ما هي الفلسفة؟ هي أن تقول أو أن تكتب شيئا لا يفهمه العامة ويدعي الخاصة أو النخبة أنهم فهموه. ربما ليس بهذا التبسيط ولكن بشيء منه، بالتأكيد. وهذا رأي وليس نظرية. مجرد تبسيط عفوي لمسألة شديدة التعقيد. عندما أقرأ أفلاطون أو أرسطو، لا أدري لماذا سُميّا فيلسوفين. لقد تحدّثا إلى الناس بلغة مبسطة غير معقّدة يفهمها الناس. وما دمتُ أنا قد فهمت أقوالهما من دون أي عناء، فإن ما قالاه لم يكن فلسفة. كان فكرا واضحا وأسسا واضحة للفهم. وعندما أقرأ برتراند راسل، فيلسوف القرن الماضي، أجد في معظمها، وما دمت أستوعب ما فيها فليست فلسفة. اللهم فيما يتعلق بتاريخ الرياضيات، فاللهم عفوك. وقد اعتبر جان بول سارتر مؤسس الفلسفة الوجودية، لكن معظم كتابات الرجل كانت للإنسان العادي والقارئ العام، وكان هاجسه أن يصل إلى أكبر عدد من البشر، وليس فقط إلى أساتذة الفلسفة في الجامعات. ربما يكون المقصود بالفيلسوف هو المفكر. وعندها أنحني احتراما وتقديرا. هناك من تحمله أفكاره أبعد وأعمق من جيله وعصره، وهناك من تعلو مصابيحه فوق المصابيح الأخرى. وسوف يكون أكثر أهمية إذا استطاع أن يشرح لنا ماذا يريد أن يقول. حُرمت من قراءة كتّاب عرب كثيرين، لأنني لم أستطع أن أضبط أين تبدأ جملتهم أو فقرتهم، وما إذا كانتا تنتهيان. بمجرد أن ألحظ أن السطر الأول هو الصفحات الثلاث الأولى من القاموس، أنصرف إلى قراءة شيء آخر، أو إلى حل الكلمات المتقاطعة. أحببت في محمد عابد الجابري أنه كان يقول أعقد الأشياء في أبسط التعابير. وأعجبت بجورج طرابيشي، لأنه لا يتنازل إلى العاديين أمثالنا، لكنه لا يترفع عليهم. فكره جزء من أسلوبه، أو العكس. وكنت أعتقد، صامتا وخجولا بذلك، أن الجملة التي اشتهر بها الفيلسوف الفرنسي ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود»، هي قول أطلقه بائع (أو بائعة) بطاطا مقلية في سوق الهال، بصرف النظر عن مدرسته وتأثيرها. والآن ثمة حملة متزايدة في فرنسا تقول: لماذا تصر على الرجل المسكين بأسخف ما قال. التفكير ليس الدلالة الوحيدة على الوجود الإنساني، ودببة القطب (الشمالي والجنوبي) لا تنقطع عن التفكير في وجودها. صحيح أنها لا تكتب ولا تعزف مقطوعات شوبان، لكنها تفكر. دفعني إلى كتابة هذا التفلسف كتاب للدكتورة كاثرين موريس، التي تدرس جان بول سارتر في أكسفورد منذ سنوات: الرجل ليس فيلسوفا، الرجل مفكر كبير! شغل سارتر ببراعة ثقافات ومثقفي العالم منذ الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن. لكن ليس كفيلسوف، وإنما ككاتب ومفكر واعتراضي. وأهم ما كتبه كان عن حقائق الحياة لا عن غيبياتها. ولم يطرح تساؤلات أبقاها معلقة في الهواء، بل إجابات حاول تطبيقها على الجميع.
مشاركة :