الحمد لله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فإن الله قد منَّ علينا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية بنعم عظيمة، وآلاء جسيمة، أولاها وأكبرها نعمة الإسلام التي هي خير لباس، فبلادنا هي بلاد الإسلام، ومهوى أفئدة المسلمين، ووجهة قبلتهم، ومحط أنظار العالم، بلد التوحيد والسنة، كانت وما زالت ولله الحمد والفضل والمنة قائمة على الأصلين العظيمين: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمنذ نشأت الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود عندما تعاهد واتفق مع الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله تعالى، ثم الدولة الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله، ثم الدولة الثالثة على يد الإمام الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله، وهي تنهل من معينهما الصافي وتشرب وتغرف من منبعهما الزلال، وتطبق شرع الله، وتسير على منهج أهل السنة والجماعة، ذلك المنهج الواضح الذي لا لبس فيه ولا اعوجاج، لأنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، ومن تبعهم من التابعين وأئمة الإسلام. يُضاف إلى ذلك: الاستقرار، والطمأنينة، ورغد العيش، والذي نُغبط عليه من القريب والبعيد، والصديق والعدو، والقاصي والداني. ولهذا نقول: إن المتأمل لتاريخ بلادنا الحبيبة المباركة المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين يرى ويطلع على ما يسره، وتقر به عيناه، ويثلج صدره، ويجعله متفائلاً، يتطلع إلى المزيد والمزيد من العطاء والنماء، والتقدم والرقي؛ لأنها بلد العقيدة الصحيحة، والمنهج السليم، بلد الأمن والأمان، والطمأنينة والاستقرار، ورغد العيش وتطبيق شرع الله، وتنفيذ أحكامه وحدوده، لا يُعرف لها نظير في جميع بلدان العالم في ذلك، قريبة كانت أو بعيدة، يشهد بذلك الجميع، فحمداً لله، وشكراً له على ما أنعم به علينا من نعم عظيمة، وآلاء جسيمة. إنه منذ أن التقى الإمام محمد بن سعود بالإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، وتعاهدا على الجهاد في سبيل الله، وإعلاء كلمته، والدعوة إليه، وانطلاقاً من عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي بذل نفسه وماله ووقته وولده من أجل توحيد الجزيرة، وجمع شتاتها، وجمع كلمتها، والتوفيق بين أبنائها، وتحكيم شرع الله فيها، في وقت كانت أحوج ما تكون إلى ذلك، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله قائد مسيرة هذه البلاد، وباني نهضتها، وهذه البلاد في عزة ومنعة، وقوة وثبات، وازدهار، ولا غرابة في ذلك ما دام أن ولاة أمرنا ينطلقون في حكمهم وأحكامهم، ومعاملاتهم وتصرفاتهم ومواقفهم، من المصدرين الأصليين، والمنبعين الصافيين للإسلام: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح لهذه الأمة (عقيدة، وشريعة، ومنهجاً، وأخلاقاً) والتي لا عز ولا نصر ولا تمكين إلا بالأخذ بها والسير على نهجها وهداها، قال الله تعالى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ» الحج: 41، وقال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي». ومن هنا جاءت تلك النظرة الثاقبة، والانطلاقة الصائبة، والسياسة الحكيمة المبنية على الأصول الثابتة، والقواعد الراسخة لهذه الدولة من قِبَل ولاة أمرها في دفع عجلة البناء، وبذل كل ما يُستطاع من إمكانات مادية ومعنوية من أجل خدمة المواطن وإسعاده، والسهر على راحته، وتهيئة الجو المناسب له في كل ما يحتاجه في حياته اليومية، فردية كانت أو جماعية، حتى أصبح المواطن السعودي يُشار إليه بالبَنان، ويُنظر إليه نظرة تقدير واحترام، حيث أصبح رجل العقيدة الصحيحة، والعلم والأخلاق والآداب العالية، والأفكار والآراء الناضجة، له صولة وجولة في كل ميادين الحياة، فهو لله عابد، وله راكع ساجد، وفي العلم بارع، وفي الفضاء رائد، وفي البحار غواص، وللخير سابق، وفي كل مجال متمكن وفائق. إن بلادنا تعد في مقياس الأمم والبلدان الأخرى قارة مترامية الأطراف، متباينة الأجناس، مختلفة التضاريس والأحوال، وبتوفيق من الله العلي القدير، ثم ما قام به الملك عبدالعزيز رحمه الله وأبناؤه من بعده، من حمل راية التوحيد، والقيام على شرع الله؛ أصبحت كأنها قرية صغيرة، أهلها متحابون، متعاونون، متكاتفون، متآلفون، لا يمكن لأحد أن يدخل بينهم، أو يؤثر عليهم، وستظل على ذلك بإذن الله رغم ما يكيد لها الكائدون، ويدبر لها الأعداء والحاسدون، ما دام رائدها عقيدة التوحيد الصافية، ومنهج السلف الصالح، وخدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان. ومن أجل هذا وذاك كله يجب على كل ابن من أبناء هذه المملكة أن يعتز ويفتخر، ويسخِّر جهده ووقته لخدمة دينه وعقيدته ووطنه، وإن كلفه ذلك الغالي والنفيس، وأن يعتقد اعتقاداً جازماً، ويقتنع اقتناعاً تاماً بأن أيامها كلها بإذن الله أيام عز ومنعة وأمجاد لا تقف عند حد، ولا يؤثر فيها كبيرة ولا صغيرة. لقد جاء القائد المجاهد البطل الفاتح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن غفر الله له إلى الجزيرة العربية وهي تعيش حالة سيئة دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية حيث قد شاع فيها السلب والنهب والفقر والخوف، مع ما واكب ذلك من عصبية جاهلية وتفاخر وتناحر، وشقاق ونزاع وخلاف واختلاف، عم وطم وشاع وذاع، حتى أصبح أهلها شذر مذر، للظلم بينهم جولة، ولقطاع الطرق صولة وسطوة، وللبدع والخرافات والجهل ظهور ونشوة مما لا يأمن الإنسان معه على نفسه وعرضه ودينه وماله، وهذا بصفة عامة. أما حال قاصدي الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة للحج أو العمرة أو الزيارة بصفة خاصة فهو محزن مبكٍ؛ قتل وسلب ونهب، القوي يأكل الضعيف والغني يستعبد الفقير، تخرج القافلة المكونة من العدد الكبير إلى الحج فقد تصل إلى البلد الحرام وقد لا تصل، وبالتالي فإن من يعود إلى أهله من أداء نسكه يكون في حكم المولود من جديد، عرفنا ذلك من الكتب، وسمعناه من آبائنا يحكونه عن آبائهم وأجدادهم الذين عايشوا ذلك. وبفضل من الله ثم بإخلاص المؤسس الملك عبدالعزيز-رحمه الله- صاحب الأيادي البيضاء، والمجد التليد، الذي بذل نفسه وولده وماله من أجل إعلاء كلمة التوحيد، وترسيخ المعتقد الصحيح والمنهج السليم، وتطبيق شريعة الله، وتنفيذ حدوده وأحكامه، تبدل الخوف أمناً، والفقر غنى، والظلم عدلاً، وتبددت سحب الظلام، وانكشفت بحمدالله الغمة، وانفرجت الكربة، واطمأن الحاج، وتوسعت الدنيا على المحتاج، وانحسر أهل الشر والفساد، وفرَّ الأشرار وأرباب العناد، واندحر أصحاب الجور والهوى والشهوة والشبهة، وأنار التوحيد الخالص أرجاء الجزيرة بل وتعداه إلى أنحاء المعمورة، وفاح عبق المعتقد الصحيح الممتزج بسلامة المنهج في كل شبر من بلادنا الحبيبة، حتى صار مسكاً فواحاً، وعنبراً صداحاً، وروحاً وريحاناً. ولما كانت المملكة العربية السعودية مهبط الوحي، وقِبلة المسلمين ومهوى افئدتهم يتوجهون إليها في صلواتهم ونوافلهم، ومتطلع أفئدهم، ومقصدهم لأداء مناسك الحج والعمرة أو الزيارة فقد صرف جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله جل عنايته، وفائق اهتمامه، وكبير جهده، ومعظم وقته في خدمة الحرمين الشريفين من توسعة وتهيئة لكل ما هو ممكن في جميع المجالات من أجل أن يستطيع قاصدو الحرمين الشريفين من تأدية مناسكهم وشعائرهم وعباداتهم بيسر وسهولة واطمئنان وأمن وأمان، واستمرت هذه الجهود المباركة، والنظرة الخاصة، والمتابعة الدقيقة الصادقة من قبل أبنائه البررة الميامين حتى تقلد زمام الأمور، وولاية الأمر، وإدارة سدة البلاد من لقب نفسه بخادم الحرمين الشريفين حباً لهما، وإخلاصاً لدينه، ووفاءً لعقيدته، ورعاية لوطنه وأبنائه بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة، واستمراراً للعطاء، ومواصلة للجهود المباركة الخيرة التي بدأها ووضع لبنتها الأولى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله حتى آتت ثمارها اليانعة ونتائجها السارة في هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الذي تلاقى فيه تراث الأجداد التليد العتيد بوفاء الأبناء والأحفاد المجيد، فاتضح من خلاله قوة الأسس، وسلامة البناء، وصدق التوجه المفعم بصحة المعتقد والتوحيد الخالص، إلى صدق الولاء وسلامة المنهج، ولذلك فإن كل من أدى مناسك الحج في العصر الحاضر عموماً وفي حج هذا العام خصوصاً يرى ما يثلج الصدر، وترتاح له النفس، وتقر به العين، ويلهج بسببه اللسان بالدعاء لمن قاموا عليه وتابعوه، وحرصوا أشد الحرص على بذل الجهود والإمكانات المادية والمعنوية من أجل إنجاحه وإظهاره بالصورة المطلوبة والمرغوبة، التي أصبح الحج دائماً معها يجيء سهلاً، منظماً، مرتباً، متسلسلاً، ناجحاً نجاحاً باهراً، منضبطاً في حركة سياراته ومشاته، ومراقبته مراقبة دقيقة على مدار الساعة في أماكن اختناقاته وسائر أحواله، بل إن كثيراً ممن حج هذه السنة يثني على التنظيم والترتيب، وحسن التفويج، وعدم التعطل والتأخير، مما جعل الجميع يثنون ويشكرون ويدعون لولاة أمر هذه البلاد، الذي كان لما عملوه ويعملونه في المشاعر المقدسة من توسعة وتنظيم أعظم الأثر فيما تحقق من إيجابيات ومميزات، نتطلع معهم إلى المزيد منها ومما يسعون حفظهم الله دوماً إلى تحقيقه في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والتي جسدتها في الروعة والعظمة وأصبحت مضرب المثل ومحط الإعجاب والافتخار والاعتزاز تلك التوسعة المنقطعة النظير للحرمين المكي والنبوي التي أولتها دولتنا الرشيدة جل الاهتمام والعناية، ووجهه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بسرعة إنجازها والانتهاء منها وتسخير كافه الإمكانات المادية والمعنوية من أجلها، ودشن في رمضان القريب أجزاءً كبيرة منها، والتي بذلت من أجل إتمامها وتنفيذها المقدرات والإمكانات الهائلة، والتي تعتبر مع ما يقدم من خدمات جليلة متميزة ظاهرة وملموسة تُؤَدَّى في الحرمين عموماً وتتمثل في السقاية والنظافة والرعاية والمتابعة والاهتمام البالغ، نعمة من أعظم النعم تستوجب شكر المنعم عليها، والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. وإن من المفاخر في الحج مبنى الجمرات العظيم الذي هو أكبر مبنى مسلح بالحديد والإسمنت في العالم، ولقد أفاد كثيرًا في التوسعة في رمي الجمرات، وتنظيم الحجاج، واستيعاب أعداد كبيرة منهم، ومن محاسنه حسن الطرق المؤدية إليه والخارجة منه وكثرتها إلى الدرجة التي أصبح لكل جزء من منى ومن خارجها طرق لا تلتقي بالطرق الأخرى، لكي لا يحصل الزحام، فضلاً عن ما زُين به من تلك السلالم الكهربائية، والأبواب بين كل دور ودور وغير ذلك مما يحتاجة الحجاج للوصول الى الجمرات. ومما يدهش الإنسان المسلم حاجًا كان أو زائرًا ما هُيء من وسائل النقل المتنوعة والمختلفة والمتميزة وفي مقدمتها قطار المشاعر بكل ما جهز به من وسائل تقنية وحديثة وأساليب متقدمة وتشغيل فني دقيق ومتابع مما يسهل على حجاج بيت الله تأدية مناسكهم والتنقل بين المشاعر براحة وطمأنينة، وغير ذلك من الأعمال والجهود والخدمات الجليلة والدقيقة، الكبيرة والصغيرة التي لا يمكن الإحاطة بها أو ذكرها في مثل هذا المقال، وكلها من أجل خدمة الحرمين الشريفين، وحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله لتوفير الأجواء المناسبة، وتهيئة الخدمات، وتيسير الأمور لراحة الحجاج. إن كل ما تقوم به هذه الدولة المباركة مما يخدم ضيوف الرحمن تقدمه بنفس راضية مرتاحة، لا تقصد منه رياءً وسمعة، وإنما تقصد به وجه الله وخدمة الإسلام والمسلمين فوق كل أرض، وتحت كل سماء، ولذلك هي مستمرة في بذل كل ما يستطاع من أجل تسهيلها وتيسيرها أمور الحج وأكثر ما تقوم به في هذا المجال يتم بهدوء وصمت مما يجعل الأعمال هي التي تتحدث، حيث إن كثيراً من الناس لا يعلمون عن المشروعات الكبيرة والضخمة في الحرمين الشريفين أو المشاعر المقدسة حتى تصبح واقعاً حيًّا يستفيد منها الحجاج والمعتمرون وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن ما تم إيراده هنا إنما هو من باب قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11]، واستذكاراً لواجب الشكر لله على هذه النعم العظيمة في الحرمين الشريفين وما تم عمله في سنوات قليلة مقارنة بما هما عليه على مرِّ العصور، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7]، وبحمد الله وفضله فمنذ قيام الملك عبدالعزيز رحمه الله بتوحيد هذه البلاد وحكومة المملكة العربية السعودية من أولوياتها خدمة حجاج بيت الله الحرام، وتسهيل الصعاب والمشاق من أجل راحتهم، وتوسعة الحرمين الشريفين وصيانتهما وتطهيرهما، والقيام عليهما بكل ما يحتاجانه، والمتابعة لكل صغيرة وكبيرة فيهما، ولعلي أكتفي بذكر مثال واحد، وذلك بذكر كلمة واحدة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله في اجتماع مجلس الوزراء بالمدينة المنورة، في يوم الاثنين الثالث من شهر جمادى الآخرة 1412ه الموافق 9/12/1991م، قال فيها: "إن من دواعي الشكر والحمد دائماً وأبداً لله وحده أن وفقنا بفضله وأكرمنا بعونه إذ مكننا من إنجاز هذه المشروعات العملاقة العظيمة التي تجري الآن في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة مواصلة الليل بالنهار لاستكمال جميع مراحلها في أقرب وقت ممكن إن شاء الله. لقد كانت هذه الإنجازات الخالدة حلماً يراودني منذ سنوات عديدة، وعندما حدثت بها ظن البعض أنه ضرب من ضروب الخيال، ولكن الله جلت قدرته وسبقت إرادته أراد لحكومة البلد وأهله أن يحظوا بشرف هذا العمل العظيم وإلا فمن كان يصدق أن يتسع المسجد النبوي الشريف ليشمل مساحة المدينة قديماً ولكي يستوعب مئات الألوف من زوار المدينة بهذه الجودة، وهذا الإتقان المعماري الذي نراه اليوم قائماً في كل زاوية من زوايا الحرم النبوي والحرم المكي، ولا شك أن التطور التقني الذي شمل معدات وآلات البناء الحديث قد ساعد كثيراً على ما توصلنا إليه بعون الله وتوفيقه في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وأود أن أؤكد لكم أيها الإخوة أن كل شيء أستطيع تقديمه للحرمين الشريفين ولمكة مهبط الوحي والمدينة مشع نور الرسالة لن أتردد لحظة في المبادرة إلى تقديمه؛ لأن ميزة هذا البلد إنما يتجلى في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية الحجاج والزوار والمعتمرين على مدار العام. وسوف لا أدخر وسعاً بالجهد والمال في سبيل استكمال هذا العمل الإسلامي الحضاري التاريخي الذي وهبت نفسي في سبيل تحقيقه، وأحمد الله أن شرفني وإخواني وأهل هذا البلد بهذا الفضل العظيم" كتاب توسعة وعمارة الحرمين الشريفين (1/61). وقد جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله تعالى بمنى في حج هذا العام: تطوير آليات وأساليب العمل في موسم الحج لم ولن تتوقف إن شاء الله، وقد وجهنا الجهات المعنية بمراجعة الخطط المعمول بها والترتيبات كافة، والأدوار والمسؤوليات المناطة بمؤسسات الطوافة والجهات الأخرى، وبذل كافة الجهود لرفع مستوى تنظيم وإدارة حركة ومسارات الحجيج بكل يسر وسهولة، وسيتم العمل إن شاء الله على تذليل كافة المعوقات والصعوبات ليتسنى لضيوف الرحمن أداء مناسكهم في راحة وطمأنينة، فواجبنا كبير ومسؤوليتنا عظيمة في خدمة ضيوف الرحمن وهو شرف نعتز به، نسأل المولى عز وجل أن يأخذ بأيدينا ويوفقنا جميعًا في أداء هذه المهمة العظيمة الجليلة. أه كلامه حفظه الله تعالى وسدده. هكذا هم ولاة أمر هذه البلاد في اهتمامهم الكبير بالحرمين الشريفين، وخدمة حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتوارثون هذا الاهتمام والمجد كابرًا عن كابر في بذل وعطاء وصدق وإخلاص وكرم وسخاء وحرص ووفاء وبلا منة ولا أذى ولا سمعة ولا رياء وإنما همهم الأسمى وغايتهم العظمى القيام على دين الله وخدمة الحرمين الشريفين، وهذا والله هو مصدر العز والافتخار والطمأنينة والاستقرار والأمن والأمان والنصرة والتمكين. وإن الإنسان المنصف، الذي يتميز بالموضوعية والنزاهة، ويبحث عن الحق، وميزانه القسط والعدل، ليدرك إدراكًا تامًا وقاطعًا، ويعتقد اعتقادًا جازمًا أنه لا يمكن أن يقوم بهذه الأعمال، ويؤدي هذه الخدمات الهائلة للحجاج، أَمْنية كانت، أو صحية، أو سكنية، أو غذائية، أو نقلية، أو غيرها سوى هذه البلاد، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت: إن ذلك لا تستطيعه ولا يمكن أن تقوم به جميع البلدان الإسلامية مجتمعة على ما هي عليه الآن، مهما قيل ورُدِّد، وأُعيد وأُزيد، ومهما نعق الناعقون، وزيف المزيفون، وأرجف المرجفون، وبهرج وتشكل وتلون الحاسدون المغرضون. وأما ما حصل من تدافع في إحدى طرقات منى المؤدية للجمرات بسبب بعض الحجاج فلم تظهر نتائجه حتى الآن، ولقد رأينا ورأى المجتمع الدولي ما قامت به حكومة خادم الحرمين الشريفين من تداركٍ للوضع الأمني والصحي في موقع الحادثة، ومن تفاني رجال الأمن والصحة من مسعفين وممرضين وأطباء في الموقع وفي المستشفيات لإسعاف المرضى وخدمتهم. وقد قال خادم الحرمين الشريفين في كلمته الموجهة بعد الحادثة: إخواني وأبنائي منسوبي القوات العسكرية بقطاعاتها كافة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، أهنئكم وإخواني المواطنين وحجاج بيت الله الحرام بعيد الأضحى المبارك، سائلاً المولى عز وجل أن يعيده على بلادنا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات، وأعزي نفسي وأعزيكم وحجاج بيت الله الحرام في ضحايا حادث التدافع الذي وقع صباح هذا اليوم بمنى، كما أعزي ذويهم، سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يتقبلهم من الشهداء، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، إن هذا الحادث المؤلم الذي وجهنا الجهات المعنية بالتحقيق في ملابساته، والرفع لنا بالنتائج في أسرع وقت ممكن لا يقلل مما تقومون به من أعمال جليلة لخدمة ضيوف الرحمن ليؤدوا مناسكهم بيسر وراحة وسكينة، وبغض النظر عما يظهر من نتائج التحقيقات فإن تطوير آليات وأساليب العمل في موسم الحج لم ولن تتوقف إن شاء الله، وقد وجهنا الجهات المعنية بمراجعة الخطط المعمول بها والترتيبات كافة، والأدوار والمسؤوليات المناطة بمؤسسات الطوافة والجهات الأخرى، وبذل كافة الجهود لرفع مستوى تنظيم وإدارة حركة ومسارات الحجيج بكل يسر وسهولة، وسيتم العمل إن شاء الله على تذليل كافة المعوقات والصعوبات ليتسنى لضيوف الرحمن أداء مناسكهم في راحة وطمأنينة، فواجبنا كبير ومسؤوليتنا عظيمة في خدمة ضيوف الرحمن وهو شرف نعتز به، نسأل المولى عز وجل أن يأخذ بأيدينا ويوفقنا جميعًا في أداء هذه المهمة العظيمة الجليلة. أه كلامه حفظه الله تعالى وسدده. والحقيقة أن كل المخلصين يشهدون أن المملكة العربية السعودية تقوم بجهود جبارة، تعجز والله عنها أي حكومة في العالم في خدمة الحرمين الشريفين، فملايين الحجاج والمعتمرين ينعمون بنعمة الأمن، ويعبدون الله بحرية وطمأنينة، وتذلل لهم كل الخدمات بما يفوق الوصف، وولاة الأمر وفقهم الله لا يدخرون وسعًا في التخطيط والتجديد في كل ما يخدم الحجاج والمعتمرين. إن المتأمل للمشاعر المقدسة يرى أمورًا عجبًا من حيث وعورة التضاريس وصعوبتها، وتكدر المناخ وتغيره، جبال شاهقة، وأودية ضيقة، وطرق وعرة، وحر شديد، وشمس محرقة، وإذا انضاف إلى ذلك العدد الهائل، والجمع الغفير من الحجاج، والذين يعدون بالملايين، يزداد العجب والاستغراب! كيف يكون هذا؟! وهل هو ممكن؟!. وبفضل من الله العلي القدير، ثم بتلك الجهود العظيمة المبذولة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، والتي لا حدود لها، ذُللت تلك الصعاب، ورُوِّضت تلك الأماكن، فأصبحت مكانًا سهلاً ميسرًا آمنًا مطمئنًا، يجد فيه الحاج بغيته، ويصل إلى غرضه، ويحقق رغبته، ويؤدي مناسكه براحة وطمأنينه وخضوع وتذلل وخشوع، ولا أدلَّ على ذلك من التوسعة الضخمة لمبنى الجمرات بحيث يرمي الحاج وهو مرتاح، بل رأيت ورأى غيري كبار السن والصغار بل من يركب العربات وهو يرمي بجانب حافة الجمرة بكل يسر وسهولة، وهذا مما كان قديمًا من المستحيلات، ولا أدلّ كذلك من التوسعة العظيمة للمسجد الحرام والمطاف، بحيث أصبح يستوعب الأعداد الكثيرة جدًا مقارنة بالسابق، وقد حدثني من طاف في وقت ذروة كثرة الطائفين أن الزحام خفَّ كثيرًا بسبب سعة مساحة المطاف. ومما يشد انتباه الإنسان ويدهشه في مظاهر الحج، مع اعتزازه وافتخاره، ذلك الحضور الفاعل والوجود المستمر والمتميز لرجال الأمن البواسل في كل وقت ومكان على اختلاف مراتبهم، وتنوُّع اختصاصاتهم؛ ليقوموا بخدمة ضيوف الرحمن، وإعانتهم ومساعدتهم، وإرشادهم، والحفاظ على أنفسهم، وممتلكاتهم، ومساكنهم، ومركوباتهم، كل ذلك يتم بفضل الله رغم ما يواجهونه من ضغط في العمل، وإحراجات لا تتصور، وكثرة في أعداد الحجاج وتنوع بلدانهم وثقافاتهم وأخلاقهم، وتعدد لغاتهم، إلا أنهم تميَّزوا بأخلاق دمثة عالية، وآداب جمِّة راقية في التعامل مع الحجاج، رائدهم في ذلك تعاليم دينهم الحنيف، مع الإخلاص والاحتساب في خدمة دينهم وعقيدتهم، وبلادهم، وولاة أمرهم، ولا غرابة في ذلك ما دام أنه يقف وراءهم بعقله الكبير وعاطفته الجياشة وأبوته الحانية ووفائه المعهود وتوجيهاته السديدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –وفقه الله-، ويشرف عليهم، ويتابع أعمالهم بدقة ووعي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الداخلية. وإنه رغم هذه الأعمال الجليلة، والخدمات المتميزة، والإيجابيات الكبرى التي تقدمها هذه الدولة المباركة لشعبها بصفة خاصة، وللمسلمين عامة، ولحجاج بيت الله من جميع الجنسيات على وجه الخصوص، لم تسلم من انتقاد الحاسدين، وتشويه الحاقدين الذين يسعون لإثارة الفتن والقلاقل، وإيجاد الفرقة والتناحر، وبث الخلاف والاختلاف بين أبناء الأمة، ونشر الأفكار المضلة، والمبادئ الهدامة والغريبة عن مجتمعنا، متجاهلين ومتناسين أن هذه البلاد هي بلاد العقيدة الصحيحة الصافية، بلاد تطبيق شرع الله وأحكامه وحدوده، بلاد العلماء الأفذاذ المشهود لهم بالتقوى والصلاح ومعرفة مصالح الأمة وما يصلحها ويحييها، وأين القسط والعدل ممّن يتعامى عن حسنات كالجبال لقادة هذا البلد؟! وعن جهودٍ تنوء بحملها الرُّؤوس الثقال؟! ومنجَزات ومكتسَبات لا تستوعبها لغة الأرقام؟! ونِعَم لا تعد ولا تحصى؟! ثمَّ يصير إلى خطأ يسير أو تصرُّفات لها ما يبرِّرها فيجعلها تحت المجهر! ويضخمها ويعدُّها من الموبقات، وينشر ذلك بالوسائل التي يمكن من خلالها نشر باطله. ألا يتّقي الله أولئك في أنفسهم وفي أبناء مجتمعهم؟! ألم يعلموا أنهم بهذا الظلم حرَموا أنفسهم من نعمة الألفة والمحبَّة، والمواطنة الصادقة، وولجوا في سراديب مظلمة يجرُّون بها على المجتمع الويلات؟! إنّ هذا المبدأ الشرس، والظلم الوخيم، ركز عليه أصحاب المناهج المنحرفة والمنتمين للجماعات والأحزاب والتنظيمات المعادية واستغلهم أعداء هذه الدولة المباركة، وقامت عليها دعواتهم، فمن يتأمَّل أساليبهم وأطروحاتهم وما تتقيؤه أفواهُهُم يُدرِك التعصب الذميم، والهوى المقيت، والظلم البيِّن الظاهر، والله المستعان. والغريب في أمر بعض أولئك القوم أنهم يدّعون الإصلاح بزعمهم، ويتمسحون باسم الدين، ويدندنون حوله، وما علموا أنهم أبعد الناس عن معرفته وعلمه، فضلاً عن تطبيقه وترسم مبادئه ومقاصده، وأنهم أقرب بفعلهم إلى أعداء الله، وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، والأمة الإسلامية جمعاء، حيث أنهم بأعمالهم هذه ومقترحاتهم وأطروحاتهم الهزيلة والمتردية ضد هذه البلاد المباركة يسعون في تحقيق أهداف أعداء الإسلام الذين عجزوا عن تحقيقها طوال السنوات الماضية، والدهور القديمة، ولمَّا استحال عليهم الوصول إلى مقاصدهم الرامية إلى إفساد إيمان وأمن هذه البلاد، رغم كل ما بذلوه من فكر وتخطيط ومادة، لجأوا إلى طريقة خبيثة ماكرة تحقق لهم مطلوبهم ومرادهم الخبيث، وهي ضرب أهل هذه البلاد بعضهم ببعض، وقد وجدوا في بعض ضعاف النفوس والإيمان مرتعًا وخيمًا لهم لتنفيذ أجندتهم ومخططاتهم، فراحوا يرفعون شعارات جوفاء، وأفكارًا عوجاء، وسلكوا طرقًا هوجاء مشبوهة، وغير مشروعة، وتفننوا في الاغتياب والنم، والشتم والسب، وكشف العورات، واستحداث البدع المنكرة، والأكاذيب المزيفة، والأباطيل المهلكة، وإبداء المساوئ، والاتباع لكل ناعق، واللجوء إلى الأعداء، وقلب الحسنة لسيئة، واتخذوا من تلك القاعدة الخبيثة: (الغاية تبرر الوسيلة): مبدءًا لهم، ومن ليِّ أعناق النصوص منهجًا للاستدلال على أهوائهم وشهواتهم، متَّبعين في ذلك طريق الذين في قلوبهم زيغ؛ لأنهم يتبعون ما تشابه من النصوص ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7]، فبئس المبدأ ما اتخذوه من ليِّ أعناق النصوص، وبئس المنهج والعمل والمنطق، لأنها مخالفة لشرع الله نصًا وروحًا، بل إن العقول المستقيمة، والفطر السليمة، تمقت عملهم، وترده، وتنكره، وتشمئز منه. ولذلك فإنه يجب على المسلم أن يبتعد عن هذه الأمور المضلة كل البعد، وأن يفر منها فراره من الأسد والنار؛ لأنها معدية ومحرقة، ومهلكة، تورث الحقد والبغضاء، وتوجد الشقاق والنزاع، وتشعل الفتنة وتوقظها، وتزرع القلاقل والاختلاف، ويجب على المسلم أيضًا إزاء ذلك أن يكون فطنًا حذرًا مدركًا، متثبتًا في أقواله وأفعاله، فما كل ما يُقال صحيح، وما كل ما يُعلم صحيحًا يُقال، وليس لكل إنسان أن يعمل كل شيء، بدون قيد أو حدٍ أو ضابط؛ لأن الناس لو سلكوا ذلك لحصلت الفوضى، ولصار الناس شذر مذر، لا رادع لهم ولا خلق، ولا قائد ولا موجِّه، وحينئذٍ يحصل ما لاتحمد عقباه، ويُبكى بدل الدموع دمًا، ولاسبيل إلا إلى الاتباع لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، يؤخذ منها أحكام الدين والدنيا، ويُرجع إليها عند التنازع والاختلاف، لتحكم الأمور، وتضبط، فتكون سليمة صوابًا مقنعة لكل من يبحث عن الحق، أما صاحب الهوى، ومن مُلئ قلبه بالحقد والحسد والبغضاء فلا يمكن أن يقتنع أو يرجع إلى الحق، ولو وضعت الشمس في يمينه والقمر في شماله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وليُعلم أيضاً أن الرجال يعلقون بالحق، وليس يعلق الحق بالرجال، فالحق يبقى والرجال يموتون، والحق يعلو ولا يُعلى عليه، مهما طال الزمن، ومهما كثر الأخذ والعطاء، والقيل والقال؛ لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ولا يمكث في الارض الا ما ينفع الناس و اما الزبد فيذهب جفاءً. ولذلك أوصي نفسي وإخواني بتقوى الله وطاعته، والسمع والطاعة في غير معصية الله لمن ولَّاهم الله أمرنا، وأن يكون رائدنا المحبة، والتعاون على البر والتقوى، والاتفاق والائتلاف، والالتفاف حول قادتنا وولاة أمرنا، وإعانتهم على أمور دينهم ودنياهم، ومناصحتهم بالطرق الشرعية؛ لأن أبوابهم ومكاتبهم مفتوحة لذلك، وينبغي الذب عنهم، وعن أعراضهم، والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة، والنصرة والتمكين، والقيام بحقوق رعيتهم، وما تحملوا من أمانة ومسؤولية، وأن نكون معهم يدًا واحدة على من أراد شقَّ عصا اجتماعنا، وشذ عن الجماعة، وأراد السوء لهذه البلاد وأهلها رعاة ورعية. ثم الثقة بعلمائنا ومشايخنا الذين أمضوا أعمارهم في العلم والتعليم، وخدمة الإسلام والمسلمين، حتى صار يُشار إليهم بالبنان، ويُقصدون للأخذ عنهم من كل مكان، ويُصدر عن علمهم وفتاويهم، ويوقف عند أقوالهم وترجيحاتهم داخل البلاد وخارجها، سواء كانوا ممن توفاه الله كسماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز، وشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين، أو من الأحياء الكبار كسماحة مفتي عام المملكة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وفضيلة الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان، وفضيلة الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، فوالله لهم للناس كالجبال للأرض يرسونهم ويثبتونهم، ويبيِّنون لهم الخطأ من الصواب، والحق من الباطل، بأسلوب ثابت رصين، وحكمة بارعة، وتوجيه متميِّز، فهم في زمننا أكثر الناس علمًا، وأقواهم إيمانًا، وأطولهم تجربة ومراسًا، وأعرفهم بمصالح الأمة، وأشدهم على المخالفات والمنكرات، وأبعدهم تلمُّسًا لمواطن الحكمة والدعوة إلى الله على بصيرة، فعند الشدائد تبرز جهودهم، وتتضح مكانتهم، وليس للناس إلا الرجوع إليهم والأخذ عنهم ليعطوهم الرأي السديد، والقول الصائب في جميع ما يعن لهم من مشاكل، فيسيروا على هدى وبصيرة في أمور دينهم ودنياهم، ولذلك فإنه يجب علينا أن نتعامل معهم بكل تقدير واحترام، وننظر إليهم نظرة إعزاز وافتخار وإجلال، وأن نتَّهم آراءنا واجتهاداتنا أمام آرائهم واجتهاداتهم؛ لتسير أمورنا وفق الشرع، وعلى ما نحب من الخير. وأنبِّه إلى إنّ المواطن الصادق، والمخلص لدينه ووطنه وولاة أمره يسعى لجلب كل خير ودفع كل شر بكل ما يستطيع، وأن المواطنة الحقّة لا تقوم إلّا على رعاية حقّ المجتمع؛ فهي تقتضي أن يتحمَّل الإنسان مسؤوليته أمام الله ثمَّ أمام مجتمعه، وأن يستشعر أنها مسؤولية عظيمة تقصر دونها المسؤوليات، مسؤوليته في الحفاظ على الثوابت التي هي أساس العزّ والتمكين، وفي العقيدة والعبادة والمعاملة والسُّلوك، ومسؤوليته في الحفاظ على الأمن بمعناه الشمولي، ومسؤوليته في التكاتف والاجتماع، وإزالة أسباب الفرقة والاختلاف، والوقوف صفًّا واحدًا ضدّ من يريد زعزعة هذا المجتمع، وإدخال أسباب الفرقة والخلاف، واستهداف الوِحدة؛ تحقيقًا لمقصد الشرع من جمع الكلمة بين الرَّاعي والرعية، وهذه المسؤولية في كل وقت، ولكنها تكون آكد وألزم حينما تبرز مظاهر الفرقة وتقوم فئة الضلال والانحراف بما تقوم به من أحداث إجرامية، ورصد متعمَّد لوسائل الهدم والتدمير، والفساد والإفساد يُبنَى على أفكار منحرفة، وصُوَر من الغلوّ الذي يُلبَس بلباس الدِّين. وهذا كلّه ينبِّهنا إلى درس عظيم في الاجتماع، وهو: أنّ الإفساد الداخلي الذي يَصدُر من داخل مجتمع المسلمين أشدّ وأعظم من الإفساد الذي يأتي من خارج بلاد المسلمين ومجتمعهم، ولذلك فالجماعة عِصمة من هذه المضلّات، ورحمة على المجتمع، وتضييق على فرص الفساد والإفساد. أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، والفقه في الدين، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ علينا ديننا ووطننا وأمننا وولاة أمرنا، وأن يوفق ويسدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ويعزهم ويمكنهم ويرفع من شأنهم، وأن يحفظ حجاج بيت الله من كل سوء ومكروه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
مشاركة :