السياسة الألمانية في الشرق الأوسط بين متطلبات السوق وقواعد الأخلاق

  • 8/26/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، قيم تدافع عنها السياسة الخارجية الألمانية. لكن غالبًا ما يتعارض هذا مع المصالح التجارية، ويظهر ذلك جليا في السياسة الخارجية لألمانيا فيما يخص الشرق الأوسط. السياسة الخارجية الألمانية تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان لكن ذلك يصطدم مع مصالحها التجارية خصوصا في العالم العربي. صورة من الأرشيف لميركل في جدة 2017 ألمانيا لديها معضلة في السياسة الخارجية. ويمكن قراءة ذلك على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الألمانية. فهناك، مكتوب في وصف مبادئها الأساسية "دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان" هو مبدأ من المبادئ السياسية التوجيهية، ولا يمكن أن يتواجد السلام والأمن والاستقرار والتنمية المستدامة إلا على المدى الطويل "حيث تطبق المبادئ الديمقراطية والدستورية وتُحتَرم حقوق الإنسان". وبعد بضعة أسطر، مكتوب أيضًا أن ألمانيا، كدولة تجارية، لها مصلحة خاصة في سياسة تجارة خارجية فعالة "تساعد من خلالها الشركات على فتح الأسواق الخارجية وتحسين العوامل والظروف المحددة لتنظيم التجارة". وتريد ألمانيا تعزيز القيم الديمقراطية الموجهة نحو احترام حقوق الإنسان. كما أنها تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية ، كما هي القاعدة بالنسبة للسياسة الخارجية في جميع أنحاء العالم، وهذا ليس مشكلة في حد ذاته، لكن الأمور تنقلب عندما يصطدم كلا المبدأين الأساسيين ببعضهما البعض، أي عندما يتقابل السوق مع الأخلاق. إنها عملية توازن يصعب إدارتها على ما يبدو، وتلقي بظلالها بقوة على علاقات ألمانيا مع الدول العربية على وجه الخصوص. ميركل بجوار السيسي في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر أفريقيا في برلين (30/10/2018). يطالب منتقدون ألمانيا بأن تنأى بنفسها عن مصر والسعودية. مساعدة اللاجئين بسرعة وبدون بيروقراطية وهكذا رحبت الحكومة الألمانية بالمساعي الرامية إلى تحقيق الديمقراطية والاحتجاجات الجماهيرية للربيع العربي، الذي باء الآن بالفشل إلى حد بعيد. ويندد السياسيون الألمان بانتظام بانتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، مثل تعذيب وسجن المعارضين أو قمع النساء. كما استقبلت ألمانيا حوالي 770 ألف لاجئ سوري بسبب الحرب الأهلية في سوريا. وقد أظهرت تعاطفا كبيرا في أوقات الحاجة الماسة، بسرعة وبصورة غير بيروقراطية. لكن في الوقت نفسه، يتم خطب ودّ دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية كشركاء تجاريين. وهاتان البلدان يتعين على ألمانيا أن تنأى بنفسها عنهما بسبب الحالة المزرية لحقوق الإنسان فيهما. لكن فيما يتعلق خصوصا بصادرات الأسلحة المربحة، تغض السياسة والتجارة الطرف، عن ذلك. وأحيانا يحدث أكثر من ذلك، حسب ما يقول منتقدون. وفي المقابل يتحدث المدافعون عن هذا التوجه عن احتمالات إحداث التغيير من خلال التجارة. وهذه حجة يرفضها، على وجه الخصوص، حزب الخضر ومنظمة العفو الدولية ومنظمة السلام الأخضر (غرينبيس). ميركل خلال استقبال الأمير محمد بن سلمان في قمة العشرين بالصين (5/9/2016) "تأثير دراماتيكي على داخل ألمانيا" وفقًا لخبير الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ، فإن حركات اللاجئين وحدها تجعل العلاقات مع الدول العربية ذات أهمية حيوية لألمانيا. وقال الخبير من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) في برلين، لدويتشه فيله: "لقد رأينا في عام 2015 أن الأحداث في الشرق الأوسط عموما، ولكن أيضًا في شمال أفريقيا، يمكن أن يكون لها تأثيرات دراماتيكية للغاية على الوضع السياسي الداخلي في ألمانيا". غير أنه لا يوجد توافق داخل الحكومة الاتحادية في معظم القضايا، يقول شتاينبرغ في مقابلته مع DW (دويتشه فيله). ويضيف الخبير بشؤون الشرق الأوسط أن هناك حتى كسوفا إلى حد ما بشأن تحديد هذه المصالح خلال المناقشات الألمانية، ويتابع: "يكاد ألا تجد سياسيًا يخبرك بأن مصلحتنا هي ألا يأتي المزيد من اللاجئين من هذه البلدان. كما أن لدينا مصلحة في مكافحة الإرهاب. ولهذا نحتاج إلى مقدمات معينة، لكن وجود مثل هذا النقاش أمر نادر في ألمانيا". ثلاث مصالح رئيسية لألمانيا في الشرق الأوسط لذلك يجب على ألمانيا أن تحدد مصالحها بدقة أكبر. ومن وجهة نظر شتاينبرغ فإن أهم ثلاثة اهتمامات لجمهورية ألمانيا الاتحادية هي أولاً: "منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. ثانيًا: تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار لمنع التدفقات الجديدة للاجئين على سبيل المثال. ثالثًا: القيام بمحاربة فعالة للإرهاب". كرستين مولر، أيضًا، تقول إنها "تفتقد سياسة خارجية صارمة تجاه العالم العربي". وفي مقابلة مع DW، تركز خبيرة شؤون الشرق الأوسط لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP) بشكل أساسي على صفقات الأسلحة مع الإمارات العربية المتحدة وتقول: "الإمارات العربية المتحدة هي أهم شريك تجاري لألمانيا في المنطقة. بل إن ألمانيا لديها معها شراكة إستراتيجية. وعلى الرغم من أن الإمارات متورطة بقوة في حرب اليمن، إلا أنها لا تزال تشتري أسلحة أصلها أوروبي وألماني". صادرات أسلحة بالمليارات في بداية شهر يناير/ كانون الثاني أظهر رد لوزارة الاقتصاد الألمانية على طلب من حزب الخضر أن ألمانيا لا تخشى على ما يبدو التعامل مع شركاء صعبين. فوفقا لذلك الرد، وافقت الحكومة الألمانية في عام 2020 على تصدير أسلحة بنحو 1.16 مليار يورو إلى دول متورطة في صراعات في اليمن أو ليبيا : بالنسبة لمصر، سُمح بصادرات أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 752 مليون يورو. كما سُمح لقطر صادرات سلاح بقيمة 305.1 مليون يورو والإمارات العربية المتحدة (51.3 مليون يورو) والكويت (23.4 مليون يورو) أما تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي فقد سمح بتسليم معدات حربية على نطاق كبير بقيمة 22.9 مليون يورو. وبالإضافة إلى ذلك، تم إصدار تصاريح للأردن بقيمة 1.7 مليون يورو والبحرين بقيمة 1.5 مليون يورو. كما تنتقد كرستين مولر بشدة الصفقات مع العربية السعودية، والتي تم تجميدها حاليًا، وهو ما جاء متأخرا جدا، بحسب ما تعتقد مولر. وتقول خبيرة شؤون الشرق الأوسط لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية (DGAP): "فيما يتعلق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، كانت السعودية حاضرة بقوة لدى الرأي العام. ومع أنه تم فُرض حظر مؤقت لصادرات الأسلحة إليها ، إلا أنني أرى أن مشاركة السعودية في حرب اليمن وكذلك وضعها الداخلي السيئ في مجال حقوق الإنسان هما سبب كاف لعدم تسليم أي أسلحة للسعودية بشكل عام". وتتابع مولر أن هذا ليس غير متسق فحسب، بل إنه ينتهك أيضًا شروط تصدير الأسلحة للحكومة الألمانية، والذي بموجبه لا يجوز توريد أسلحة لدول ثالثة في مناطق الأزمات والحروب. إضعاف موقف ألمانيا نفسها تقول مولر: "هذه من وجهة نظري هي النقطة الحاسمة سياسياً، فإذا أراد المرء أن يُسمع صوتُه في العالم العربي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وسيادة القانون، فسيكون من الضروري أولاً الالتزام بالأسس القانونية والمبادئ السياسية الخاصة به". وتتابع مولر "ألمانيا تضعف دورها الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة لأن الدول العربية بالطبع تعرف أيضًا ما تم إقراره وما هو الأساس الحقيقي" لذلك. وعلى الصعيد المحلي داخل ألمانيا أيضًا، هناك ضغط متزايد لإعادة تنظيم سياسة ألمانيا في الشرق الأوسط. ولطالما كانت السياسة الخارجية الألمانية بمثابة عملية توازن بين المصالح والقيم، كما يقول الخبير غيدو شتاينبرغ. لكن ذلك ازداد حدة على مدى العقود والسنوات الماضية. ويضيف شتاينبرغ: "ببساطة لأن القيم اكتسبت أهمية في الجدل السياسي المحلي، وذلك لأسباب من بينها صعود حزب الخضر ، الذي كان له تأثير كبير". تحمل المزيد من المسؤولية السياسية يجب أن تدعم متطلبات السياسة الخارجية هذا الاتجاه. ستنتهي فترة قيادة أنغيلا ميركل، التي استمرت 16 عامًا، مع إجراء الانتخابات البرلمانية في نهاية سبتمبر/ أيلول. كما سيتعين على الحكومة الألمانية المقبلة أن تتعامل مع تشديد الولايات المتحدة لقيودها على ألمانيا. فالشريك القوي عبر الأطلسي يطالب من ألمانيا بشكل متزايد التزاما دوليا أكبر، وتوليا للمزيد من المسؤولية، أيضًا في الشرقين الأدنى والأوسط، حيث تلعب الحكومة الألمانية حتى الآن دور الوسيط على الأرجح مثلما هو الحال في الصراع الليبي. الطقس القاسي كمسرع لاشتعال المشاكل هنا يوجد على الأبواب تحد يهدد الوجود قد لا يجبر ألمانيا على التدخل بشكل أكبر فحسب، بل أيضا قد يلزمها عند مواجهة ذلك التحدي بأن تجمع بين متطلبات السوق وقواعد الأخلاق معاً، ألا وهو تغير المناخ. فتراكم ظواهر جوية متطرفة في الشرقين الأدنى والأوسط جعل المزيد والمزيد من الناس يجدون أنفسهم في ضائقة دائمة. ووفقًا لمحلل الشرق الأوسط شتيفان لوكاس، فإن الظروف المناخية القاسية المتزايدة غالبًا ما تكون بمثابة "مسرع لاشتعال المشاكل القائمة بالفعل". ونتيجة لذلك تأتي زعزعة استقرار المنطقة وزيادة تدفقات اللاجئين نحو أوروبا. وفي حديث مع DW، يقول شتيفان لوكاس، الأستاذ الزائر بأكاديمية القيادة التابعة للجيش الألماني في هامبورغ: "بالطبع هذا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لنا. فعندما نقول لليبيا أو السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، من فضلكم اتركوا نفطكم في الأرض، فبالطبع سينظرون إلينا شذرا؛ لأن ميزانياتهم تعتمد على الوقود الأحفوري". السوق والأخلاق على خط واحد "معنى هذا أنه من منظور أخلاقي، ولكن أيضًا من منظور المصلحة الاقتصادية الذاتية، لأن تغير المناخ يؤثر على القدرات الاقتصادية، يجب على أوروبا أن تمنح دول الشرق الأوسط خيارات بديلة من أجل خلق الحوافز، بما في ذلك الحوافز ذات الطبيعة الاقتصادية"، حسبما يقول لوكاس. ويأمل الخبير، الذي يبحث في السياسة الأمنية في منطقة الخليج وآثار تغير المناخ، في إمكانية استخدام تغير المناخ "كفرصة لبناء السلام متعدد الأطراف". فدول الشرق الأوسط على وجه الخصوص لها مصلحة كبيرة في إبقاء تغير المناخ محدودًا قدر الإمكان. "ولذلك يمكن أن تكون هناك نقاط انطلاق على أساس اتفاقية بيئية أو مناخية موحدة لتطوير مزيد من التعاون السياسي"، يؤكد لوكاس. ويضيف: "أعتقد أنه يمكنك بناء جسر بين الأخلاق والمصلحة الذاتية". رالف بوزن/ ص.ش

مشاركة :