حذر اللواء د. صالح المالك أستاذ مساعد بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية من مخاطر التناول الإعلامي غير الواعي من قبل بعض وسائل الإعلام غير الحكومية في تغطية الأحداث الإرهابية، والتي ربما تمثل دعماً لجماعات الإرهاب لتحقيق أهدافها الخبيثة. وأشار اللواء د. المالك في ورقة عمل قدمها خلال مشاركته في مؤتمر عقد مؤخراً بالمملكة الأردنية حول التعاون المتبادل بين وسائل الاعلام (غير الحكومي) والإرهاب إلى أن وسائل الإعلام أصبحت تعيش حالة من السباق المحموم للحصول على السبق الإعلامي في متابعة الأحداث الإرهابية، كما أن جماعات الإرهاب حريصة كل الحرص على تزويد وسائل الإعلام بجميع المعلومات عن العمليات الإرهابية فيما يشبه حالة من التعاون المتبادل والتي تبعث على التساؤل حول ما إذا كان الإرهاب يستفيد من وسائل الإعلام أم أن الإعلام يستفيد من الإرهاب من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الجماهير؟ ومن ثم تحقيق الفائدة المرجوة لكل منهما. وأكد اللواء د. المالك في ورقته أن التعاون المتبادل بين وسائل الإعلام غير الحكومية والإرهاب يشير بوضوح إلى أن كلاً منهما يستفيد من الآخر إلى الدرجة التي جعلت كثيرا من الخبراء والمختصين والباحثين أمثال (والتر لاكير) إلى القول بأن الإعلامي هو أفضل صديق للإرهابي بل إن بعض الخبراء ذهب إلى القول بأن الإعلامي هو شريك للإرهابي، بدعوى أن العمل الإرهابي ليس شيئاً في ذاته بل التشهير والترويج له إعلامياً هو كل شيء. وأبان اللواء د. المالك أن وسائل الإعلام المختلفة تتسارع إلى السبق الإعلامي وتغطية العمليات الإرهابية والاغتيالات والتفجيرات رغبة في تحقيق السبق وتحقيق أكبر قدر من المتابعة الإعلامية لها في حين أن جماعات الإرهاب تسعى وراء الأجهزة الإعلامية لإيصال رسالتها السياسية أو النفسية أو الترويج لمزاعمها أو تبرير أعمالها وإشاعة الرعب والخوف، فضلاً عن الرسائل السياسية أو الدينية التي تريد المنظمة الإرهابية إيصالها وهو ما يؤكد أن الإرهاب يتسلح بالإعلام لتسويق غاياته بينما قد تقع وسائل الإعلام أحياناً من دون قصد في فخ غايات الإرهاب المقصودة وتخدم أغراضه. ولفت اللواء د. المالك إلى أن بعض وسائل الإعلام لم تكتفِ بالترويج للأعمال الإرهابية من خلال التغطية الإعلامية، بل انها أصبحت عاملاً مهماً في تأجيج وإثارة النزعة الإرهابية في نفوس بعض الأفراد وخاصة الشباب صغار السن، بينما وجدت الجماعات الإرهابية ضالتها في بعض وسائل الإعلام كممر سهل وسريع للوصول إلى الرأي العام وأداة من أنجح الأدوات في التسويق لمعتقداتها المنحرفة والمتطرفة مستغلة في ذلك لهاث وسائل الإعلام المختلفة خلف السبق الإعلامي إلى جانب صفة الحصرية في تقديم المعلومات والتحليلات المتعلقة بالأعمال الإرهابية مشيراً إلى بعض ما رصده اثنان من الأكاديميين المختصين في جامعة زيورخ السويسرية في بحثهما الدم والحبر: لعبة المصلحة المشتركة بين الإرهابيين والإعلام من أن الإرهاب يحصل على دعاية مجانية لأعماله والإعلام يستفيد مالياً لأن التقارير أو تبث عن جماعات الإرهاب تزيد من عدد قراء الجريدة أو مشاهدي القناة التلفزيونية ومن ثم تزداد مبيعات الجريدة أو مشاهدة القناة وكذلك أسعار الإعلانات بها. ويدلل اللواء د. صالح المالك على ذلك بما توصلت اليه نخبة من الباحثين في علوم الاجتماع والإعلام من أن الإرهابيين يستفيدون من وسائل الإعلام في الوصول إلى المؤيدين والمتعاطفين والراغبين والداعمين للتنظيمات الإرهابية وإيقاع الرعب والخوف والتأثير على الحكومات المعادية لهم وخلق نوع من القلق وزعزعة الأمن وأن جماعات الإرهاب قد تحجم عن تنفيذ عملياتها في حال علمت مسبقاً أنها تحظى بالدعاية الإعلامية الكافية لها، مؤكداً أن المشاهد المأسوية التي تنقل عبر وسائل الإعلام عن العمليات الإرهابية بشكل متكرر ومبالغ فيه تشكل بحد ذاتها خدمة لأهداف الإرهابيين دون إغفال للدور الذي لعبته بعض وسائل الإعلام في تغذية أو دعم أو ظهور العنف والإرهاب، من خلال استغلال الإرهابيين لها في تسويق أجنداتهم وغاياتهم وتوظيفها أحياناً في تضليل الأجهزة الأمنية أو محاولة السيطرة على الرأي العام، حيث إن الجماعات الإرهابية ترى أن التغطية الإعلامية لجرائمها هي المعيار المهم لقياس مدى نجاح الفعل الإرهابي لدرجة أن البعض منها تعتبر أن العمل الإرهابي الذي لا ترافقه تغطية إعلامية عملاً فاشلاً. وهو ما دفع المراسل الصحفي لواشنطن بوست ديفيد برودر إلى المطالبة بحرمان الإرهابي من حرية الوصول إلى منافذ الوسائل الإعلامية، وهو أيضاً ما جعل مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تصف الدعاية المجانية للجماعات الإرهابية عبر وسائل الإعلام بالأوكسجين الذي لا يستطيع الإرهاب الاستغناء عنه. وأوضح اللواء د. المالك إلى أن تنامي شبكات التواصل الاجتماعي جعل منها أرضاً خصبة لجماعات الإرهاب لتحقيق أهدافها في الترويج لأفكارها أو إثارة الرعب والفزع أو التواصل فيما بينها بعيداً عن رقابة مؤسسات الدولة ودون الحاجة إلى مصادمات مباشرة تحتوي على قدر من المخاطرة والتهديد لها، وهو ما يفسر نجاح جماعات الإرهاب في تجنيد واستقطاب الشباب صغار السن عبر الهواتف الجوالة. وخلص اللواء د. المالك في ختام ورقته البحثية إلى ضرورة أن تغلب وسائل الإعلام المصالح الإستراتيجية العليا للبلاد على أي مصالح أخرى، وأن تتسم تغطية الأحداث الإرهابية دون تهويل أو تهوين في إطار وعي وسائل الإعلام بمسؤوليتها الاجتماعية بعيداً عن العشوائية الارتجالية، بالإضافة إلى مسؤولية الإعلام في كشف زيف مزاعم وأباطيل جماعات الإرهاب وفضح مخططاتها.
مشاركة :