أشياء كثيرة في عالم الكتب تغيب عن القارئ، إذ لا تشغله التفاصيل بقدر ما يشغله الكتاب الذي يدفع ثمنه، ويشرع في قراءته، لكنّ هذه التفاصيل ربما تشغل بائع الكتب في المقام الأول، لأنه الأقرب إلى أسرار الكتّاب والمؤلفين، وأسرار وحكايات بائعي الكتب أنفسهم في المقام الثاني. في هذا المقال القصير أتتبع العديد من المواقف التي ضمّنها بائع كتب، كان في زمنه أشهر صاحب مكتبة في بغداد، بعد أن وثّق هذه العلاقة في كتاب لطيف طُبع في 2009م، ولعلّ الاستفتاح بهذا الموقف يضيء لنا شيئاً من أسرار وخفايا هذا العالم،إذ يذكر صاحب هذا الكتاب أنّه سرق قصيدة سقطت من جيب صاحبها، فأخذها وكتب عليها اسمه، وأرسلها إلى مجلة "هدى الإسلام " في مصر،ولم تمض مدة حتى نُشِرت القصيدة بعناوين بارزة كـ " صوت يدوّي من بغداد " و " قصيدة عصماء للشاعر العراقي "، ولا يكاد قاسم محمد الرجب صاحب هذا الكتاب يخفي سروره بذكر المجلة لاسمه، وبنسبة هذه القصيدة العصماء إليه، لكنّه يذكر أنه سارع إلى شراء أعداد المجلة كلها، لأنه أشفق على ناظم هذه القصيدة من الاطلاع عليها ! ويورد صاحب مكتبة " المثنى " في بغداد في مذكراته التي قدم لها وعلّق عليها الدكتور عماد عبد السلام رؤوف أهميّة تقريظ الكتب في زمنه بعد أن عرض عليه " روفائيل بطي " مالك جريدة " البلاد " أن يحجز له حقلاً صغيراً في الجريدة ، ليكتب عن بعض الكتب التي تبيعها مكتبته في بغداد،ومع أول مادة صحفية تنشر تزاحم الناس على مكتبته لشراء نسخة من الكتاب الذي كتب عنه وكان عنوانه " النزاع والتخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم " لتقي الدين المقريزي حتى نفدت نسخ هذا الكتاب في وقت قصير ! أما أسرار وخفايا بائعي الكتب فيمكن التعريف ببعضها من خلال المواقف التي أوردها المؤلف في كتابه كأنّ يتغزّل بائع الكتب بالكتاب الذي باعه ، والنسيان الذي يغلب على بائع الكتب فما أن تدفع له ثمن الكتاب حتى يطالبك بثمنه بعد دقائق ! إلاّ أنّ هذه المواقف والحكايات لا تخلو من نبل ، كأن يتسامح معك بائع الكتب بعد شرائك كتاباً وأردت إعادته ولو بعد مضي زمن ، أو أن ينسى غداً ما قاله اليوم عن ثمن كتاب،فتأخذه بنصف سعره ! أما الكتّاب وأصحاب القلم والقرّاء فقد أورد الرجب في كتابه الكثير من المواقف والأسرار،كشراء الكتب دون قراءتها،أو غياب أصحاب القلم عن شراء الكتب ودخول أسواقها، أو باعة الكتب الذين لا تجد بينهم من يفهم شيئاً في الكتب التي يبيعها ! إن لم تكن ـ عزيزي القارئ ـ قد قرأت هذا الكتاب فعليك ألاّ تكتفي بما كتبت عنه ، بل سارع بقراءته ، فلن تندم !
مشاركة :