بينما تسيطر «طالبان» على البلاد، تقوم جماعات «جهادية» أخرى بتنفيذ هجمات في المنطقة. إن المصالح الصينية هي الأولوية القصوى راهناً. بدأت التداعيات قبل وصول «طالبان» إلى كابل. فقد سقطت مدينة تلو الأخرى في الأسبوع الماضي، والآن دخل المتمردون العاصمة. وسيزداد الأمر سوءاً مع توسع الصراع ليتجاوز حدود أفغانستان. والآن لدى الجماعات «الجهادية» التي تتخذ من البلاد مقراً لها، والتي لدى بعضها أجندات دولية مثل تنظيم «القاعدة»، هدف لهزيمة الحكومات المدعومة من القوى الكبرى، وقد تجرأت بفعل تقدم حركة «طالبان» السريع. يحدث هذا في الوقت الذي يشهد فيه النظام البيئي «الجهادي» أدنى ضغط في مجال مكافحة الإرهاب خلال العقدين الماضيين، حيث أصبح طليقاً بصفة فعلية. يقول أسفنديار مير، المحلل الأمني لجنوب آسيا بالمعهد الأميركي للسلام، إنه مزيج خطير عندما ترتفع التهديدات في الوقت نفسه الذي تتضاءل فيه جهود مكافحتها، مضيفاً: «التهديد قائم، ونحن نتحدث عن تصعيد من هذه النقطة فصاعداً». إن انهيار الجمهورية الأفغانية بعد رحيل الولايات المتحدة سيكون له أهمية إقليمية كبيرة مثل غزو ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)، أو انسحاب القوات السوفياتية وسقوط النظام الشيوعي الذي كانت تؤيده موسكو. «هذا تحول مزلزل من شأنه أن يغير وجه السياسة برمتها في هذا الجزء من العالم بطرق يصعب التنبؤ بها». أتوقع أن يكون الخطر المباشر إقليمياً - في جنوب ووسط آسيا - لأن الجغرافيا والإمكانات تحد من الضرر الأولي. وقد تلقت المصالح الصينية في باكستان ضربة بالفعل. وفي أبريل (نيسان)، انفجرت سيارة مفخخة في فندق فاخر يستضيف سفير بكين في مدينة كويتا الباكستانية، وهي ليست بعيدة عن معاقل «طالبان» في جنوب أفغانستان. وفى الشهر الماضي، أسفر انفجار قنبلة في حافلة متجهة إلى سد ومشروع كهرومائي في داسو، بالقرب من الحدود الباكستانية مع الصين، عن مصرع 12 شخصاً، من بينهم تسعة مواطنين صينيين. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، لكن بكين أعربت عن قلقها البالغ، إذ استضافت ممثلين عن «طالبان» للاجتماع مع وزير الخارجية وانغ يي. وباتت المشاريع بقيمة 60 مليار دولار في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان على المحك، وهي جزء أساسي من مبادرة «الحزام والطريق» الأوسع نطاقاً، والتي أطلقها الرئيس شي جينبينغ، إلى جانب مصالح التعدين الصينية الكبيرة داخل أفغانستان. وفي حين أن هذه ليست أول زيارة تقوم بها حركة «طالبان» إلى الصين، إلا أن المستوى الرفيع لممثلي الحكومة الصينية كان غير مسبوق، كما هو الحال بالنسبة للرسالة العلنية بأن بكين تعترف بالجماعة كقوة سياسية مشروعة، أشار يون سون، مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون، في مقال نُشر الأسبوع الماضي على بوابة الأمن القومي المسماة «وار أون ذا روكس». وبعد أن التقط صوراً مع أحد مؤسسي الحركة ونائبه، الملا عبد الغني بارادار، وصف وانغ حركة «طالبان» بأنها «قوة عسكرية وسياسية حاسمة في أفغانستان من المتوقع أن تلعب دوراً مهماً في عملية السلام والمصالحة وإعادة إعمار البلاد». وما تريده بكين في المقابل هو أن ترقى «طالبان» إلى مستوى الالتزام بقطع كل العلاقات مع المنظمات الإرهابية. إن أي هجمات جديدة على المواطنين الصينيين العاملين في جنوب آسيا، سواء أعلنت «طالبان» أو جهات أخرى تعمل بمباركتها المسؤولية عنها، سوف تؤثر من دون شك على مستقبل العلاقات، رغم أنه من غير الواضح ما الذي ستفعله الصين رداً على ذلك. ومع عدم وجود ضغط سياسي أو دبلوماسي كبير لإضعاف تقدم «طالبان» أو كبح جماح الجماعات التي تعمل في ظلها، بما في ذلك تنظيم «القاعدة» - تضاءلت الأمور كثيراً بعد 20 عاماً من غزو الولايات المتحدة لأفغانستان لتدمير هذه الجماعات ومضيفيها من حركة «طالبان» - إنها مسألة متى وليس ما إذا كان هناك تصاعد في الهجمات الإرهابية. هناك احتمال أن القوى الكبرى - الولايات المتحدة وروسيا والصين - قد تتدخل وتقنع حلفاءها وأصدقاءهم لإنهاء الأعمال العدائية. لكن المحللين يعتقدون أن ذلك غير مرجح. وقد ازدادت الأوضاع سوءاً منذ أن توصلت الولايات المتحدة و«طالبان» إلى اتفاق في فبراير (شباط) من العام الماضي، وسوف يواصلان القيام بذلك. أما بالنسبة لأفغانستان فإن مبعث القلق التالي هو أن المقاتلين الأجانب قد يشرعون مرة أخرى في التدفق من كافة أنحاء العالم. * بالاتفاق مع «بلومبرغ»
مشاركة :