المعرفة قوة مقولة صحيحة، ولكن المعرفة بدون استخدام أو بدون تطبيق يمكن أن تكون مجرد مستودع معلوماتي لا يؤدي إلى نهضة أو تقدم حقيقي. وكثيراً ما نلاحظ أن كثيراً من الناس يعتبرون أن حيازتهم للمعرفة هي لمجرد المباهاة بها، مثل أولئك الذين يبرعون في مجال اللغة أو الرياضيات، بدون استخدام أو تطبيق لها وخدمة لمجتمعاتهم. وقد حدث خلال الحرب العالمية الأولى أنه قام الصناعي الشهير (هنري فورد) برفع دعوى على صحيفة شيكاغو لأنها وصفته بأنه رجل جاهل!! وعندما نظرت الدعوى في المحكمة، رد وكلاء الصحيفة على فورد بطلب التبرير، وطلبوا كذلك حضور فورد إلى المحكمة من أجل الإثبات لهيئة المحكمة أنه جاهل. وسأل المحامون فورد طائفة منوعة من الأسئلة العامة والتي تتعلق بعدد الجنود في الحرب التي شنتها بريطانيا لقمع ثورة 1976م، وغيرها من الأسئلة المعرفية التي تقيس مدى ثقافة الشخص. وعندما سئم فورد من الأسئلة أشار بأصبعه إلى المحامي الذي طرح عليه الأسئلة وقال:"إذا أردت أن أُجيب على أسئلتك السخيفة التي طرحتها عليّ فإنني أذكرك أن لديّ في مكتبي صفاً من الأزارير الكهربائية، وعندما أضغط على الزر الصحيح، فإن رجالاً سوف يأتون للإجابة على أي سؤال أود طرحه، ويتعلق بالعمل الذي أكرس له معظم وقتي وجهودي. ترى.. لماذا ينبغي أن أحشو عقلي بالمعرفة العامة لأكون قادراً على الإجابة على أسئلة يمكن لمن حولي تزويدي بها في الحال!! وفي الواقع فإن هذا الرد قد أفحم المحامي، وأدرك جميع الحاضرين في قاعة المحكمة أن الرد الذي قاله(هنري فورد) لا يمكن أن يصدر عن إنسان جاهل، بل يدل على إنسان مثقف ومتخصص. فالإنسان المثقف هو من يعرف كيف يحصل على المعرفة عندما يحتاج إليها. وبالتالي كيف يعرف تنظيم تلك المعرفة في خطة عمل محددة، وباستراتيجية متقنة، من خلال فريق عمل مميز. لقد كان لدى(هنري فورد) امبراطور السيارات كل المعرفة المتخصصة التي يحتاج إليها من أجل تطوير منتجاته، وتحسين صناعته. ولم يكن ضرورياً أن يختزن عقله المعرفة دون الاستفادة منها، من أجل تطوير حياته وصناعته ومجتمعه. إننا في حاجة إلى المعرفة، فالمعرفة قوة، ولكننا في حاجة أكبر إلى استخدام هذه المعرفة وعدم تخزينها من أجل المباهاة أو ادعاء المعرفة فقط...
مشاركة :