كان النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي واضحاً جداً في تحديد هدفه الأساسي مع فريقه الجديد باريس سان جيرمان الفرنسي وهو الفوز بدوري أبطال أوروبا لكرة القدم مرة أخرى، ليعطي إدارة النادي الباريسي دفعاً جديداً في اتجاه تحقيق هذا الحلم الذي تسعى خلفه منذ 2011. وبعد الإعلان الصادم الذي صدر عن برشلونة الخميس الماضي وخلافاً لجميع التوقعات بعدم التجديد لميسي نتيجة قواعد سقف الرواتب التي فرضتها رابطة الدوري الإسباني، ما كان سيهدد ميزانية النادي بحسب ما أفاد رئيسه خوان لابورتا، تسارعت الأمور وكان سان جيرمان الفرنسي المستفيد الأكبر بضم الأسطورة الأرجنتيني في صفقة انتقال حر. الآن وبعدما ارتدى قميص برشلونة طيلة 21 عاماً وفاز معه بجميع الألقاب الممكنة، يبدأ ميسي حقبة جديدة في العاصمة الفرنسية بالقميص رقم 30 عوضاً عن الرقم 10. جالساً بجانب القطري ناصر الخليفي رئيس سان جيرمان، قال ميسي في المؤتمر الصحافي أمس: «قلت إن حلمي هو الفوز بلقب آخر في دوري أبطال أوروبا، وأعتقد أن سان جيرمان المكان المثالي للحصول على فرصة تحقيق ذلك». وتوّج ميسي بلقبه الرابع الأخير في المسابقة القارية عام 2015 مع برشلونة الإسباني، فيما يبحث سان جيرمان عن اللقب للمرة الأولى بتاريخه ولهذا السبب كان من أكثر الفرق تعزيزاً لصفوفه منذ انتقال ملكيته إلى قطر للاستثمارات الرياضية عام 2011. ووقع ميسي مساء أول من أمس عقد انتقاله رسميا إلى سان جيرمان لمدة عامين مع خيار التمديد لعام ثالث بعد الانفصال عن برشلونة الذي توج معه بجميع الألقاب الممكنة، بينها 10 في الدوري الإسباني و4 في دوري الأبطال من أصل 35 في جميع المسابقات. وقال ميسي خلال تقديمه في ملعب «بارك دي برانس» أمس: «سعيدٌ للغاية بانضمامي إلى سان جيرمان، أتطلع للاجتماع بزملائي، الطاقم التدريبي، وأن أبدأ هذه المرحلة الجديدة». وأوضح: «كان من الصعب جداً علي أن أترك برشلونة بعد هذه الفترة الطويلة. كان هناك حزن ومعاناة وانقلب كل ذلك إلى فرح وسعادة بالحفاوة مع انضمامي لسان جيرمان. التغيير صعب بعد 21 عاماً قضيتها في برشلونة، لكن هنا في باريس سأبدأ التحدي الجديد». ورحب الخليفي بأفضل لاعب في العالم ست مرات قائلاً: «يُسعدني أنّ ليونيل ميسي اختار الانضمام لباريس سان جيرمان، ونحن فخورون بالترحيب به في باريس مع عائلته». وتابع: «لن نخيّب آمال جماهير فريقنا ونحن نصنع لحظة تاريخية والعمل الجدي يبدأ الآن». وتطرق إلى مسألة هداف نادي العاصمة كيليان مبابي الذي لم يجدد حتى الآن عقده (ينتهي في صيف 2022)، بالقول: «كيليان باريسي، منافس بشدة. قال إنه يريد فريقاً قادراً على المنافسة، والآن، ليس هناك أي فريق أكثر تنافسية من سان جيرمان. لا عذر له للقيام بأي شيء آخر سوى البقاء مع الفريق». ويبدو سان جيرمان فريقاً لا يُقهر هذا الموسم، أقلّه على الورق، بعدما عزّز صفوفه بقائد ريال مدريد الإسباني قلب الدفاع سيرجيو راموس في صفقة انتقال حر، وقائد هولندا جورجينيو فينالدوم والحارس الإيطالي جانلويجي دوناروما في صفقتي انتقال حر أيضاً بعد انتهاء عقديهما مع ليفربول الإنجليزي وميلان توالياً، والنجم المغربي أشرف حكيمي من إنتر ميلان الإيطالي. ومن المؤكد أن القوة المالية لسان جيرمان والتخفيف من قواعد اللعب النظيف المالي للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، فتحا الباب أمام نادي العاصمة الفرنسية لتحقيق هذه الصفقات وأبرزها ميسي بالتأكيد. وشدد الخليفي أمس على أن ناديه دائما ما يعمل وفق قواعد اللعب المالي النظيف وملتزم باللوائح وقال: ««ما نقوم به في سان جيرمان ينعكس خارجه خصوصاً على العاصمة الفرنسية». وتجدد الحديث في الساعات الماضية عن إمكانية أن يسهل وصول ميسي إلى «بارك دي برانس» رحيل مبابي إلى ريال مدريد الإسباني وقد عنونت صحيفة «أس» الإسبانية «مبابي في الريال، إنّه أمر ممكن». لكن بالنسبة لخليفي، فما يطالب به مبابي الذي انتقل إلى نادي العاصمة عام 2017 من موناكو، من فريق قادر على الفوز بكل الألقاب الممكنة أصبح واقعاً الآن بانضمام ميسي الذي سيجتمع مجدداً بزميله السابق في برشلونة البرازيلي نيمار، وسيلعب تحت إشراف مواطنه ماوريسيو بوكيتينو. وتطرق ميسي في مؤتمره الصحافي إلى اللعب مجدداً بجانب نيمار بعدما كان معاً في النادي الكاتالوني من 2013 حتى 2017 قبل أن ينضم البرازيلي إلى سان جيرمان في صفقة قياسية بلغت 222 مليون يورو، قائلاً: «أنا ونيمار نعرف بعضنا البعض جيداً. آمل أن نكون أقوى معاً إلى جانب جميع زملائنا في الفريق». أما بالنسبة للعب تحت إشراف مواطنه بوكيتينو، فقال: «أعرف المدرب ماوريسيو بوكيتينو جيداً. وكونه أرجنتينياً، سهّل الكثير من الأمور منذ البداية. وكان ذلك مهماً في اتخاذ قراري». وكان نيمار من أول المهنئين لميسي وكتب على حسابه على إنستغرام عبارة «معا مجددا» وصورة تجمعهما سويا عندما لعبا معا في صفوف برشلونة بين عامي 2013 و2017. وعلق أيضا الحارس الإيطالي دورناروما المنضم حديثا لسان جيرمان: «ميسي أفضل لاعب في العالم. أنا متأثر وسعيد أن يكون ضمن فريقنا». وما إن وطأت قدم ميسي باريس كان في استقباله الآلاف من الجماهير وفرشت له السجاده الحمراء مثل استقبال الملوك، لتصاب العاصمة الفرنسية بحمى النجم الأرجنتيني الذي كان هو رجل الأخبار الأول، مع توقع أن يكون لوجوده في سان جيرمان أبعاد جديدة من الناحيتين الرياضية والاقتصادية. وخلال مراسم توقيع العقد بث النادي مقطع فيديو قصيرا مدته 13 ثانية مليئا بالتلميحات أبرزها حول الكرات الذهبية الست التي نالها النجم الأرجنتيني في مسيرته حتى الآن مع صورة في الخلف لبرج إيفل الشهير في العاصمة الفرنسية، كانت الجماهير تتهافت على متجر النادي من أجل شراء قميص ميسي الجديد الذي يحمل رقم 30. والآن ستتباهى العاصمة الفرنسية التي تملك معالم أثرية شهيرة مثل برج إيفل، ومتحف اللوفر وقوس النصر، أن بها أيضا الأيقونة الأرجنتيني ليونيل ميسي في سان جيرمان. غضب أوروبي لكن بعيداً عن الابتهاج الباريسي، ترى كرة القدم الأوروبية وصول ميسي إلى سان جيرمان زيادة في عدم المساواة وفقدان القدرة التنافسية، وسط قلق من الهيمنة المالية لنادي العاصمة الفرنسية في سوق غير منظمة «يستفيد منها الأقوى». وإذا كانت فرنسا تنتظر بفارغ الصبر رؤية أفضل لاعب في العالم ست مرات يخوض مباراته الأولى في دوري «ليغ 1»، فإن بقية القارة العجوز تشكك بهذه الصفقة وتبعاتها. في إنجلترا بشكل خاص، تحدثت معظم العناوين في وسائل الإعلام عن الطبيعة «العبثية» لصفقة من هذا النوع، وتساءلت صحيفة «الغارديان» عن «كيف يعقل أن أعظم لاعب في جيله لا يتحكم في مسيرته؟»، معربة عن خيبة أمل لأن ميسي كان «آخر شيء نقي وجيد في عالم الانتقالات والاحتيال».أما صحيفة «كورييري ديلو سبورت» الإيطالية، فتساءلت: «متى سيقرر فيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) ويويفا (الاتحاد الأوروبي للعبة) تنظيم مسألة ما إذا كان بإمكان الدولة امتلاك نادٍ لكرة القدم؟»، وذلك في إشارة منها إلى قطر للاستثمارات الرياضية التي تملك سان جيرمان منذ عام 2011. في إسبانيا، استخدمت صحيفة «إل موندو» شعار نادي برشلونة «ميس كي أون كلوب»، أي أكثر من نادٍ، لتنتقد سان جيرمان ومالكيه القطريين بالقول «بي إس جي أكثر من نادٍ: الذراع الرياضية لقطر». المسألة لا تتعلق وحسب بميسي، فقد لقد تعاقد سان جيرمان هذا الصيف مع الإسباني سيرخيو راموس، والهولندي جورجينيو فينالدوم، والحارس الإيطالي جانلويجي دوناروما إضافة إلى المغربي أشرف حكيمي في صفقة قدرت بستين مليون يورو. صحيح أن ميسي وراموس وفينالدوم ودوناروما انضموا إلى سان جيرمان من دون مقابل، إلا أن رواتبهم مرتفعة جداً، لا سيما النجم الأرجنتيني الذي سيتقاضى بعد الضرائب 40 مليون يورو سنوياً بحسب التقارير الإعلامية، ما طرح علامات استفهام حول التزام نادي العاصمة الفرنسية بقواعد الاتحاد الأوروبي للعب المالي النظيف والتي أصبحت أكثر ليونة بسبب التداعيات المالية الناجمة عن تفشي فيروس «كورونا». وطالب كارل هاينز رومينيغه، الرئيس التنفيذي السابق لنادي بايرن ميونيخ الألماني بضرورة تطبيق ضوابط مالية أكثر صرامة في كرة القدم الأوروبية. وصرح رومينيغه عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي (يويفا)، بصفته ممثلاً لرابطة الأندية الأوروبية، قائلا: «اللعب المالي النظيف موجود بالفعل. يحتاج فقط إلى تعديله واستخدامه بشكل أكثر صرامة، لقد بات ذلك ضرورة ملحة». وأوضح: «ألكسندر سيفرين رئيس يويفا يرى الأمر بالمثل». وينص نظام اللعب المالي النظيف في يويفا على أنه من حيث المبدأ، لا ينبغي للأندية أن تنفق أكثر مما تكسب. لكن القواعد الخاصة بعائدات الرعاية عكست المياه. وشدد رومينيغه: «هذه اللوائح التي أتحدث عنها من المفترض أن تعمل على استقرار المنافسة، وليس تقييدها، ونادرا ما يتم النظر إلى هذه القضية من هذا الجانب». ويذكر أن رومينيغه كثيرا ما قال خلال وجوده في البايرن إن ناديه لا يمكنه منافسة باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي في سوق الانتقالات. ويرى المراقبون أن تخفيف التشدد في تطبيق قواعد اللعب المالي النظيف ترك مساحة أكبر للفرق الكبيرة للتحرك، في انتظار «الإصلاح» الذي وعد به الاتحاد الأوروبي مع انطلاق الموسم الجديد. لكن هل سيكون التعاقد مع ميسي كافياً ليكون إشارة تحذير لسلطات كرة القدم؟ لا يبدو كذلك. فبالنسبة لرافايلي بولي مسؤول المرصد الكروي الدولي في نيوشاتل السويسرية: «إنهم لا يريدون منع المساهمين في الأندية من ضخ أموال جديدة في وقت تواجه فيه بعض الفرق خطر الإفلاس»، معتبراً أن سان جيرمان والخليفي كانا الداعمين الرئيسيين للاتحاد الأوروبي في هجومه على الأندية المتمردة الـ12 التي أرادت إطلاق الدوري السوبر الأوروبي المنافس لدوري الأبطال، قبل أن تنسحب تسعة منها بسبب التهديد. وأضاف «لا يمكن مقارنة العجز التشغيلي لسان جيرمان مع الأندية الأوروبية الأخرى (بسبب الأموال التي تضخ فيه من الحكومة القطرية»، معتبراً أن صفقة مثل التي تمت مع ميسي أو في الأسابيع القليلة الأخيرة ستزيد من عزم الأندية الأوروبية المتمردة، أي برشلونة وريال مدريد ويوفنتوس الإيطالي، على إطلاق الدوري السوبر الأوروبي.
مشاركة :