قدّم مسرح «رون بوان» الباريسي الذي يديره جان ميشال ريب منذ ١٣سنة، أسلوباً ذكياً يدمج بين الكلاسيكية والحداثة، إضافة إلى رغبة ملحة في تقديم المواهب الشابة من مؤلفين ومخرجين إلى الجمهور العريض مجازفاً في كثير من الأحيان بالعنصر التجاري ومفضلاً عليه النوعية المتفوقة في شأن ما هو مطروح فوق الخشبة. مسرحية «يا إلهي ها هو مخزني» من تأليف نيكول جينوفيز وأداء مجموعة من الممثلين الشبان غير المعروفين ولكن من الجديرين بكسب شعبية، لما يتميزون به من طاقة وقدرة كوميدية عالية. يشير عنوان المسرحية إلى جملة فكاهية دخلت تاريخ المسرح الفرنسي الكوميدي وهي «يا إلهي ها هو زوجي»، وهي عائدة إلى خمسينات القرن العشرين، وكانت تختتم بها مسرحية ألفها ساشا غيتري وهو مؤلف ومخرج وممثل للون الفكاهي الاجتماعي الساخر في نهاية النصف الأول وبداية النصف الثاني من القرن الفائت. وراحت نيكول جينوفيز تحوّل هذه العبارة المشهورة إلى «يا إلهي ها هو مخزني»، مشيرة هكذا منذ البداية إلى نيتها تقديم عمل يسخر من المسرحيات الكوميدية المبنية حول الزواج والخيانة والانفصال والحب والأنانية والطمع والبخل والنفاق، واستمدت من نحو عشر مسرحيات معروفة مجموعة من المواقف الضاحكة، حوّرت مغزاها بذكاء وأيضاً حوارها مانحة في النهاية المعنى العكسي بالنسبة إلى ذلك المرغوب فيه أساساً في المسرحية الأصلية. ومن ثم اختارت نخبة من الممثلين من ذوي الموهبة الفكاهية العالية القادرين على ممارسة السخرية في أسلوب شبه درامي يزيد الفكاهة في المواقف المختلفة. ومنحت جينوفيز نفسها الدور الرئيس في مسرحيتها نظراً إلى خبرتها في اللون الذي يعتمده هذا العمل، فقد بدأت مشوارها الفني ممثلة كوميدية في أعمال من نوع الـ «بولفار» أي ما يسمى أيضاً «فارْس»، وهو بالتحديد ذلك الذي تسخر منه في «يا إلهي ها هو مخزني»، الأمر الذي يفسر إلى حد ما جودة نصها وحسن إدارتها مواقفه بما أنها تولت أيضاً إخراجه، فهي تتكلم عن أمر تعرفه تمام المعرفة. وإذا كانت مســـرحية جينوفيز لامعة على أكثر من صعيد فإن الموضوع لا يخلو من عيوب تُعزى إلى قيام جينوفيز بأول تجربة لها في التأليف والإخراج. وإذا كانت المؤلفة قد سلطت الضوء بذكاء ومهارة على المواقف شبه السخيفة في الأعمال التي قررت أن تسخر منها وراحت بالتالي تبالغ في تقليدها وتطلب في ما بعد كمخرجة من ممثليها أن يبالغوا في أداء ما هو مبالغ فيه أصلاً في الكتابة، فهي تجاهلت تماماً الدخول في تفاصيل الفترة التي شهدت ازدهار هذا اللون المسرحي. وهكذا اكتفت بممارسة السخرية من أجل السخرية ومن أجل إثارة ضحك المشاهد على مواقف لا شك في أنه سبق أن ضحك منها عند مشاهدته المسرحيات المعنية الأصلية فوق الخشبة أو لدى عرضها الآن في التلفزيون. والمقصود أن العمق هو الذي ينقص «يا إلهي ها هو مخزني» على رغم وجوده في المسرحيات التي قررت نيكول جينوفيز أن تسخر منها.
مشاركة :