتها إدراج البلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي، معتبرة أن ذلك "سيؤدي إلى تسييس منظمة اليونسكو".
مشاركة :