في غفلة من الزمان والناس...!

  • 8/26/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

‏إذا كان لدعوة الشيخ ابن عبدالوهاب، رحمه الله، التجديدية وجه سياسي ما، فإنها كانت تبرز وتعلي فكريا وروحيا من شأن الاتجاه التوحيدي للجزيرة العربية، لأن معارضة عبادة الأولياء، وتحطيم أضرحة الصالحين، وقطع الأشجار المقدسة، في تلك الظروف كانت تعني رمزيا تحطيم السند الروحي وتدمير الأساس الفكري للتجزئة الاجتماعية. ‏كانت دعوة ابن عبدالوهاب من هذا المنظور سندا وسلاحا فكريا وروحيا لحركة التوحيد المركزية في شبه الجزيرة العربية التي قادها الإمام محمد بن سعود عندما استقر في ضيافته محمد بن عبدالوهاب في الدرعية عام (1744 - 1745م). ‏وبما أن خيار المملكة العربية السياسي والتشريعي كان دائما هو الصيغة الإسلامية في الحكم والتشريع، ليس لأنه فقط يعبر عن هوية أهلها المسلمين، أو لأنها مستقر بيت الله، ومستودع قبر رسوله الكريم فقط، ولكن لقناعتها بأن التشريع الإسلامي الإلهي هو الأكمل بين تشريعات العالمين، وإلى أن يرث الله الأرض بمن وما عليها، لذا فقد تمتع رجال الدين والعلماء - في كل الأرض فيها بوضع شبه خاص، إلا أن ذلك كان يتم، ويجب أن يكون، في إطار المساواة والعدالة بين رعايا الدولة، فهذا هو المبدأ الإسلامي الراسخ..ألا يعلو أحد على أحد إلا بالتقوى والاستقامة والإصلاح. هذا من ناحية، إلا أن بعضا ممن ينسبون إلى هذه الطائفة تجاوزوا الحدود حين ادعوا لأنفسهم حقا أكثر من بقية مواطني الدولة، خاصة بعد نجاح حركة الخميني في إيران، وتوغلوا أكثر في الغلو حين احتكروا لأنفسهم الحق في توجيه سياسة الدولة، وفرض رؤيتهم على رعاياها جميعهم. ‏هل كان ذلك بتأثير من ثقافة أخرى؟ ربما، وهل كان نتيجة لأطماع وتضخم في (الأنا)؟ ربما. ‏أيا كانت الأسباب، إلا أنهم وفي غفلة من الزمان والناس، وبسبب اللين الذي تعاملت به السلطات المسؤولة معهم، نتيجة إرث قديم وثابت ومستقر يقضي بتوقيرهم وحفظ مكانتهم في المجتمع، باعتبارهم قدوة أفراده، وعاملا مهما من عوامل استقراره، استمروا في لعب هذا الدور السياسي، وأصبحوا أوصياء على الناس في هذا البلد، بل وامتدت وصاية بعضهم إلى خارجه. ‏لقد ارتكبنا خطأ فاحشا حين جعلناهم فوق جميع فئات وشرائح مواطني الدولة الآخرين، وحين جعلناهم المتحدث الوحيد باسم الجميع، وهم في كل الأحوال، ويعتريهم ما يعتري الآخرين من ضعف، ويرتكبون ما يرتكب الناس من أخطاء، إلا أنهم وبوضعيتهم تلك التي أكسبناها لهم صاروا في عصمة من المساءلة والحساب. بذلنا لهم المال الوفير بغية صرفه في المصارف التي حددها الشرع بحسبانهم الأدرى بمصارف شرع الله، ‏وسخّرنا أجهزة إعلامنا بمختلف أنواعها لهم.. يتحدثون إلينا، ويتحدثون عنا، وكأننا خرس أو بنا عاهة. باختصار: أخلينا لهم ساحة العمل العام كاملة، وتركنا لهم عقول أبنائنا يزرعون فيها ما شاؤوا، فما زرعوا فيها غير ما يوطد سلطتهم ونفوذهم، حتى صاروا عجينة لينة بين أيديهم يشكلونها كيفما شاؤوا. ‏وحين دعا داعي الجهاد ضد الخطر الشيوعي في أفغانستان وغزاها الاتحاد السوفيتي، فتحنا لهم أبواب الهجرة إليها، ليتدربوا في معسكراتها الجهادية على كل أساليب القتال، وبكل أنواع الأسلحة، تقليدها وحديثها. ‏وحين انتهت الحرب في أفغانستان بهزيمة الاتحاد السوفيتي انتشروا في الأرض تخريبا وتدميرا، قبل أن يعودوا ثانية إلى أفغانستان لقتال الأمريكان، واستطار شرهم قبل وبعد أحداث سبتمبر 2001 ، التي أعطوا بها أمريكا وحلفاءها مبررا، وللقوى الصهيونية، لتنفيذ مخططاتها احتلالا وضغطا سياسيا واقتصاديا على الشعوب العربية والإسلامية، ووجدها «شارون» ومن أتى بعده سانحة، راح تحت دخانها الكثيف والحملات السياسية والإعلامية التي صاحبتها ينفذ حلمه ومشروعه الاستئصالي للشعب الفلسطيني كله. ‏وأخيرا أعادوهم إلينا لنشر الدماء والموت والرعب، بعد أن أعادوا لهم تصنيف الناس إلى مسلمين وعلمانيين، مؤمنين وكفار، واستباحوا لهم دم الفئة الثانية، وأذنوا لهم بمحاربة الغرب وأمريكا، عن طريق قتل المدنيين من العرب والمسلمين والغربيين، وتفجير المنازل الآمنة بالسيارات المفخخة لحصد أرواح النساء والأطفال. ‏واليوم يجب أن نشيد بالجهود التي بذلتها قيادتنا الحكيمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين محمدبن سلمان بتخليص الوطن من هذا البحر السوداوي لتعود الأمور إلى نصابها لله الحمد والمنة.

مشاركة :