تزايد الاهتمام العالمي، على مستوى الحكومات والشركات، في الفترة الأخيرة بالهيدروجين الأخضر باعتباره وقود المستقبل، ومصدر الطاقة النظيفة «الأمثل»، في مرحلة هجينة من وقود الطاقة المتوائم مع نظم وقوانين البيئة الجديدة التي تضم أيضاً النفط والغاز (الخاليين من الكربون) والهيدروكهربائية. وأدت مجموعة من العوامل لدفع الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، منها تعهدات دول العالم على رأسها الدول الصناعية الكبرى بخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050، في إطار اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. لتحقيق هذه الأهداف، تحتاج الدول إلى إنتاج كميات هائلة من الطاقة الشمسية والرياح والمائية لتلبية قطاعات الصناعة والنقل والكهرباء، في الوقت الذي يوفر فيه الهيدروجين حلولاً مرنة لتخزين الطاقة وإرسالها وشحنها عند الحاجة. كما يعد الهيدروجين العنصر الأكثر وفرة في الكون، ويتم إنتاج، النوع الأخضر منه، عبر التحليل الكهربائي للمياه، حيث تستخدم هذه الطريقة تياراً كهربائياً لفصل الهيدروجين عن الأوكسجين في الماء، وتغذية الكهرباء من المصادر المتجددة (الرياح والشمس)، بينما يتم إنتاج الأوكسجين، المكون الثاني للماء، وإطلاقه في الهواء، حيث يشكل عاملاً إيجابياً للغلاف الجوي. اقتصاد الهيدروجين ووفق تقرير لـ جولدن مان ساكس من المتوقع أن يلبي الهيدروجين نحو ربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام 2050، وأن يجذب القطاع استثمارات تقدر بـ 11.7 تريليون دولار، وهي توقعات تتماشى مع دراسة سابقة لـ بنك أوف أميركا رجحت ضخ 11 تريليون دولار خلال الفترة من 2020-2050. ومن المرجح أن يولد الهيدروجين عائدات مباشرة بقيمة 2.5 تريليون دولار، و11 تريليون دولار في البنية التحتية المرتبطة به بحلول عام 2050، خاصة مع توقع تضاعف إنتاجه ست مرات. دور المنطقة ورغم امتلاك العالم العربي نحو 57% من الاحتياطي العالمي للنفط الخام، و26% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي، حسب إحصاءات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك»، فإنه يمتلك أيضاً مقومات عدة يمكن أن تجعل منه لاعباً أساسياً في مجال الطاقة المتجددة نظراً لكبر مساحة الصحراء فيها وإشراقة الشمس معظم فترات العام. وحسب دراسة لمؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، تنعم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوفرة الرياح وأشعة الشمس مما يجعلها منجماً للطاقة الكهروضوئية الشمسية والرياح الذي يعتبر أساسيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر منخفض التكلفة، والذي يدعم بدوره الصناعات المحلية والتطور الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة وتوفير المزيد من الوظائف الجديدة. وأكدت الدراسة أن منطقة الشرق الأوسط قادرة على أن تصبح مركزاً لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لكل من أسواقها الإقليمية والعالم، حيث إن الفرص التي تتوفر سوف تفوق كل التحديات. وتضم المنطقة كبار اللاعبين في مجال الطاقة يتصدرهم «أدنوك» و«مبادلة» و«مصدر» و«أبوظبي القابضة» و«كهرباء دبي» و«أكوا باور» و«ونيوم»، والذين يمكنها تسريع عجلة التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون في العالم العربي بما تملكه من قدرات مادية وكوادر فنية مؤهلة وخبرات عالمية. بالإضافة إلى المبادرات الدولية، هناك مبادرات إقليمية تركز على تطوير القطاع مثل تحالف الهيدروجين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (Dii Desert Energy)، والذي يطبق مبادرات هادفة إلى ازدهار قطاع الهيدروجين الأخضر والاستدامة من خلال إنشاء سوق قوية مع وظائف وصناعات محلية مرتبطة بتحول قطاع الطاقة. تكلفة الإنتاج بيد أن التكلفة تعد أكبر التحديات التي تواجه نمو القطاع، ففي الوقت الحاضر يكلف إنتاج الهيدروجين الأخضر ثلاثة أضعاف تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي، وإنتاجه أكثر تكلفة من الهيدروجين الرمادي بطبيعة الحال بسبب عملية التحليل الكهربائي المطلوبة لتصنيعه. لكن وبحسب تقرير صدر حديثاً عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» يمكن للهيدروجين الذي يتم إنتاجه بالكهرباء المولدة من مصادر متجددة أن ينافس مصادر الطاقة التقليدية من حيث تكلفة الإنتاج من عام 2030 فصاعداً. ويرجع التقرير ذلك إلى الانخفاض المستمر لمجموعة من التكاليف مثل إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى تحسين الأداء التشغيلي والإنتاجي بشكل عام، فضلاً عن التوسع في إنتاج أجهزة التحليل الكهربائي الذي ينعكس إيجاباً مع الوقت على خفض تكاليفها بنسبة 40% على المدى القصير، وحتى 80% على المدى البعيد. ووفقا لتوقعات مجموعة بيرنشتاين الاستثمارية، يمكن أن تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى أقل من دولارين لكل كيلو جرام بحلول 2030، مقابل دولار لكل جالون من البنزين. ومن المرجح أن تنخفض تكاليف خلايا الوقود 80% خلال الفترة نفسها، إلى 30 دولاراً لكل كيلوواط، مع نمو صناعة الهيدروجين. وبحسب الدراسة ذاتها فإنه بحلول منتصف العقد الثاني من هذا القرن، قد تكون مركبات البضائع الثقيلة التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين أكثر قدرة على المنافسة من شاحنات الديزل، وبحلول 2030 يمكن للسيارات التي تعمل بخلايا الوقود أن تنافس المركبات الكهربائية من حيث التكلفة الإجمالية.
مشاركة :