توجد أسئلة فى حياتنا تظل بلا إجابات، هذا الغموض يتحول مع الزمن لحافز يحركنا للبحث عن إجابة. أحدثكم عن الشاعر الغنائي الكبير فتحي قورة، الذى احتفلت إذاعة الأغانى قبل يومين بذكرى رحيله، لم تغن له أم كلثوم ولا عبد الوهاب، ورغم ذلك كانا يعترفان بتفرده، وهو ما دفع أم كلثوم لمخاطبة رئيس الجمهورية أنور السادات عام 73 تطلب منه ضرورة سفره لإنقاذ ما تبقى من نور عينيه، فكان يملى أشعاره في سنواته الأخيرة على ابنته همت، واستجاب السادات لنداء أم كلثوم، إلا أن المرض كان قد استشرى، سرق منه الرؤية، ولكن ظل قلبه مضيئًا يرسل لنا أجمل الكلمات. كثيرًا ما أتوقف أمام البناء الشاعرى لأغنية صباح (الحلو ليه تقلان قوى) تلحين محمد الموجى، كم مرة استخدم كلمة (قوى) وفى كل مرة تزداد حتمية وشاعرية (تزعل قوى / تتقل قوى/ أنا قلبى / بيحبك قوى/ قوى قوى/ قوى قوى / قوى قوى). وهذه أيضًا لصباح صورة شاعرية محكمة (كل العيون حواليك / شاغلها سحر عنيك/ ما بقاش مكان لعنيه / تبص منه عليك). لم ألتق شاعرنا الكبير ولكنى مولع بمتابعة أغانيه وتلك الغزارة الإبداعية التى تدهشك باللمحة التى تفتح نفسنا على الحياة، أطلق عليه الكاتب الكبير يحيى حقي (بهلوان الوزن والقافية)، فهو الأغزر بين كل شعراء الأغنية، أتذكر مثلًا (آلو آلو إحنا هنا) دويتو شادية وفاتن حمامة و(الإنجليزى سيبك منه / ماتسأليش أبدًا عنه/ ضعيفة جدًّا ليه ما اعرفش / غير بس / أى لاف يو/ فيرى ماتش).. تلحين منير مراد، فى ذلك الزمن- الخمسينيات- كان المجتمع أكثر مرونة، لم يتهم أحد الأغنية بأنها تفسد منظومة التعليم فى مصر، وتعلم البنات (قلة الأدب)، ولا ننسى (ليالى العمر معدودة)، التى نتابع كلماتها (وناس فى الدنيا موعودة / نصيبها يروح لناس تانية)، الموسيقار محمود الشريف يستخدم فى اللحن إيقاع (الفالس) الذى ارتبط دائمًا بالفرح والبهجة ليحيله إلى رقصة الوداع. عدد أغانيه يقدر بالآلاف هو يصل بها إلى 7 آلاف، الرقم مبالغ فيه، برغم أنه ذكره فى أحد تسجيلاته النادرة بالإذاعة المصرية، وقال إنه كتب أغاني لنحو 1300 فيلم، أيضًا رقم يتجاوز المنطق، الفترة الذهبية التي كتب فيها أغانى الأفلام منذ نهاية الأربعينيات، حتى نهاية الستينيات، نحو 20 عامًا لم تُقدم السينما هذا العدد من الأفلام، والتى ليست بالضرورة كلها غنائية، وليس بالضرورة أن يكتبها كلها أيضا «قورة»، فى تسجيل مع الإذاعي وجدي الحكيم حكى أنه كان يكتب أغاني لفيلمين، وأخطأ عندما سلم أغانى كل فيلم للمخرج الآخر، والغريب أن المخرجين لم يلاحظا، ولاقت الأغاني إعجاب الجمهور والنقاد، على اعتبار أنها تقدم رؤية عبثية، حلقت بالسينما الغنائية إلى آفاق أرحب. قال قورة إنه كتب 40 أغنية من الباطن لشاعر غنائى مشهور، لأنه كان بحاجة للنقود، وأكدت لى ابنته صدق الواقعة، وحددت بعض الأغانى، وبالطبع لن أذكر أسماء، حتى لا يطال الاتهام الشاعر الكبير، لماذا صمت قورة طوال تلك السنوات، ثم فجأة فتح النيران، وكيف على الجانب الآخر لشاعر موهوب أن ينسب لنفسه أغانى ليست له؟ لدىَّ إجابة عن السؤالين ولكن ليس لدىَّ مساحة متبقية فى العمود. [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم)
مشاركة :