كتب لي أحد الأصدقاء تعليقاً على أحد المقالات المنشورة في هذه المساحة: «لماذا عندما نكتب نبقى في خانة الحلم، متجاهلين الواقع ومعطياته، فنحن نتحدث عن وطن عربي كبير وهو غير موجود واقعياً إلا في أحلامنا، فنحن إزاء دول عربية وثقافات عربية متعددة، والادعاء بغير ذلك استعاضة بالحلم عن الواقع.؟». كتبت للصديق: بداية فإن الوطن العربي حقيقة قائمة جغرافياً وتاريخياً وثقافياً ووجدانياً واجتماعياً، بمعنى الانتماء والرابطة الجامعة والطموح والحلم المشروع أيضاً والذي لم يمت بالرغم من النكبات. لكن الخلل الأساسي هنا يتعلق بانعدام الإرادة السياسية، ويكفي الاستدلال بمثال الاتحاد الأوروبي للمقارنة فقط، هذا الاتحاد الذي تحول إلى ما يشبه الوطن الواحد، بالرغم من عدم تجانسه الثقافي واللغوي والعرقي والتاريخي، حيث أصبح يضم دولاً شرقية وغربية شمالية وجنوبية، بفضل الإرادة السياسية ليتحول إلى وطن أوروبي واحد، بمعنى انفتاح الجغرافيا وحرية التنقل والإقامة والعمل، وانفتاح المجتمعات والنظم القانونية والإدارية، والانتماء إلى قيم مشتركة ونمط عيش متشابه، والتوجه حثيثاً نحو المواطنة الأوروبية. أما الوطن العربي فيمتلك كافة مقومات الوطن، وإنما ينقصه ما جعل من الصين وطناً واحداً على اتساعه وتنوعه، وما جعل من أوروبا اتحاداً كاملاً، ومن شعوبه مواطنين أوروبيين. أما فيما يتعلق بالثقافة العربية التي يعتبرها البعض «ثقافات» فهذا، إذا قُصد به تقريراً لواقع، فهو لا يفضي إلى التشكيك في وحدة الوطن العربي الثقافية رغم التنوع، ففي جميع البلدان، هنالك ثقافات، ولكنها تنصهر في إرادة واحدة. فالتعددية مسألة أساسية في الثقافة بمعناها الواسع، فلا وجود لنزاع بسبب هذه التعددية الثقافية حتى داخل البلد الواحد، بل إن هذا التعدد الثقافي ذاته بات مصدراً من مصادر الثراء والغنى والقوة. ولكن المهم ألا تكون هنالك ثقافة إلغاء واستحواذ أو إقصاء، بل أن تكون ثقافة قادرة على التعبير عن جميع المكونات التاريخية والاجتماعية. إن المشكلة إذن يا صديقي، لا تكمن في التوصيف، وإنما في مواقف عدد من المثقفين المشككين في وحدة الوطن العربي وثقافته، وهم يعبرون عن حالة من النكوص، تقودهم إلى التشكيك بالرابطة القومية. إذ ازداد الشعور خلال العقود الماضية بأن هذه الرابطة قد تآكلت نوعاً ما، والتراجع عنها سياسياً هو الإطار الحاكم للأفعال والأقوال. وقد تطور الأمر من خلال التعبير لدى قطاعات من الرأي العام العربي، عما ما يمكن أن نسميه: إخفاق المشروع العربي النهضوي العربي أو وصوله إلى طريق مسدودة، مما يستوجب إعادة إحياء للحلم. لأن الشعوب التي تموت أحلامها تموت، بل قد تخرج من التاريخ. همس أحمل الحلم بين يدي داخل العتمة. شجرة الزيتون الوحيدة، تركتها عند العتبة. أربعون عاماً أكتب رسائلها. وأغسل يدي في موعد مع الماء.
مشاركة :