يشهد مجتمعنا تطورا فكريا ووعيا ثقافيا كغيره من المجتمعات الاخرى إلا أن البعض لايزال متمسكا بالكثير من العادات والتقاليد المتوارثة منذ القدم وأثقلها عبئا وتكلفا تلك التي تمرر وتمارس تحت غطاء الدين مع أنها تخالف الدين والمنطق والعقل، ومن يحاول أن يتصدى لها او لمعالجتها أو تغييرها أوالخروج عليها والبراءة منها تواجهه الكثير من الصعوبات والعقبات قد تصل في معظم الأحيان لحد القطيعة والهجر وترك المصاهرة والمجالسة وربما تكون حديث المجالس والمنتديات ومحل النقد والتشهير. الفرق بين العادات والدين يقول د. أحمد الغامدي - باحث شرعي-: ان العادات المخالفة للدين والتي تضخمت حتى أصبحت خطا احمر لا يمكن تجاوزه ليست تراثا يجب الحفاظ عليه كما يزعم البعض، بل هي أمور سلبية اختلطت بما هو حسن فأخذت مكان الدين بجهل وتعصب، والواجب أن ننظر للدين أولا، فإن نفاها فلا يجوز لنا فرضها أو اتباعها وإن سكت عنها فلا يجوز لنا التزامها أو إلزام أحد بها أو الغضب لعدم تطبيقها بل تبقى مباحة. وأضاف إن أكثر الناس يؤمن بهذا ويوافق عليه، ولكنه لا يملك الشجاعة بالتخلي عن تلك العادات السلبية لتعمق هذه التقاليد والعادات في المجتمع بدرجة كبيرة يعسر على أكثر الناس تركها خوفا من المجتمع وسطوته، وكلنا يعلم أن العادات والتقاليد تشكل جزءا كبيرا من حياتنا وشخصياتنا وأسلوب تفكيرنا وسلوكنا، ووقعها مؤثر في المجتمع وهي من الأمور التي تشكل خللا كبيرا في تقدم وتأخر الأمم بكاملها دينيا ودنيويا، والواجب علينا كأفراد أن نكسر هذه المهابة والخوف بأن نبين الفرق بين العادات والدين نظريا وأن نعمل به ولا نكتفي بالتحدث به فقط، مشيرا إلى ان كثيرا من العادات السلبية التي نشأت في المجتمع وانتشرت وأصبحت أمرا مسلما به، سببت الكثير من التخلف والخلل والتراجع والآلام ومن ذلك ترك كثير من الشباب الأعمال المهنية والحرف بأنواعها فيظل بغير عمل مع حاجته للعمل تعايبا منها وخوفا من نظرة المجتمع وكذلك الفتيات يرفضن العمل في بعض الأعمال كالطب أو التمريض مثلا مع ما فيها من كسب الرزق ومساعدة غيرهن من النساء في المجتمع، خوفا من العيب وربما تتركها خوفا من ألا يتقدم لخطبتها من يناسبها، كما أن بعض الفتيات وربما أسرتها ترفض أن يتقدم لابنتهم من يعمل في حرفة أو مهنة مع هذه المهن عمل فيها الأنبياء، ثم ألسنا نطالب دوماً بطبيبات وممرضات من أجل نسائنا، أم أننا نتكلم ولا نطبق، ولماذا يتراجع ويقل خطّاب الفتاة الطبيبة أو الممرضة. كريمة فلان! ويؤكد د. الغامدي اننا يجب أن نتخلى عن هذه العادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، حيث مازال وللأسف يعاب في بعض مجتمعاتنا ذكر اسم المرأة في مجتمع الذكور، ويعاب كتابة اسمها حتى يكتب في دعوات الزواج (كريمة فلان)، ويعاب تسجيل اسمها في الهاتف المحمول خوفا من أن يراه أحد، وهناك من يخجل من الرد عليها بين أصحابه، فهل هذا من الدين، وهل هو من السنة، أعتقد أن الجميع يعرف أسماء زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان رسول الله يتحدث عن زوجاته ويذكرهن بأسمائهن فالنساء شقائق الرجال، وأسماء كثير من الصحابيات تذكر بين يديه عليه السلام من غير نكير، فالمرأة مكملة للرجل وليس من الدين إخفاء اسمها أو تحاشي وجودها بمكان عام، وإذا كنا نريد للمرأة قيمة فاعلة في المجتمع فعلينا أن نتيح وجودها بالشكل الفاعل المناسب لتبني المجتمع بشكل ايجابي وليكون لديها إنتاج وأعمال وكتابة ومال ومنزل، ولنحفظ حقوقها بالابتعاد عن هذه العادات السلبية التي تندمج لدينا كثيرا مع الدين فتحرم المرأة كثيرا من فرص العلم والعمل والعبادة ويتربى الأجيال والناشئة على التعصب لهذه العادات السلبية وغيرها من العادات القبلية أو الاجتماعية المضرة بهم أولا ثم بذويهم من الذكور والإناث ثم بالمجتمع. ثقافة العيب بدوره أضاف د. عبدالعزيز الشبرمي – قاض سابق ومحام – في ذات السياق قائلا: لا شك أن الإنسان في تصرفاته محكوم بأحكام الشريعة السماوية والعرف السائد حتى لا تجنح به الحرية الشخصية لما يشين النفس أو المجتمع فالشريعة الإسلامية تبين حدود الحلال والحرام بينما العرف السائد يبين العيب من عدمه، والإشكال أن العادات والتقاليد من صنع الناس بل ربما جهلة القوم ومتخلفي العلم والدين وحينئذ تفرض عادات سيئة ترهق الفرد والمجتمع ويجعل عليها سياجاً يضاهي حدود وحمى الأحكام الشرعية ليكون المخالف لتلك العادات السيئة مرتكباً لوهم العيب الذي يعد أشد شناعة من ارتكاب الكبائر والموبقات. وأضاف أن شر تلك العادات والتقاليد ما ألصق بالدين والشرع زوراً وبهتانا كالتعالي على المرأة وحرمانها من حقوقها المشروعة بالإرث والزواج والعمل وإبرام العقود واستغلال القوامة التي شرعت من أجل الصيانة والحماية ليجعلها ذوو العادات البالية ميدانا للتسلط وعذراً للظلم والتجبر والحرمان، ومثله ما يصاحب المناسبات الشرعية كالزواج والأعياد وصلة الرحم وإكرام الضيوف وجبر الخصومات وإصلاح ذات البين من عادات سيئة تهين النفوس الزاكية، وتستدر الأموال من جيوب المحتاجين، وتصادر الآراء والحريات، وتجعل الطلاق مجالاً لإثباتها في تلاعب مهين في المرأة وميثاق الزواج الغليظ، مشيرا إلى أن أكبر العادات السعودية خصوصا والخليجية عموما في الشناعة والسوء ما نشاهده في وسائط الكترونية من نقل لحفلات البذخ والإسراف والمخيلة والتباهي في المطعومات والمشروبات الهائلة لأضياف قلة قليلة لا تؤثر في كميات الطعام الكبيرة ثم يحرم منها الفقراء والمحتاجون لتهان مرة أخرى في مكب النفايات مما ينذر بعذاب انعقدت أسبابه. ويرى د. الشبرمي أن من العادات السيئة في مجتمعنا طغيان الرجل على المرأة وقصر تزويجها على بعض أقاربها رغم رفضها لهم ومصادرة رأيها في أهم حقوقها والتحكم في حياتها بعد ذلك مع زوجها لتؤخذ من بيتها وأولادها وتعاد له تبعاً لعلاقة أوليائها بزوجها وكأنها دمية لا حق لها ولا رأي يؤخذ منها. ولفت إلى أن المجتمع القبلي الذي يتكون من ثقافة الشيخ والقبيلة والطاعة العمياء وترؤس محدودي العلم من كبار السن وقليلي الثقافة يساهم في رسم عادات مرهقة ومخالفة في نمو ثقافة العيب ومخالفة السلم والعادة ولو كانت أحكام الشريعة في النقيض منها تماما، مفيدا أن وسائل التوعية وأدوات التثقيف بدأت تساهم ولو ببطء في إذابة ثلوج تلك العادات السلبية فالمسجد والمدرسة والإذاعة والتلفزيون أدوات لها الأثر الكبير في توعية المجتمع من آثار تلك العادات والتي لايزال بعضها ضارب بقوته في مجتمعنا رغم اجتهاد تلك الأدوات في نقدها ومحاولة إعادة تفكير أفراد المجتمع بشأنها، وتظل المرأة وصاحب الدخل المحدود أشد فئات المجتمع تضررا من تلك العادات السيئة فالمرأة متضررة في نفسها ومتوسط الدخل متضرر في ماله بسبب العادات التي ترهقهم في الجانب الاجتماعي والمالي. معيار الضبط وقال د. عبدالعزيز ان الحلال والحرام يظل أمراً ظاهراً ومعلوما لدى الكثير ومنضبطا بضوابط شريعة السماء التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لكن المشكلة في ثقافة العيب وخوارم المروءة التي يصنعها ويخترعها الناس ويتفاوتون فيها ما بين متشدد ومتساهل، ليكون العرف والعادة لأوساط الناس هو المعيار الذي لا ينضبط أيضاً ويختلف عليه الكثير نظراً لاختلاف البلدان والعادات والمجتمعات وعقول الناس وأفهامهم ولذا يجب أن يربى الجيل على احترام الثوابت الشرعية وما استقر عليه العرف العادل المتوسط في المجتمع وألا يجعل العيب وارتكابه أشد من الحرام والإنكار عليه وإلا نشأ جيل يراقب الناس ولا يراقب ربهم وخالقهم ليتمرد بعد ذلك على الشرع والناس وينطلق في ارضاء نفسه بدعوى الحرية الشخصية ليلحق الضرر في الدين والدنيا. دائرة التأثير وأكد أن من يحمي تلك العادات والتقاليد السيئة هم من يسوس الناس ويترأسهم من بعض مشايخ القبائل وكبار السن فيها ووسائل الإعلام المتخصص في أخبار البوادي والقبائل، ونتيجة إقصاء المشايخ والعلماء والمثقفين والأدباء عن دائرة التأثير فقد تفاقمت بعض تلك العادات وصعب الخلاص منها وخير شاهد في ذلك حفلات الضيافة ومسابقات الإبل وما يصاحبها من حفلات الفرح وقصائد المباهاة والعصبية والفئوية المقيتة في زمن تجب فيه اللحمة والاجتماع. غربلة العادات من جهته قال د. محمد السعيدي - أستاذ اصول الفقه بجامعة أم القرى - في بلادنا هناك حقاً عادات غير جيدة كأي مجتمع آخر، نافيا أن تكون هناك عادات اختلطت بالدين، وهذا أمر تتميز به بلادنا، مرجعا السبب إلى انتشار عقيدة السلف وفقه السلف في بلادنا، وهي عقيدة يملك من يعتنقها حاسة شديدة لمقاومة الخرافة أو إدخال ما ليس من الدين في الدين، وقد تمت غربلة عادات مجتمعنا وتمييز ما هو من الدين مما هو ملصق به مع بداية النهضة العلمية الشرعية من بداية عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، إلى أن هناك تشغيبا من البعض فيصفون بعض السنن النبوية بأنها عادات وذلك إنكاراً منهم لورودها في الشرع كغطاء الوجه للنساء وكتحريم الاختلاط لكن ذلك من الجهل أو الهوى أو الاعتداء في الخصومة. وأشار إلى أن هناك من يرفع العيب إلى درجة الحرام ويعادي في ذلك ويوالي، وعند الرصد العلمي سنجد ذلك متعلقا بعادات قليلة لكنها مؤثرة جداً، ومنها عادة التقسيم الطبقي في المجتمع على أساس النسب وانسحاب ذلك على التزاوج بين الفئات المختلفة نسباً، وهذا ليس من الدين بل كل المبتلين بهذه العادة لا يرونها من الدين، أما أحكام القضاء التي يتم فيها الفسخ بدعوى عدم الكفاءة في النسب فذلك لا يكون لأن الكفاءة شرط في صحة النكاح بل يكون ذلك كإجراء لدرء مفاسد أكبر، وأعتقد أن علاج ذلك لا ينبغي أن يكون بالتشنيع على القضاء بل بالسعي بجد لقطع هذه العادة من جذورها، مؤكدا أن العلماء قاموا ومازالوا يقومون بدورهم، بل لا نرى على الساحة غيرهم في أكثر الصعد التي تحتاجها الأمة، ولايفوت على أحد امتلاء جداول العلماء بالبرامج والمحاضرات والملتقيات وكلها تناقش ذلك. مسؤولية الوجهاء وقادة الفكر وأوضح د. خالد النقيه – استاذ علم اجتماع – أن العادات كلما قويت وتجذرت في العقل الجمعي كان سلطانها أقوى وأصبحت هي الموجه للعقل اللاوعي الذي ينطلق من السلوك تلقائياً وهنا تكمن خطورة العادات والتقاليد خصوصاً إذا كانت تلك العادات تخالف الدين والعقل وتكبح جماح التقدم والتنمية وتعظم الخطورة عندما يكون الانتماء والتصنيف بناء على تلك العادات والالتزام بها حيث تعزل الجماعة تماماً كل من يخالف عرفها وعاداتها وتقاليدها، ومن هنا فإن مراجعة منظومة العادات والقيم والأعراف يجب أن يتم وفق مرجعيتين الأولى الدين باعتباره مصدرا إلهيا من لدن حكيم عليم والثاني تراجع العادات والتقاليد في ضوء ما تسنه الدولة من أحكام ونظم وقوانين تنتظم بها حياة الأفراد وتقوم به مصالحهم ومعيشتهم وتحفظ به الحريات والممتلكات. ويشير هنا إلى أنه كلما ابتعدت الجماعة عن سيطرة التقاليد والعادات كلما اتجهت للانخراط في الحياة المدنية وتكيفت مع معطياتها واستفادت من آثارها الإيجابية لأن أخطر ما في العادات أنها توجه العقل الجمعي دون وعي لفعل أو ترك السلوك لذلك ينبغي تكثيف برامج الوعي والتثقيف لإعادة ترتيب منظومة القيم والعادات والتقاليد وهنا تبرز أهمية المدرسة ممثلة في المنهج والمدرس ودور المسجد وديوانية الحي ومراكز التنمية ولجانها في التوعية وإعطاء جرعات تثقيفية مكثفة تغير في القناعات الفكرية النابعة من العادات والتقاليد خصوصاً تلك المتعلقة بالمرأة والنظرة إليها ودورها في المجتمع أو تلك المتعلقة بالعصبية القبلية والعنصرية المناطقية او تلك المتعلقة بالإسراف باسم الكرم الخارج عن حدود الشرع ومبادئه أو النصرة والفزعة لمن ينتمي لعاداته وتقاليده حتى ولو كان مخطئاً أو ظالماً أو تلك المتعلقة بالفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، مؤكدا أن عملية التغيير في العادات التي تتعارض مع الدين عملية ستكون صعبة وقد تستغرق أجيالاً متعددة لتحدث التغيير المطلوب لكنها تصبح سريعة إذا تبنى التغيير القدوات والوجهاء ومن يعتد بهم كشيوخ القبائل والعشائر وقادة الفكر وعمداء الأحياء والتجار وأهل الكلمة حيث ان التغيير بالقدوة أبلغ وأنجع وأسرع من التغيير بالتنشئة والتربية كما أن التغيير يجب أن يأخذ مسارات متعددة إعلامية وقانونية ونظامية.
مشاركة :