البويهيون وتطور مظاهر شعائر إحياء ذكرى عاشوراء

  • 10/21/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نشرت دورية "نصوص معاصرة" في أعدادها الثامن والتاسع، التي صدرت في خريف 2006م وشتاء 2007م، ملفاً خاصاً حول تاريخ الشعائر الحسينية. ,من خلال هذا الملف يمكننا تتبع نشأت وتطور مظاهر شعائر إحياء ذكرى عاشوراء، وكذلك يتناول الملف عدداً من الشعائر الحسينية والجدل والمواقف حولها. فنقرأ في الدراسة التي أعدها محمد صالح الجويني "تاريخ المأتم الحسيني، من الشهادة وحتى العصر القاجاري"، متى وكيف بدأت الشعائر الحسينية والمراحل المختلفة التي مرت بها؛ حيث بدأت بإقامة المأتم على الإمام الحسين عليه السلام في ضمن دائرة صغيرة، ثم بدأت تتسع وتتحول إلى شعيرة وذلك عندما سكن الإمام السجاد عليه السلام المدينة، وانتهز جميع الفرص لإحياء ذكرى واقعة كربلاء، فكان يبكي كلّما أراد شرب الماء، وكان بكاؤه على مرأى الناس ومسمعهم، واستمرّ في ذلك طيلة حياته، كما كان يدعو الآخرين لبكاء الحسين، وعدّ ذلك سبيلاً لدخول الجنّة ونيل الأمان من الله سبحانه. وقد تطورت هذه الشعائر بصورة بسيطة في عهد الإمام الباقر عليه السلام، ففي عهده كان قد مرّ على واقعة كربلاء ثلاثة عقود، وظهر فى الساحة جيلٌ جديد لم يذكر شيئاً عن واقعة كربلاء. وقد انتهز الإمام عليه السلام كلّ فرصة لإحياء ذكرى سيد الشهداء عليه السلام وواقعة كربلاء وما حلّ من مصيبة بالحسين، ويعني ذلك أنّه سعى لسنّ المأتم الحسيني شعيرةً دينية. كما أنه طلب من الشيعة إقامة المأتم بقدر ما تسمح به ظروفهم، وقد سنّ قيام المآتم الحسينية في البيوت، وحثّ الشعراء على رثاء الحسين، وطلب ـ ولأول مرة ـ إعلان يوم عاشوراء عطلةً رسمية كيوم عزاء عام. واستمرت المآتم بعد ذلك تقام بنفس الأسلوب. وفي مطلع القرن العاشر الميلادي، بدأ المأتم الحسيني يأخذ طابعاً رسمياً، وذلك مع قيام الحكومات الشيعية في العالم الإسلامي؛ فقد حكم البويهيون في إيران، والفاطميون في شمال إفريقيا، وأخذا بالتوسع في هذه الحقبة. وقد حكم البويهيون إيران، عدا المناطق الشرقية، وكذلك وسط العراق. وبدأ تطور الشعائر الحسينية عندما أحكمت الدولة البويهية الشيعية سيطرتها على الدولة العباسية، وأصبح المأتم الحسيني تقليداً رسمياً في أيام معز الدولة أحمد بن بويه وبالتحديد قرابة العام 936م. ففي عهد معز الدولة، بحسب كتاب "تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين عليه السلام" للشهرستاني، تم تحديد عشرة الأيام الأولى من محرم لإحياء ذكرى واقعة الطف، وتم تحديد يومي تاسوعاء وعاشوراء كأيام تعطل فيها الأسواق والبيع والشراء بصورة رسمية في المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة البويهية. كذلك فقد تم تخصيص دور عبادة تمارس فيها طقوس إحياء واقعة الطف (والتي عرفت لاحقاً باسم الحسينيات)، وفي عهده أيضاً بدأت خروج مواكب تسير في الطرقات وتمارس شعائر جنائزية معينة، وكانت هناك مواكب للرجال وأخرى للنساء؛ حيث تخرج النسوة ليلاً في موكب، وتنشر شعورها وتندب وتنوح. وعلى الرغم من وجود عددٍ من الصعوبات التي واجهت إقامة الشعائر الحسينية في إبان حقبة الحكم البويهي، إلا أن إقامة المآتم الحسينية استمرت في بغداد حتى نهاية حكم البويهيين عليها، ثمّ منعت جميع الشعائر الشيعية ـ لاسيما إقامة المآتم الحسينية ـ من قبل دولة السلاجقة وذلك قرابة العام 1055م. ومع ذلك، هناك روايات تدلّ على إقامة المأتم يوم عاشوراء العام 1065م، بعد عقد من سقوط البويهيين، وما ذلك إلا شاهد على استمرار الشيعة في نهجهم، حيث كلّما أتيحت لهم الفرصة أقاموا المآتم علناً. الخلاصة، أن مظاهر شعائر إحياء ذكرى عاشوراء تطورت بصورة ملحوظة منذ بداية القرن العاشر الميلادي في ظل الحكومات الشيعية التي حكمت في مناطق مختلفة في العالم الإسلامي، وقد كانت هناك خصوصية لكل مكان؛ حيث تنوعت مظاهر الشعائر الحسينية، وهي مظاهر لم تصلنا كل تفاصيلها. وقد سبق أن تطرقنا لبعض المظاهر التي انتشرت في الأندلس، والتي وثقت في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث كانت توجد دور العبادة الخاصة التي كانت تعرف حينها باسم (الحسينيات) والتي تمارس فيها الشعائر الحسينية ومنها إنشاد (المسمعين) لشعر الرثاء الحسيني، ومنها إقامة ما يشبه المسرح الحسيني المبكر. وسوف نحاول التطرق لمناطق أخرى في مقالات لاحقة.

مشاركة :