إيران تودع «العاشق العظيم»

  • 10/20/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

احتشد عشرات الآلاف يوم الأربعاء الماضي في مدينة تبريز الإيرانية، عاصمة إقليم أذربيجان الشرقي، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الرجل الموصوف بأنه «ربما كان أعظم عاشق في زمانه». اجتذبت جنازة رسولي قرباني، الذي وافته المنية يوم الاثنين الماضي عن عمر يناهز 80 عاما، اهتماما غير مسبوق من مختلف وسائل الإعلام الإيرانية من نوع الاهتمام المخصص فقط لكبار ملالي الدولة الرسميين، وليس للموسيقار الذي تغنى للحب والخمر والمغامرة. تعني كلمة «عاشق» الإنسان المحب في اللغة الفارسية. لكنها في ذلك السياق تعبر عن حفنة من الشعراء الهائمين الذين سافروا من مدينة إلى أخرى لسرد الأقاصيص والحكايات، والتغني بالأغنيات، وقراءة القصائد، وعزف مختلف الآلات والوتريات، لا سيما الساز (آلة وترية). كان «العاشق» يحب أن يقول «إن حياتنا مزيج من شيئين، الساز (الآلة الوترية) والسوز (آلام العشق)». هناك نظريات عدة حول أصول تقليد «العاشق». وإحدى تلك النظريات تتبع تلك الآثار حتى أواسط آسيا، حيث كان الموسيقيون المتجولون جزءا لا يتجزأ من ثقافة جانب كبير من شعوب التاي المنغولية وحتى تخوم بحر قزوين القديمة. وتقول نظرية أخرى إن العشاق جاءوا من تقليد «الفتوة» أو (جافانماردي) بالفارسية، والذي أصّل للفروسية المثالية ومفهوم العشق البعيد. وتأسس ذلك التقليد وانتشر من خلال الجمعيات شبه السرية التي اضطلعت بحماية الطقوس والممارسات العتيقة، خصوصا تلك التي تواجه معارضة أو هجوما من أصحاب نزعات التعصب الديني. والمؤكد من ذلك، بطبيعة الحال، هو أن تقليد العاشق يمتد بجذوره في الطرق الصوفية، خصوصا تلك الطرق التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة في أذربيجان والأقاليم المجاورة، والتي لم تعد أجزاء منها تابعة لإيران حاليا، مثل أرمينيا، وناخيتشيفان، وجورجيا، وداغستان، وطاجيكستان، وبالتأكيد الأجزاء الكردية من العراق وسوريا. كانت فنون العاشق ذات شعبية أيضًا في روسيا خلال القرن الـ19 بفضل ميخائيل ليرمونتوف وقصيدته الملحمية الرائعة «الغريب العاشق»، والتي يوصف فيها الحب بأنه السبيل الوحيد للكمال، إن لم يكن القداسة الحقيقية. ثم تحولت ملحمة ليرمونتوف إلى فيلم من إخراج سيرغي باراغانوف في فترة الثلاثينات من القرن الماضي، وهو يعتبر الآن من كلاسيكيات السينما الروسية. ولد قرباني في قرية عباس آباد من منطقة قره داغ (الجبل الأسود)، وصار طالبا لدى العديد من مشاهير العشاق، ومن بينهم حيدر، وخير الله، وعزيز، وشاهنازي، منذ عام 1949 فصاعدا. وبحلول عام 1964 تكونت له سمعة معتبرة حتى إنه دُعي لعزف الموسيقى في الإذاعة والتلفزيون في تبريز، مسقط رأسه، وفي طهران كذلك. وسرعان ما اكتسب العاشق رسولي جمهورا دوليا متابعا له، وكان يعزف مقطوعاته في العديد من الدول الأجنبية ومن بينها فرنسا، وألمانيا، وهولندا، والمملكة المتحدة، واليابان، والصين، والنمسا، وروسيا. صارت جمهورية أذربيجان السوفياتية السابقة، ومع نيلها الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي القديم في عام 1991، محلا رئيسيا للعاشق الإيراني قرباني. وبكل المقاييس المعروفة، فإن قرباني قد لعب دورا محوريا مهما في المحافظة على تقاليد العشاق وجذب جيل جديد من الإيرانيين إليها، خصوصا في مسقط رأسه بإقليم شرق أذربيجان، ليتعلموا الفنون ويتخذوا منها مهنة في حياتهم. وعلى نحو ما قاله عمدة الإقليم خلال الجنازة المهيبة في تبريز، فإنه «بفضل العديد من تلامذته سوف يبقى قرباني حيا بيننا ولفترة طويلة جدا». وظل أسلوب قرباني الشعري والموسيقي في حكاية الأقاصيص الشعبية مثل أبطال على شاكلة شاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية، وقوروغلو، وهو النسخة الأذربيجانية من روبين هود الإنجليزي، جزءا رئيسيا من أكثر المبيعات رواجا في ذلك الفن عبر سنوات عديدة. اعتبر قرباني «أستاذا» لفنون العشق منذ عدة عقود مضت. ولما حان ميعاد وفاته كان قد بلغ المرحلة الأرقى من «الأبوة» في العشق. وخلال السنوات الأخيرة، وربما مع بداية العمر، أولى قرباني اهتماما كبيرا للتيمات الروحانية، والتأمل في مستقبل الأرواح البشرية في الآخرة. ولقد نشرت مجموعة من قصائده الشعرية التي ترقى إلى 3 آلاف بيت من الشعر، في عام 2012. كما نشر لقرباني العديد من الدواوين الشعرية، التي تعتبر مواصلة لسمعة أذربيجان كواحد من أكبر بيوت الشعر الفارسي في العالم، والبيت الآخر هو إقليم خراسان الكبير. وبوصفه شاعرا فارسيا كان قرباني وسط حفنة جميلة من كبار شعراء الفارسية على غرار نظامي، وخاقاني، وقاطران، وأوحدي، وهومام، وصائب، وأخيرا شهريار، ومفتون. ومع ذلك، قرض قرباني العديد من القصائد بلغة بلدته الأصلية، اللكنة الأذرية، وهي لغة جميلة من عائلة لغات التاي مع قواعد تركية ومفردات لغوية مقتبسة من العربية والفارسية، وتتحدث بها قطاعات كبيرة من الناس في إيران، والأقاليم القوقازية، ومنطقة القرم الروسية. وإليكم ترجمة لاثنتين من قصائده التي كان يهوى قراءتها في حفلاته الخاصة: «الكأس.. دعاني التقي للتخلي عنك أن أجاوز الحد وأكسر الكأس غير أن الكأس محمولة في يديك وفيها يشعر العاشق بالحب لا يدري التقي إذا ما غادرتك لتذبلن شمسي ولتسقطن الأرض».. *** «التفاحة.. لماذا التفاح هو أفضل الفاكهة؟ إن نصفه وجه للحب، ونصفه وجه المحبوب أما نصفه الأصفر فليس إلا صفحة وجهي أما نصفه الأحمر فوجه محبوبي!».

مشاركة :