تابع الإعلام الألماني باهتمام تعاقد السعودية مع رائدة الكرة النسائية الألمانية مونيكا شتاب لإنشاء منتخب سعودي للسيدات. شتاب تعرف الدول العربية والخليجية بالتحديد، وتتمتع بخبرة دولية واسعة في نشر الثقافة الكروية النسائية. أرشيف: مونيكا شتاب رائدة كرة القدم النسائية في ألمانيا (أرشيف ـ 14 مايو/ أيار 2014) استعان الاتحاد السعودي لكرة القدم بخدمات نجمة الكرة النسائية الألمانية مونيكا شتاب للإشراف على برنامج كرة القدم النسائية تشمل إنشاء منتخب أول لسيدات، في سياق مساعي المملكة لتطوير هذه الرياضة. شتاب هي واحدة من أنجح مدربات كرة القدم في العالم ورائدة في كرة القدم النسائية الألمانية. مشوارها حافل بالإنجازات الدولية منها عملها منذ عام 2007 في بلدان مثل أفغانستان وغامبيا وعدد من دول الخليج العربية. فشتاب ليست غريبة تماما عن عالم الكرة السعودية، إذ أوضحت مديرة إدارة الكرة النسائية بالاتحاد السعودي لكرة القدم لمياء بهيان أن شتاب " سبق لها التعرف عن قرب على كرة القدم النسائية في المملكة، حيث اطلعت في كانون الأول/ ديسمبر 2020 خلال دورة تدريبية على الفرق النسائية، وانبهرت من عدد الفتيات اللواتي يمارسن كرة القدم"، رغم كل الحواجز الدينية والاجتماعية التي تعيق الرياضة النسائية في السعودية بشكل عام . وستقوم شتاب في مرحلة أولى بزيارات استكشافية للمدارس والأكاديميات في مختلف أنحاء المملكة بهدف رصد واختيار المهارات الكروية النسائية للمنتخب الأول ولمنتخب الفتيات الأقل من 17 عاما. وتشمل مهمة شتاب أيضا بلورة وإدارة الجوانب الفنية لمناهج التدريب وتقييمها في مراكز التكوين الإقليمية. بمعنى أن مهمة النجمة الألمانية لن تقتصر على مهمة اختيار وتدريب المنتخب النسائي الأول، وإنما يندرج عملها في مشروع أوسع يدخل في سياق سياسة الإصلاحات المجتمعية الواسعة التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خاصة فيما يتعلق بوضعية المرأة السعودية التي ألغيت عدد من القيود البائدة ضدها، مثل منعها من قيادة السيارات أو منعها من السفر إلى الخارج دون موافقة ولي أمرها. وبهذا الصدد أوضحت شتاب في حوار مع موقع "شبورت شاو" (20 أغسطس / آب 2021) للقناة التلفزيونية الألمانية الأولى: " في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، طُلب مني فجأة، عما إذا كان بإمكاني إجراء دورة تدريبية للنساء في الرياض. كان الأمر مدهشا تماما بالنسبة لي. تشبيه الأمر بالفوز بستة من أرقام يانصيب اللوتو، ربما يكون مبالغا فيه بعض الشيء، لكنني كنت سعيدًة جدًا، لأن الأبواب فُتحت حقًا لكرة القدم النسائية السعودية وأنه سُمح لي بأن أكون جزءًا من هذا المشروع ". مونيكا شتاب ـ مسار كروي رائد ومثير باختياره مونيكا شتاب (62 عاما)، يكون الاتحاد السعودي لكرة القدم قد أظهر طموحا جديا لبلورة سياسة من شأنها تأسيس كرة قدم نسائية ستمكن المملكة في الأفق المنظور من المشاركة في المنافسات الإقليمية والدولية. فشتاب اسم من العيار الثقيل، اقتحمت عالم كرة القدم النسائية في ألمانيا في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، في وقت كان ينظر فيه المجتمع الذكوري في ألمانيا باستعلاء لكرة قدم السيدات. سطع نجم شتاب مع أندية أوروبية عريقة مثل كوينز بارك رينجرز وساوثهامبتون الإنجليزيين ثم باريس سان جيرمان الفرنسي، قبل أن تقرر العودة إلى ألمانيا حيث أشرفت على الإدارة الفنية لنادي فرانكفورت النسائي، قبل توليها لرئاسة نفس النادي بين عامي 1999 و2003. واستطاعت شتاب أن تصنع لنفسها اسما لامعا في دوائر صنع القرار الكروي النساء الدولي. واشتهرت كذلك بمحاضراتها حول اللعبة في الاتحادين: الدولي (فيفا) والأوروبي (يويفا). كما اضطلعت في أكثر من مناسبة بمهمة تمثيل فيفا وألمانيا في عدد من المهام والمناسبات الدولية . المشوار الطويل لشتاب قادها للعديد من الدول العربية وخاصة الخليجية منها، حيث قامت بعمل تأسيسي رائد في البحرين، وقادت هناك مشروعا للفيفا لأول مرة عام 2007 وأنشأت هناك باكورة فريق نسائي لكرة القدم. كما عملت في قطر لمدة عام ونصف لبناء المنتخب الوطني. عملها في دول الخليج آنذاك جعلها تنبه للحظر الذي كانت تعاني منه الكرة النسائية في المملكة. وفي هذا السياق قالت شتاب لموقع "شبورت ستوديو" "حقيقة أن تكون المملكة العربية السعودية آنذاك الدولة الوحيدة في العالم التي لم يُسمح فيها رسميًا بكرة القدم النسائية، كانت بمثابة شوكة في حلقي". خبرة واسعة في خدمة مشروع تاريخي اكتسبت شتاب خبرة دولية واسعة، فخلال السنوات الـ 14 الماضية فقط، زارت ما لا يقل عن 80 دولة بهدف ترسيخ كرة القدم النسائية بتكليف من ألمانيا أو المؤسسات الدولية الرياضية. وعبرت شتاب عن سعادتها باختيار الاتحاد السعودي لكرة القدم الاعتماد على الخبرة التي اكتسبتها على مدى خمسين عامًا، وتكليفها ببناء فريق وطني للسيدات في المملكة. وستبدأ شتاب عملها بحلول شهر سبتمبر/ أيلول 2021 في مهمة تاريخية رائدة واستثنائية. وعبرت في تصريح لموقع الاتحاد الألماني لكرة القدم، أن يساهم عملها في الدفع بحقوق المرأة السعودية إلى الأمام "هي مغامرة أتطلع إليها، لا أعرف ما الذي ينتظرني بالضبط". وأضافت "إنها مهمة تاريخية، أتطلع لأن أصبح جزءا من أول منتخب كرة قدم للسيدات في تاريخ السعودية، نعمل على ذلك وسيتم إنجاز الكثير من العمل حتى يتحقق ذلك". وستعمل شتاب في البداية على التعرف على مؤسسات وآليات عمل كرة القدم النسائية السعودية الفتية. وستكون في حاجة ليس فقط لخبرتها الفنية، ولكن أيضا لقدرتها على الفهم والإقناع في مجتمع دأب على النظر باستعلاء للرياضة النسائية. "العديد من الفتيات ترغبن في لعب كرة القدم، المهمة تتمثل في إقناع الآباء بالسماح لبناتهم بممارسة كرة القدم (..). علينا تقليص الحواجز الدينية، الآباء عليهم السماح لبناتهم بالظهور في الأماكن العامة، سنحقق الكثير إذا نجحنا في هذا. من المؤسف أن مثل هذه الحواجز لازالت قائمة، سيكون هناك الكثير من العمل لكن الأمر يستحق العناء". وختمت شتاب بالقول "كرة القدم طريقة جيدة لتحريك الأمور في الاتجاه الصحيح، نريد تحقيق شيء ما للكرة النسائية ". الانطلاق من الصفر ـ الفرص والصعوبات ستنطلق مونيكا شتاب من نقطة الصفر تقريبا، وهنا تكمن تحديات وفرص المشروع الذي ستشرف عليه. ورغم تدني مستوى الكرة النسائية السعودية التي كانت مغيبة تماما، فإن كرة القدم الرجالية حققت تطورا مثيرا في السعودية وفي باقي دول الخليج خلال السنوات الماضية. فشغف السعوديين بالكرة معروف ومتجذر وقد يشكل قاعدة لبناء كرة نسائية طلائعية في المنطقة. "نريد إنشاء أكاديميات لتكوين الفتيات، ابتداء من سن الثانية عشرة تقريبًا، حتى نتمكن من تأسيس نخبة وطنية لأقل من 17 عامًا. علينا أيضًا تدريب المدربين حتى يتمكنوا في مرحلة ما من تولي زمام الأمور بأنفسهم. المدربون، وقبل كل شيء المدربات، لأن الآباء بالطبع حريصون جدًا جدًا جدًا على أن تقوم النساء بتدريب الفتيات أيضًا"، على حد تعبير شتاب . وتبدو مونيكا شتاب الشخصية المناسبة لهذه المهمة، وهي التي عايشت تحديات تأسيس كرة القدم النسائية في ألمانيا. فإلى وقت قريب لم يكن أحدا في بلاد بيكنباور ينظر بجدية إلى هذا الأمر، غير أن الاتحاد الألماني رسم خارطة طريق نفذها رغم الصعوبات والتحديات، ولم يكن الطريق مفروشا بالورود أبدا. التحول حصل بعد أن فازت سيدات ألمانيا بأول لقب أوروبي عام 1989 ثم أول لقب عالمي عام 2003. وتقول شتاب إن تلك السنوات كانت حاسمة للغاية في لبنات تأسيس كرة القدم النسائية في ألمانيا. تجربة ستكون مفيدة لها بلا شك في مشروعها السعودي. وبهذا الصدد كتب موقع DW في نسخته الألمانية (17 أغسطس) أن "الأمر يقتضي تحميس الفتيات الصغيرات للرياضة وبالتالي خلق فرص تدريب لهن بحيث يتم تلقينهن فن ومهارات اللعبة في أصغر سن ممكن ". طموح المملكة ـ برنامج شامل لبعث الكرة النسائية بلور الاتحاد السعودي لكرة القدم برنامج تطوير شامل لكرة القدم النسائية، برنامج يسعى الاتحاد لأن يشمل كامل مناطق المملكة. ويعتمد البرنامج على تشجيع الفتيات على بدء لعب كرة القدم من خلال مشاريع ومبادرات عملية من بينها على سبيل المثال لا الحصر، إطلاق دوري كرة القدم للسيدات في المملكة العام الماضي وإن كانت الفرق تلعب كل مرة بتسع لاعبات فقط، غير أن المبادرة تعكس رغبة وجدية السلطات الرياضية السعودية للقطيعة مع الماضي. البرنامج يقوم على نفس تدريجي يهدف خلال الخمس سنوات المقبلة إلى تأهيل الفتيات السعوديات وتكوينهن حتى يستطعن اقتحام المنافسات الدولية. ولهذه الغاية تم تأسيس "أكاديمية مهد الرياضية" التي أطلقها الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة في سبتمبر/ أيلول 2020، وسيكون من بين أهدافها ترسيخ ثقافة كرة القدم للسيدات خلال الأعوام المقبلة. وبهذا الصدد أكد الأمين العام للاتحاد السعودي المهندس إبراهيم القاسم في حديث نقلته وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" (23 مارس / آذار 2021)، "تشير أبحاثنا إلى أنه من بين ما يزيد على خمسة ملايين مشجع لكرة القدم في السعودية، تشكل الإناث 33 بالمئة منهم وتتزايد أعدادهن بشكل مطرد. مشجعات يستحقن اهتمامنا الكامل ". وفي حوار خصت به إذاعة "دويتشلاندفونك" الألمانية (15 أغسطس 2021) أوضحت مونيكا شتاب قائلة "على الرغم من أنه لم يُسمح في السعودية رسميًا للنساء بلعب كرة القدم حتى وقت قريب، إلا أن الكثيرات منهن كن يمارسنها خلف الأبواب المغلقة (..)، ما أقنعني أكثر هو قوة النساء هناك". هناك نساء في مناصب المسؤولية في الاتحاد السعودي لكرة القدم، غير أن شتاب واعية مع ذلك بالصعوبات التي قد تعترض طريقها: "هناك الكثير من العقبات التي يجب التغلب عليها، لكنني أعتقد أنها تعني بالدرجة الأولى ضرورة التفاني في العمل ". حسن زنيند
مشاركة :