لم يستجب البرلمان اللبناني أمس لطلب رئيس الجمهورية ميشال عون اتخاذ قرار بشأن خطوة المصرف المركزي رفع الدعم عن المحروقات، حيث ردّ على رسالة عون إلى البرلمان بمطالبته بتشكيل حكومة جديدة والإسراع بتوزيع البطاقة التمويلية وتحرير السوق من الاحتكار. وكان عون بعث برسالة إلى البرلمان يشكو فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على خلفية قراره برفع الدعم عن المحروقات، متمنياً على النواب اتخاذ القرار المناسب في هذا الخصوص، متهماً سلامة بعدم الرجوع إلى السلطة السياسية قبل أن يتخذ قراره. وحضرت الملفات الخلافية اللبنانية في جلسة مجلس النواب التي عُقدت أمس لتلاوة رسالة عون، وشهدت سجالاً حول الحكومة والمشاركة فيها، فيما لوّح النائب جبران باسيل بالاستقالة من البرلمان في حال لم يتخذ قراراً، ما دفع رئيس البرلمان نبيه بري للرد عليه بأن مجلس النواب «لا يُهدّد... ومن يريد الاستقالة فليستقل». وتمثل البطاقة التمويلية إحدى الآليات الرسمية والحلول الموضعية للتخفيف من وقع الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، بعد تراجع احتياطي مصرف لبنان المركزي من العملات الصعبة التي يستخدمها لتمويل السلع الحيوية المدعومة المستوردة من الخارج بالدولار، وفي مقدمها الطحين والمحروقات والأدوية والمواد الغذائية. وبعدما أوقف المصرف المركزي دعم المواد الغذائية، وقلص حصة الأدوية من الدعم، أعلن قبل أسبوعين أنه بات عاجزاً عن توفير العملة الصعبة لاستيراد المحروقات، ما أنتج أزمة سياسية واجتماعية، دفعت الرئيس اللبناني لمخاطبة البرلمان لإيجاد حل. ولم يجد البرلمان حلاً أساسياً إلا بتشكيل الحكومة، بهدف «ملء الفراغ في السلطة التنفيذية، واتخاذ الحكومات لقرارات بينها رفع الدعم وتنفيذ البطاقة التمويلية» التي أقرها البرلمان، ويخطط لأن يتم تمويلها من قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بهدف تخفيف معاناة اللبنانيين الذين تقلصت قدراتهم الشرائية إلى حد كبير. ويشهد لبنان انقساماً سياسياً حول موضوع رفع الدعم. ففيما يدفع حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» باتجاه رفع الدعم، يعارضه «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بينما يصر «تيار المستقبل» و«حركة أمل» على تنفيذ البطاقة التمويلية كشرط أساسي لرفع الدعم. ولوّح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أمس بالاستقالة من مجلس النواب في حال لم يتخذ أية خطوة للإبقاء على الدعم في هذه الظروف. وقال: «على المجلس أخذ قرار اليوم وإلا نحن كأقلية نتساءل إذا كان بقاؤنا فيه ما زال مجدياً». ورد عليه رئيس المجلس نبيه بري بالقول: «لا أحد يهدد المجلس النيابي... من يريد أن يستقيل فليستقل. لا أقبل بأي تهديد للمجلس النيابي على الإطلاق». وكان باسيل قال خلال جلسة مجلس النواب: «كل ما يجري هو نتيجة الكيدية السياسية، وخصوصاً فيما يتعلق بملف الكهرباء»، في إشارة إلى رفض مقترحه بتأمين سلفة خزينة بقيمة 200 مليون دولار لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، لتشتري بها الفيول لمحطات الإنتاج. ورأى باسيل أن «حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اتخذ قراراً فردياً، ونحن على مسافة أيام من انفجار بسبب أزمة المحروقات، بين 3 و5 أيام، وعلينا التدخل». وقال: «اجتماع مجلس النواب شكلاً يعني تخلي المجلس عن دوره. وعندها نسأل كأقلية إذا كان بقاؤنا فيه ما زال مجدياً، أو إذا صار لازماً تقصير ولايته وإجراء انتخابات مبكرة». وتحول مضمون الرسالة التي ينتقد فيها رئيس الجمهورية حاكم مصرف لبنان إلى مادة انتقاد سياسي من قبل حزب «القوات اللبنانية» للرئاسة اللبنانية. وقال النائب جورج عدوان: «لا يمكن أن يكون هناك رضا عن الحاكم في وقت ما، وحين نختلف معه نطالب بمحاسبته». وسأل: «من يقول إن الحكومة المستقيلة ستنفذ البطاقة التمويلية ومتى ستنفذها؟»، مضيفاً «لا تستطيعون تشكيل حكومة، وتتساجلون من يريد الحصول على حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية لأن فيها بطاقة تمويلية لحسابات انتخابية». ورد رئيس مجلس النواب نبيه بري على عدوان قائلاً: «أحد الأسباب التي يمكن أن تسهل تشكيل الحكومة الآن هو أن تشاركوا فيها»، في إشارة إلى مقاطعة «القوات اللبنانية» للمشاركة في الحكومة، ما أنتج عُقداً في التمثيل المسيحي وتوزيع الحقائب الوزارية المخصصة للمسيحيين على القوى المشاركة فيها. ورد عدوان على بري قائلاً: «المشكلة هي المحاصصة التي يعين عبرها المستشار الأول والمستشار الثاني»، في إشارة إلى مستشاري رئيس الجمهورية. وبعد الجلسة، قال عدوان إن ما حدث «يأتي في سياق فشل ذريع وممارسة منذ سنوات في وجود سلطة متحكمة، أدارت الأمور بعقلية المحاصصة، وأهدرت أموال المودعين والاحتياطي الموجود، ودعمت السلع لتذهب لكارتيلات النفط والدواء، وحرمت مواطنيها من ودائعهم ومن الحصول على الدعم». وأضاف «أكدنا خلال الجلسة ضرورة العمل بالبطاقة التمويلية، وفتح باب الاستيراد لتأمين البنزين والمازوت والدواء». بدوره، قال عضو اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن: «نرفض إصدار أي قانون يمنح الغطاء لصرف ما تبقى من أموال المودعين، فهذه خطيئة كبرى ستوصلنا إلى رفع الدعم قسراً بعد حين عند نفاد الاحتياطي المركزي، وبالتالي يتبخّر ما تبقى من أموال المودعين». وأضاف «فلتباشر الحكومة بالخطوات العملية للبطاقة التمويلية، بالتعاون مع البنك الدولي وبإشرافه، كي لا تتحول البطاقة التمويلية إلى بطاقة انتخابية، على أن يبدأ العمل بها خلال ٤٥ يوماً». من جانبه، دعا عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر من مجلس النواب «لإقرار البطاقة التمويلية وتحرير السوق وتشكيل حكومة سريعاً». وأكد رئيس مجلس النواب في ختام الجلسة، أن «الحل يكمن في تشكيل حكومة جديدة وبأسرع وقت، وإصدار البطاقة التمويلية وتحرير السوق».
مشاركة :