زوربا المصري يسقط الرئيس | عبدالمنعم مصطفى

  • 7/4/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحلق المارة في أحد الشوارع أمام مقر مكتب وزير الثقافة الموالي للإخوان بحي الزمالك القاهري، حول فرقة باليه الأوبرا التي راحت ترقص على إيقاع موسيقى زوربا للمبدع ميكوس ثيودوراكيس.. ضمن عملية احتجاج حضارية ضد قرار للرئيس الإخواني (السابق) محمد مرسي بتعيين وزير جديد للثقافة، بدا أنه تلقى تكليفاً من الجماعة الحاكمة ( آنذاك) بإنجاز أسرع عملية تجريف واسعة وعميقة لقطاع الثقافة والفنون في مصر، بدعوى ان بعضه "حرام" والبعض الآخر "لا يدر عائداً مجزياً". الذين اعتصموا بمكتب وزير الثقافة الجديد كانوا يتصدون في الحقيقة لأكبر عملية تغيير هوية تتعرض لها الشخصية المصرية عبر تاريخها الطويل والممتد، فالخطوات التي اتخذها الرئيس الاخواني (السابق) محمد مرسي بدعوى "التطهير" لم تهدف في الحقيقة سوى لـ "أخونة الدولة" عبر الإمساك بكافة مفاصلها، خاصة ما يتعلق منها بالهوية، حيث سيطرت الجماعة على وزارات الأوقاف (منابر الدعوة بالمساجد وغيرها) والاعلام ( صحافة "قومية" وإذاعة وتليفزيون حكومي)، والتعليم، عدا عن وزارات أخرى مؤثرة، جرت ادارة بعضها عبر مكتب الإرشاد الذي يسيطر عليه التيار القطبي المتشدد داخل الجماعة. عرض باليه زوربا في الشارع جسّد إحدى ذرى الاحتجاج المصري المتحضر، الذي ابتكر أيضا ما عرف بـ "حملة تمرد" لجمع التوقيعات من أجل إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والتي تمكن الشباب خلالها من جمع اكثر من اثنين وعشرين مليون توقيع، عمد الرئيس السابق وجماعته إلى تجاهلها. النمط المتحضر للمعارضة المصرية المبدعة، استطاع بناء حشد غير مسبوق في التاريخ الإنساني كله، تمكن بشهادة شبكة سي ان ان وموقع جوجل ايرث من حشد نحو 33 مليون مواطن خرجوا في شوارع مصر مطالبين برحيل الرئيس الإخواني محمد مرسي، الذي عمد وجماعته إلى المراوغة، والمناورة، والتهديد بقطع الأصابع.. والأيدي.. وحتى الرقاب. وفيما كان المصريون يحشدون لما يمكن أن يكون أول ثورة في التاريخ للدفاع عن "الهوية" ضد نظام استهدف وضع المصريين داخل قالب اخواني أعده لهم سلفا، دون أن يبدي أدنى احترام لأسلوب الحياة المصرية، ولا حتى للنشيد الوطني المصري الذي اعتبره بعض رموز الجماعة الحاكمة "حراماً" وهو نشيد استلهمه المصريون من عبارة لزعيمهم الوطني مصطفى كامل قبل أكثر من مائة عام وراحوا يرددونه منذ ثورة سعد زغلول عام 1919 ، فبدت محاولة الاخوان لطمس الهوية الوطنية المصرية وكأنما هى محاولة لعزل المصريين عن جذورهم التاريخية والحضارية، الأكثر رسوخاً في التاريخ الإنساني كله. ربما لا يعرف أغلب المصريين الذين خرجوا يوم الأحد الماضي مطالبين بإسقاط النظام "الإخواني"، وحققوا غايتهم أول أمس (الأربعاء) بالاطاحة بالرئيس(السابق) محمد مرسي وبجماعة الاخوان المسلمين، أنهم في الحقيقة لم يطيحوا بالنظام فقط بسبب طوابير البنزين وأزمة الطاقة والتفريط في مياه النيل، والتهديد الواضح للسيادة المصرية على سيناء، وانما لأن هويتهم الوطنية كانت تواجه خطراً داهماً، لكن أنصار جماعة الاخوان في مصر، ربما لم يدركوا هم أيضا وسط تسارع الاحداث من حولهم، أن سقوط جماعتهم في أول تجربة حكم بأكبر بلد عربي وشرق أوسطي، هو لحظة الخروج النهائي من التاريخ. أحد الأصدقاء وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة مصرية كبرى كتب على موقع الفيس بوك أن جماعة الاخوان المسلمين ولدت على يد مدرس ابتدائي(حسن البنا) وانتهت بقيادة رئيس جمهورية (محمد مرسي). فيما كتب آخر أن الجماعة ولدت عام 1928 وتوفيت في 30 /6/ 2013 ، والحقيقة أن المصير النهائي لتلك الجماعة التي خرجت من رحمها معظم جماعات الاسلام السياسي بما فيها حركات العنف المسلح باسم الدين، قد يتوقف الى حد كبير على ما اذا كان لدى تلك الجماعة الرؤية، والقدرة، وحس القيادة القادر على ادارة الهزيمة وما بعدها، فجنوح القيادات الحالية الى التحريض على العنف، و دعوة الانصار الى الاستشهاد دفاعاً عما تسميه الجماعة "المشروع الاسلامي"، كل ذلك قد يغلق باب التاريخ مرة واحدة والى الأبد، على رقبة الجماعة، وكافة فروعها في المنطقة وحول العالم، وهو ما حذر منه التنظيم الدولي للإخوان قبل أيام لدى اجتماعه في بروكسل حين طالب الجماعة في مصر بالتضحية بمرسي من أجل إنقاذ ما يمكن انقاذه، لكن هيمنة التيار القطبي على مكتب ارشاد الجماعة رجحت الميل الى التشدد ومواصلة الهروب الى الأمام، ما قاد في النهاية إلى إسقاط الرئيس مرسي، وما تبعه من ملاحقات أمنية قادت حتى كتابة هذه السطور الى القبض على معظم قيادات مكتب الإرشاد، فضلا عن ملاحقات مستمرة ضد حوالي 300 قيادة أخرى. ثوار التحرير، وشباب حركة "تمرد" وكافة القوى المصرية الحية، لم تتمكن فحسب من اسقاط رئيس فاشل، أو عنصري او فاشي، لكنهم أيضا منحوا جماعة الإخوان المسلمين تأشيرة خروج نهائي من التاريخ في مصر، وربما ايضا من المنطقة، في بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، فما حدث في مصر، هو في جوهره كتابة الإصحاح الأول من سفر الخروج الإخواني.. زوربا المصري سيعاود الرقص على إيقاع موسيقى ثيودوراكيس، فثورة الهوية قد حققت أهدافها في مصر حتى الآن. moneammostafa@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (21) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :