صدر تقرير بداية شهر أغسطس 2021 من الأمم المتحدة، وهو السادس حول تغير المناخ، إذ راجعت لجنة من العلماء 14 ألف بحث علمي، وأكد التقرير على الربط المباشر ما بين التغيرات المناخية والارتفاعات في درجات الحرارة، وأنها نتيجة مباشرة للاستعمال المكثف للبترول والمصادر الهيدروكربونية. لكن لأول مرة التقرير يضيف انبعاثات غاز الميثان في التأثير على التغيير المناخي، وهو ناتج من الأراضي الرطبة المصدر الرئيسي الطبيعي للميثان، كما تشمل مصادره الطبيعية الأخرى على غازات البراكين، وتأثيره على ظاهرة الاحتباس الحراري أكثر من 85 مرة من ثاني أكسيد الكربون، كما أشار التقرير إلى أن غاز الميثان شكل حوالي نصف الانبعاثات التي أدت إلى زيادة حرارة الجو خلال عامي 2019 – 2020. يرتبط هذا التقرير بمؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي المقرر عقده في غلاسكو خلال شهر نوفمبر 2021 (كوب 26)، وهذا التقرير هو الثاني بعد تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي رسم خريطة الطريق للوصول إلى صفر الانبعاثات بحلول عام 2050، ويعد التقريران حملة ضغط من أجل تصعيد قرارات مؤتمر باريس المناخي الذي عقد في عام 12 ديسمبر 2015 وتم التوقيع عليه في 22 أبريل 2016، ويعد اتفاق باريس أول اتفاق دولي خاص بمكافحة تغيرات المناخ على مستوى العالم وقع عليه 194 دولة. تعهدت هذه الدول بتثبيت الارتفاع في درجات حرارة الكرة الرضية عند 2.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي، فيما التقديرات كانت تشير إلى ارتفاع درجات الحرارة نحو 3 درجات مئوية وهو ما ستكون عواقبه كارثية، وتعهدت الصين بصفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2060 والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية تعهدوا جميعاً بصفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050. هناك نحو 70 في المائة من إجمالي الانبعاثات تأتي من «أمريكا، الصين، الاتحاد الأوربي، روسيا، الهند، اليابان»، وبقية العالم ينبعث منه فقط 30 في المائة، رغم ذلك أعلنت السعودية أنها لن تكون أبدا جزءا من المشكلة، وكذلك أكدت أنها لن ترضى أن تكون جزءاً من الحل فقط، بل طموح المملكة هي أن تكون رائدة للحل، مستثمرة الإمكانات والكفاءات التي تمتلكها. وقد أشار وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في ندوة افتراضية قدمها الصندوق الصناعي تحت عنوان «الاقتصاد الدائري، الكربون: إدارة الكربون بشكل كامل»، إلى أن تأكيد المملكة على أنه لا توجد طريقة واحدة في التعامل مع خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وتطالب السعودية المجتمع الدولي قبل انعقاد قمة (كوب 26) في غلاسكو، من أن هناك طرقاً وجوانب متعددة يساند بعضها بعضاً من أجل أن تساهم في خفض كل الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بدلاً من التركيز فقط على ثاني أكسيد الكربون، وكأن دول أوبك المستهدفة، رغم أن السعودية بشكل خاص تقوم بجهود جبارة من أجل معالجة سحب ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري، ما يسمى بتدوير الكربون بعد تخزينه في آبار فارغة لاستعماله لاحقاً في عمليات أخرى، وتحويل النفط الخام بعد استخلاص منه ثاني أكسيد الكربون إلى وقود (النفط الأخضر)، ورغم أن المسؤولية متفاوتة لكنها مشتركة، ولكن من العدل أن تكون المسؤولية مبنية على إسهام الدول في تراكم هذه الغازات وعلى ظروفها الوطنية. هناك بروز مرحلة هجينة، فيما لا يزال الفحم الحجري الأكثر تلوثاً والطلب عليه قوي في الأسواق الصاعدة التي تمثل 76.8 في المائة من استهلاك الفحم العالمي، وهي نسبة تساهم الصين بنصفها، ويمثل توليد الكهرباء 72.8 في المائة من استخدام الفحم، بجانب استخدام فحم الكوك لإنتاج الحديد بنسبة أخرى قدرها 21.6 في المائة. فحتى الآن وداع الفحم الحجري مؤجل، فما بالنا بالنفط والغاز، حيث يعتبر تلوثهما نصف تلوث الفحم الحجري، وفق بيانات الأمم المتحدة وحسابات خبراء صندوق النقد الدولي لعام 2018، ولم يساعد ضريبة الكربون على خفض الاعتماد على الفحم في بريطانيا سوى 12.4 في المائة بين 2013 – 2018، لكن في الولايات المتحدة فرضت قوى السوق انخفاضاً أكثر محدودية حين أدت ثورة الغاز الصخري إلى خفض أسعار الغاز الطبيعي. رغم أن هناك جهوداً كبيرة في كبح زيادة استخدام الفحم الحجري، وتسريع التحول إلى مصادر طاقة أنظف من خلال الاستثمار الأخضر والتقدم التكنولوجي، باعتبار أن الفحم مساهم أساسي في التلوث المحلي، وتغير المناخ، حيث يساهم بنسبة 44 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، بسبب أنه عند حرق الفحم الحجري لتوليد الحرارة أو الكهرباء تعادل كثافته 2.2 كثافة الغاز الطبيعي. المملكة تقف شامخة مقارنة بأي دولة في العالم في التعامل مع انبعاثات الميثان على سبيل المثال، بل حتى ثاني أكسيد الكربون، بوصف السعودية إحدى أكبر الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية على وجه الأرض. ** ** - أستاذ بجامعة أم القرى بمكة
مشاركة :