كان إنشاء المجلس الأعلى للمرأة منذ عقدين في 22 أغسطس 2001 علامة فارقة في تاريخ الحركة النسائية البحرينية، إذ وضع المرأة على طريق التمكين السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وأصبحت بعد سنوات قليلة قادرة على النهوض بنفسها، وأصبحت الحركة النسائية «حركة تنموية»، تستنهض قدرات المرأة، وتدفع إلى انخراطها كشريك كامل في مسيرة التنمية الشاملة على قدم المساواة ومن دون أي تمييز بينها وبين الرجل. وبكل المقاييس، فإن إنشاء المجلس يعد من أهم مكونات البرنامج الإصلاحي لجلالة الملك، إذ شاركت المرأة تصويتًا وترشحًا في الانتخابات النيابية والبلدية، وفي عملية صنع واتخاذ القرار، وتقلد الوظائف العامة، بل إنه يعد من أهم مؤسسات تفعيل بنود الميثاق الوطني، الذي جمع المواطنين بجميع فئاتهم، وصهر المكونات الاجتماعية في بوتقة واحدة على قدم المساواة، وكرس مفهوم المواطنة الدستورية بما تقوم عليه من مبادئ إنسانية وحقوقية سامية. وكان اختيار صاحبة السمو الملكي الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم»، على رأس هذا المجلس في موضعه، تقديرًا للجهد المتواصل الذي بذلته لإنشاء هذه المؤسسة، وإدراكًا من عاهل البلاد بأنها الشخص الأنسب لقيادة هذا العمل، وقد كانت محل إجماع وثقة بين الفعاليات النسائية في المجتمع البحريني، لما عرف عنها من مساهمتها في العمل الاجتماعي والتطوعي، واهتمامها بقضايا المرأة البحرينية بشكل خاص، والعربية بشكل عام. وبمقتضى الأمر الأميري رقم 44 لسنة 2001، يختص المجلس باقتراح السياسة العامة في مجال تنمية وتطوير شؤون المرأة في مؤسسات المجتمع الدستورية والمدنية، وتمكين المرأة من أداء دورها في الحياة العامة، وإدماج جهودها في برامج التنمية الشاملة مع مراعاة عدم التمييز ضدها، ووضع مشروع خطة وطنية للنهوض بها، وحل المشكلات التي تواجهها في كافة المجالات، وتفعيل المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين فيما يتعلق بالمرأة. يضاف إلى أهمية ذلك اختصاص المجلس في إبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بالمرأة، والتوصية باقتراح كل ما يسهم في النهوض بأوضاعها، بما يحقق عدم التمييز ضدها، فضلا عن متابعة تنفيذ البرامج التي جرى تبنيها، وتمثيلها في المحافل والمنظمات العربية والدولية، وإنشاء مركز توثيق لجمع المعلومات المتعلقة بالمرأة، وإجراء الدراسات والبحوث في هذا المجال، وعقد المؤتمرات والندوات لبحث الموضوعات الخاصة بها، وتوعية المجتمع بدورها وبحقوقها وواجباتها. ومنذ تأسيسه، سعى المجلس إلى وضع خطة متكاملة لمعالجة كافة المجالات المرتبطة بواقع المرأة، وانتهج في ذلك منهجية تشاركية مبنية على التعاون مع الجهات الرسمية والخاصة، بما يسهم في دعم قضايا المرأة وتقدمها؛ فكانت الاستراتيجية والخطة الوطنية الأولى للنهوض بالمرأة البحرينية (2007 - 2012)، والتي بناءً على تقييم تنفيذها، تم وضع الخطة الوطنية الثانية (2013 – 2022)، وذلك في إطار رؤية البحرين الاقتصادية، وأهداف التنمية المستدامة 2030. كما عمل المجلس على تمكين المرأة سياسيًا من خلال توعيتها وتحفيزها للمشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية 2002، التي جاءت بعد شهور قليلة من إنشائه، فنظم عدة دورات تدريبية وحلقات توعية للناخبين، رجالاً ونساء. وقامت رئيسة المجلس الأعلى للمرأة سمو الأميرة سبيكة برعاية حوار مفتوح بجامعة البحرين حول مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية بحضور أكثر من 1600 من طالبات الجامعة والجمعيات الأهلية والنسائية وممثلي الإعلام والمرشحات للانتخابات، وجابت محافظات البحرين ومناطقها الريفية، وزارت الجمعيات النسائية، وعقدت لقاءات تدعو إلى مشاركة المرأة في الانتخابات. ونتيجة لهذه الجهود، بلغت نسبة مشاركة المرأة 47,7% في الانتخابات النيابية 2002. ومثلت الانتخابات التشريعية والنيابية لعام 2018 أوج صعودها في العمل التشريعي والبلدي، ما جعل المجلس الأعلى يحتفل بيوم المرأة البحرينية في هذا العام للمرأة في العمل التشريعي والبلدي، وقد بلغ عدد المترشحات في مجلس النواب 39، مقابل 13 في انتخابات 2014، و9 عام 2010، و18 عام 2006، و8 عام 2002، فيما أحرزت في انتخابات 2018 أكبر فوز في تاريخ الانتخابات التشريعية بفوزها بـ6 مقاعد، بنسبة 15% من إجمالي مقاعد مجلس النواب، كما فازت في الانتخابات البلدية بـ4 مقاعد. وعين جلالة الملك 5 سيدات لعضوية مجلس بلدي العاصمة، كما عين 9 لمجلس الشورى بنسبة 22,5%. ومكن الصعود التشريعي للمرأة البحرينية لأول مرة من أن تصبح رئيسًا لمجلس النواب، ونائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الشورى. وكان لجهود المجلس في مجال تمكين المرأة سياسيا دوره في صعود مكانتها في عملية صنع واتخاذ القرار، فبلغ عدد الوزيرات، ومن في حكمهن 4، وعدد وكيلات الوزارة ومن في حكمهن 5، وعدد وكيلات الوزارة المساعد، ومن في حكمهن 28، وفي السلطة القضائية 19. وغدت نسبة المرأة من العاملين في القطاع الحكومي 54%، منهن 32% في منصب مدير إدارة، كما بلغت نسبة العاملات في الوظائف التخصصية 62%. وفي 2017، عين جلالة الملك أول وكيلة في وزارة الخارجية، وفي نفس العام اكتسبت المرأة البحرينية عضوية لجنة المرأة بالأمم المتحدة، وعضوية المجلس التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، كما بلغت نسبتها في المجال الدبلوماسي 32%، وبلغت نسبة السفيرات من إجمالي عدد السفراء حوالي 15%. ولم تكن الجهود التي قام بها المجلس في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة أقل حظًا من التمكين السياسي، من حيث إيلاء الاهتمام للمستويين التشريعي والمؤسسي، فكان صدور الأمر الملكي رقم 5 لسنة 2004، بإنشاء جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة لتمكين المرأة البحرينية، والتي تمنح كل سنتين لأفضل الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة المتميزة في مجالات دعم وتمكين المرأة العاملة. وفي عام 2019، صدر الأمر الملكي رقم 17 لسنة 2019 بتغيير مسمى الجائزة ليصبح جائزة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم لتقدم المرأة البحرينية. ونتيجة لجهود المجلس، تضمن قانون العمل في القطاع الأهلى -الصادر بموجب القانون رقم 36 لسنة 2012 وتعديلاته- العديد من المزايا والحقوق للمرأة، ما جعل لها حضورا لافتا على صعيد المشاركة في الاقتصاد الوطني، فغدت تشكل نسبة مؤثرة في تركيبة القوى العاملة الوطنية. وفي العقدين الماضيين، ارتفعت نسبتها في القطاع الحكومي، بمقدار 17%، لتصل إلى حوالي 55%. وفي القطاع الخاص بمقدار 11% لتصل إلى حوالي 35%، وازدادت نسبة صاحبات الأعمال من 15% عام 2001 إلى 47% عام 2020، بنسبة قدرها 32%، وارتفعت نسبة مشاركتها في ريادة الأعمال بمقدار 6% لتصل إلى حوالي 43% من إجمالي البحرينيين في العقد الأخير، ووصلت نسبة السجلات الفردية المملوكة لها إلى أكثر من 47%، كما أن 31% من الشركات والمؤسسات البحرينية الصغيرة مملوكة من قبل نساء بحرينيات. وفي السياق ذاته، دأب المجلس على تفعيل النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين من خلال تطبيقه الأمر الملكي الصادر في 2011، بإنشاء اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة، حيث بدأ العمل على نشر ثقافة الإدماج، وتبني منهجيات علمية تتضمن سياسات وإجراءات لتطبيقات تكافؤ الفرص واعتماد الموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة. وبجهود المجلس، أصبح للبحرين تجربة متميزة على صعيد تطبيق سياسات تكافؤ الفرص، وذلك بصدور عدد من القرارات الداعمة كقرار مجلس الخدمة المدنية 2014 بإلزامية إنشاء لجان تكافؤ الفرص في الوزارات والمؤسسات الرسمية. وفي عام 2021 بلغ عدد هذه اللجان 50 لجنة. وفي هذا الصدد، بادرت مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني بشكل تطوعي إلى تبني منهجيات التوازن بين الجنسين وإدماج احتياجات المرأة، فبلغ عدد لجان تكافؤ الفرص 20 في القطاع الخاص، و17 في مؤسسات المجتمع المدني عام 2021. ووفقًا للتقرير السنوي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس 2020، احتلت المملكة المركز الأول خليجيا في إغلاق الفجوة بين الجنسين في الأجر عن الأعمال المتماثلة ومؤشر الدخل التقديري وكبار المسؤولين والمديرين. وعلى صعيد التمكين الاجتماعي، برزت جهود المجلس في عدة تشريعات، من ذلك صدور القانون رقم 34 لسنة 2005، المعدل بالقانون رقم 33 لسنة 2009، بإنشاء صندوق النفقة، الذي نظم المسائل المتعلقة وضوابط صرفها، وصدور القانون رقم 1 لسنة 2008، بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص كسياج قانوني لحماية المرأة من التعرض لجريمة الاتجار في الأشخاص بكافة صورها، وصدور القانون رقم 35 لسنة 2009، بشأن معاملة أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي معاملة المواطن البحريني في بعض الرسوم، وكذا صدور القانون رقم 19 لسنة 2009، بإصدار قانون أحكام الأسرة القسم الأول، والقانون رقم 17 لسنة 2015، بشأن الحماية من العنف الأسري، والقانون رقم 19 لسنة 2017، بإصدار قانون الأسرة كقانون موحد يراعي الخصوصيات الجوهرية بين الفقهين السني والجعفري. وفي ترجمة فعلية، دأب المجلس الأعلى على تعظيم استفادة المرأة من شبكة الأمان الاجتماعي، التي كوّنها جلالة الملك لحمايتها من العوز، كتخفيض رسوم الكهرباء والماء، وصندوق النفقة، ومساعدات الضمان الاجتماعي، وبرنامج الدعم المالي لمحدودي الدخل، وتعويضات الحرائق والمساكن، ودعم اللحوم والتأمين ضد التعطل، فضلاً عن دعم مشروعات الأسر المنتجة. ولعل ما حققته المرأة في صعودها التعليمي هو ما مكن المجلس من الانتقال في نشاطه من الإطار التمكيني إلى إطار نهوض المرأة بنفسها، الأمر الذي جعله يحتفي بها في هذا الشأن في «يوم المرأة عام 2008»، وفي «يوم المرأة عام 2019». ومع محو الأمية الأبجدية لها والتحول إلى التعليم المستمر، ومحو الأمية الحاسوبية، وكنتيجة لجهود المجلس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، بتحقيق تعليم لا يستثني أحدًا، يشمل المرأة بجميع فئاتها العمرية، ويحقق التعليم لذوات الإعاقة مع دمجهن، بلغت نسبة حضور المرأة كمتعلمة 47% في مرحلة الحضانة، و49,2% في رياض الأطفال، و49,2% في الابتدائي، و49,2% في الإعدادي، و48,8% للثانوي. ووفقًا لإحصاءات 2019، لم يكن غريبًا أن يذكر التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين عام 2020 -الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»- أن المملكة شارفت على إغلاق فجوة التحصيل العلمي بين الجنسين، وجاءت الأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في التحاقها بالتعليم الثانوي. وفي العام الجامعي (2019-2020)، بلغت نسبة الطالبات في جامعة البحرين والجامعات الخاصة 59%، كما بلغت نسبة الخريجات البحرينيات 63%، فيما أصبحت تتولى مناصب قيادية في مؤسسات التعليم العالي بنسبة 31% عمداء، و54% رئيس قسم لعام 2019، كما غدت تتولى مناصب رئيس جامعة البحرين، وأمين مساعد مجلس التعليم العالي، ووكيل مساعد في وزارة التربية والتعليم، ومدير عام للهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان الجودة، وأكثر من 50% من المناصب القيادية في جامعة البحرين، كما بلغت نسبتها في المناصب القيادية في التعليم العالي 44% من إجمالي البحرينيين. وشملت جهود المجلس في إطار التمكين الاجتماعي أيضًا حصول المرأة على الرعاية الصحية الكاملة التي تتناسب معها، حتى بلغت فرصة حصولها على الخدمات الصحية الأولية 100%، ونسبة تغطية التطعيمات ضد الأمراض المعدية 100%، ونسبة الولادة تحت إشراف طبيب 100%، ومؤشر تساوي الخدمات الصحية 100%، وفرصة البقاء على قيد الحياة للبالغات حتى سن (65) 93%، والأطفال الأحياء دون الخامسة 99%، والعمر المتوقع عند الولادة 78,1 سنة. ودعما لهذه الخطوات، امتدت هذه الجهود إلى تأمين حق المرأة في السكن، فكان قرار وزير الإسكان رقم 99 لسنة 2015، الذي أضاف فئة خامسة للمنتفعين بالخدمات الإسكانية تشمل المرأة الأرملة والمطلقة والمهجورة، وغير الحاضنة للأبناء والعزباء واليتيمة الأبوين، التي جاوزت سن الطفولة. وفي ضوء هذا القرار، أطلق المجلس بالتعاون مع وزارة الإسكان، مشروع (مساكن) لتمكين هذه الفئة الخامسة. ومنذ أن بدأت جائحة كورونا، كان المجلس الأعلى للمرأة في مقدمة المؤسسات الوطنية المشاركة في جهود التصدي لهذه الجائحة، إذ أطلق مجموعة من المبادرات النوعية، من بينها برنامج «مستشارك عن بعد» لمواصلة تقديم جميع خدماته للمرأة، وإضافة خدمات جديدة لتلبية المتطلبات المستجدة في ظل الجائحة، إضافة إلى إطلاق الحملة الوطنية لدعم المرأة والأسرة البحرينية «متكاتفين»، والمساهمة في صدور القرارات والإجراءات الداعمة للمرأة العاملة، على رأسها تمكينها من مواصلة مهام وظيفتها من المنزل، ثم كانت توجيهات سمو الأميرة سبيكة رئيسة المجلس لسداد الديون والمبالغ المالية المستحقة على النساء البحرينيات ممن صدر بحقهن أحكام قضائية ضمن القوائم المنشورة من قبل وزارة الداخلية على تطبيق «فاعل خير».
مشاركة :