د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري إذا كان الحكم الديمقراطي هو الحكم الذي يستند إلى الإرادة العامة للشعب، فإن أهم طرق التعبير عن هذه الإرادة هو الانتخابات العامة، فالانتخابات العامة بمشاركة جميع المواطنين أهم آليات العمل الديمقراطي، ونجاح الديمقراطية يعتمد- أساسًا- على دور المواطن، ودرجة ارتفاع وعيه في اختيار الأكفأ في خدمة الوطن، والأكثر حرصًا على المصلحة العامة، كما يعتمد أيضًا على حرصه في ممارسة حقوقه السياسية وأهمها حق الانتخاب. الديمقراطية إنما تكتسب قوتها وفعاليتها بقدر النضج السياسي للمواطن، وحرصه على حسن الاختيار، وكذلك شمول العملية الانتخابية لجميع المواطنين؛ رجالاً ونساءً، وبلا إقصاء لأي مكون وطني، لاعتبارات تتعلق بالأصل أو المعتقد أو المذهب أو الجنس، ومن هنا تأتي أهمية مشاركة المرأة القطرية في العملية الانتخابية تصويتا وترشيحًا وتمثيلاً في مجلس الشورى القطري الجديد. كان هذا مقدمة للحديث عن تجربة الانتخابات المرتقبة لأول مجلس شورى منتخب كامل السلطات تُشارك فيها المرأة القطرية على قدم المساواة مع مواطنها الرجل، تصويتًا وترشيحًا، ويتنافسان معًا للفوز بالمقعد النيابي. هذه المشاركة النسائية ليست الأولى، فقد سبق للمرأة القطرية أن خاضت أول تجربة قطرية في الانتخابات العامة للمجلس البلدي المركزي، وفازت بعضوية المجلس وأثبتت جدارتها وكفاءتها وأهليتها لشغل المقعد البلدي. لكن اليوم غير الأمس، والمقعد النيابي غير المقعد البلدي، والتنافس عليه سيكون حاميًا، وكل يطمح في الفوز بشرف تمثيل الأمة، ولا زالت القبلية في المجتمع القطري فاعلة لم تفلح عوامل التحديث من تعليم وثقافة وإعلام وتشريعات في تفكيكها، والنظرة الاجتماعية المشككة في أهلية المرأة للعمل السياسي، والعمل النيابي باقية لدى قطاعات كبيرة في المجتمع، وهناك نخبة دينية وسياسية واجتماعية لها موقف سلبي تجاه خوض المرأة المعترك الانتخابي لمبررات نفسية أو دينية أو اجتماعية يرونها.وهي كلها مواريث حية وفاعلة تؤثر في توجهات هيئة الناخبين، وقناعاتها السياسية وتشكل نظرة سلبية تجاه المرأة المرشحة. في ضوء هذه المعطيات السياسية والاجتماعية فإن المرأة المرشحة تواجه عقبات في طريقها لمجلس الشورى تجعل حظوظها بالظفر بالمقعد النيابي ضعيفة؛ إذ إن المنافسة غير عادلة، ولا يوجد أي تكافؤ للفرص بين الرجل والمرأة في سباق انتخابي يفترض فيه عدالة وتكافؤ الفرص، ومن ثم يتعذر وصول مرشحة واحدة لمجلس الشورى وذلك لا لنقص في كفاءة المرأة بل لخلل في الفرص المتكافئة. ما المخرج؟ وما الحل؟ إذا تركنا النساء للانتخابات- في ظل سباق غير متكافئ- فإنهن مظلومات، ومجتمعاتنا بتركيبتها العصبوية الحالية لن تعطي حقاً للمرأة مهما كانت مستحقة، لا أمل للمرأة في الرهان على المجتمع، والرهان إنما يكون على الدولة، فإذا كانت الدولة حريصة على تمثيل نسائي مشرف في مجلسنا القادم، وهي كذلك، فأمامها أسلوبين: أولاً: نظام الكوتا؛ وهو نظام معمول في 80 دولة بينها دول عريقة في الديمقراطية، كما إنه موصى به من قبل المنظمة الأممية، ويحظى بتأييد مواثيق حقوقية دولية، منها "سيداو"، فلا حرج في العرف الانتخابي والديمقراطي عالميًا من تخصيص مقاعد للتنافس بين المرشحات، أيهن أكفأ. ثانيًا: نظام التعيين: إذا كان هناك من يرى الكوتا أسلوبًا يخل بالديمقراطية، وهناك نساء يستنكفنه، ويرونه نوعًا من التشكيك في كفاءتهن، فلا مفر من أسلوب التعيين حلاً؛ إذ يملك سمو أمير قطر حق تعيين 15 عضواً بنص الدستور. لكن.. ما أهمية التمثيل النسائي؟ الحضور النسائي النيابي يضمن دورًا فاعلاً وعادلًا خاصة في صياغة التشريعات المتعلقة بالمرأة والطفل والأسرة، فهي الأدرى بهذه الشؤون، كما يرتقي بالعمل النيابي، ويحسن الأداء النوعي للمجلس، ويرقى بلغة الخطاب، ويلطف أجواء المساءلات والجدل والمناقشات الساخنة في مجلسنا القادم كما يهذب المسلكيات. أخيرًا.. يبقى تأكيد أن هذه التجربة الشوروية تأتي انطلاقًا من أصول قرآنية ثابتة في تقريرها قاعدة المشاورة العامة أسلوباً في الحكم، وكذلك استكمالاً للمؤسسات الدستورية للدولة، واستجابة لمتطلبات رفع كفاءة الأداء التنموي لرؤية قطر الوطنية 2030. كاتب قطري
مشاركة :