يبدو أن نتائج الربع الأخير لعام 2015، ستشكل عاملاً حاسماً بالنسبة إلى الأسواق المالية؛ وكان من المحتمل بطبيعة الحال ضبط إيقاع السوق خلال سبتمبر/أيلول الماضي بعد صدور تقرير الوظائف الأمريكية، الذي زاد الشكوك حول فرص قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة الأمريكية في عام 2015؛ ولكن الأنباء الواردة من أنحاء العالم الأخرى كانت سلبيّة أيضاً، وتجلت بوضوح في المضامين السلبيّة التي وردت في تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ومع ذلك، فهناك فرصة مواتية لرسم نهاية أكثر إيجابية لعام 2015، خاصة في ضوء المستجدات الواردة من الصين، وانتعاش أصول المخاطر بما يشمل قطاع النفط، فضلاً عن التطورات الأخيرة من جانب الاحتياطي الفيدرالي. وجاء توازن البيانات مخيباً للآمال مع بداية الربع الأخير لعام 2015؛ وتترقب سوق صناديق العقود الآجلة أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بأول تحركاته لرفع أسعار الفائدة بحلول مارس/آذار 2016. ويؤكد صندوق النقد الدولي أنه وبعد مرور 6 سنوات على تعافي الاقتصاد العالمي من أعتى موجة ركود منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن السعي إلى تحقيق نمو عالمي قوي يبدو أمراً صعب المنال. وبالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة، يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو للعام الخامس على التوالي، وتراجعاً كبيراً لحركة التجارة العالمية. وفي غمرة هذه الظروف، تبقى جولات التيسير النقدي العالمي المهيمن الأبرز على مشهد السياسات الاقتصادية. حيث عمل بنك سنغافورة المركزي على تخفيف سياساته النقدية بشكل طفيف الأسبوع الماضي، مؤكداً أنه سيقلل وتيرة رفع قيمة الدولار السنغافوري. ونتوقع أيضاً أن يضاعف بنك اليابان المركزي برنامجه للتيسير النقدي خلال الشهر الجاري، فيما قد تلجأ الصين بدورها إلى تخفيف سياستها النقديّة بشكل أكبر، وسيكون البنك المركزي الأوروبي أكثر استعداداً لاتخاذ إجراءات مناسبة مجدداً. ولكن هناك وقتاً كافياً حتى نهاية العام كي تسير الأمور نحو الأفضل. وخلال الأشهر الثلاثة المقبلة، سيتمحور التركيز الرئيسي للأسواق العالمية حول البيانات الصينية، واستفادة أصول المخاطر من مكاسبها الأخيرة، إضافة إلى مستجدات الاحتياطي الفيدرالي. وجاءت البيانات الصينيّة الأخيرة متباينة ولكن الإيجابيات تفوق السلبيات قليلاً؛ حيث تباطأ مؤشر أسعار المستهلكين إلى مستوى 1.6% على أساس سنوي خلال شهر سبتمبر/أيلول مقارنة مع 2.0% في أغسطس/آب، وهذا ينسجم مع المستويات المسجلة في شهر يوليو الماضي؛ ولكن تلك المعدلات كانت مستقرة رغم العوامل الموسمية وتقلّب أسعار المواد الغذائية علماً بأن بيانات التجارة كانت السبب وراء تباين الآراء. وفاق تقرير الصادرات الصيني التوقعات، حيث سلط الضوء على انتعاش الطلب وتحسّن التنافسية على خلفية تراجع قيمة اليوان الصيني في أغسطس الماضي. من ناحية أخرى، جاء نمو الواردات أضعف من التوقعات نتيجة المخاوف إزاء مستوى الطلب الصيني. ويعزى هذا الضعف بالدرجة الأولى إلى تراجع أسعار السلع نفسها، الأمر الذي يقلّص قيمة الواردات علماً بأن حجمها استقر عند مستوى أفضل. وفي الواقع، استوردت الصين كميات أكبر من براميل النفط يومياً خلال شهر سبتمبر مقارنة مع أغسطس، ليرتفع بذلك المستوى إلى 8.6% على أساس شهري. وقد يكون هناك بعض البوادر بعودة الاقتصاد الصيني إلى الاستقرار قليلاً إن لم يبدأ فعلياً بالتحسّن. ويمهد الوضع الصيني الطريق لمسألة أكبر تتمثل في الصعود الأخير لأصول المخاطر، حيث إن التأثيرات المعاكسة تعتبر العامل الأبرز الذي سيعيق مسيرة التقدّم. وبالنسبة إلى أسواق السلع التي واجهت مخاطر موجات البيع القوية، لابد من ردم الهوة الواضحة بين العرض والطلب. وسنحتاج لبعض الوقت كي نوازن هذه الاختلالات، حيث يتوقف ذلك على انتعاش الطلب (والذي تلعب الصين فيه دوراً أساسياً) وتراجع المعروض. ومن حيث المعروض، شهدنا علامات مشجعة على أن المعروض الفائض ، ولا سيما في أسواق النفط ، يستجيب أكثر لانخفاض الأسعار. وتواصل الأسواق حتى الآن الحفاظ على مكاسبها الأخيرة أو على الأقل توقفت عن التراجع، خصوصاً أن عملات الأسواق الناشئة لا تزال تستفيد من تحسن الدولار الأمريكي مؤخراً. وستكون الصين وتقلب الأسواق المالية من القضايا الأساسية التي يتعين على الاحتياطي الفيدرالي التعامل معها بحذر فيما يتعلق باتخاذ القرار حول تطبيع سياساته النقدية في ديسمبر/كانون الأول المقبل. ومع احتمال استقرار الأمور في تلك القضايا، عندها سيتعلق القرار بالاقتصاد المحلي، عما إذا كان يتحسّن بشكل كاف لتبرير رفع أسعار الفائدة. وفي الوقت الراهن على الأقل، يعتقد معظم أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أن الاقتصاد سيستوعب رفع الأسعار بحلول نهاية العام؛ وهناك وقت كافٍ ريثما تبرهن البيانات على ذلك. تيم فوكس *كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك الإمارات دبي الوطني
مشاركة :