من روائع أساليب القرآن البلاغية النداء ، وهو أسلوب يعتمد على الإثارة وشد الانتباه ، وقد كثُر استخدامه في القرآن الكريم بغية تحقيق أعلى درجات التواصل بين الله – سبحانه – ومن يخاطبهم ، والنداء أسلوب اعتمده العرب في خطبهم السياسية والدينية والاجتماعية حتى عصرنا هذا ، والقرآن لا يفتأ يرسم ويختطُّ لبناء الشخصية الإسلامية ، فمثلما تحدّثَ عن صفات المؤمنين في تأملنا السابق ، نراه يُحدد طريق الإيمان ، وكيف يكون المرء فينا في معية الرحمان ليلا ونهارا ، وفي سورة الأحزاب آية 41 ينادي الله – تعالى – المؤمنين. وهذا يؤكدُ على أهمية مايشتملُ ويحتوي عليه النداء ، فنراه يقول : { يا أيها اللذين آمنوا } وهو نداء خصَّ به المؤمنين ، ثم أتبعه بأمر فقال : { اذكروا الله ذكراً كثيراً } ، والذكر الكثير من صفات المؤمن الحق الذي يتّبع نهج الله ، ويلتزم به ، والذكر مناط الأمن والاطمئنان ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد 28 ، ثم يأمره بعد الذكر الكثير بالتسبيح فيقول : { وسبحوه بكرةً وأصيلاً } ، وتشترك الآيتان في صفة واحدة وهي [ الديمومة ] على الذكر والتسبيح ، فتجعل المؤمن يلهج بذكر الله ، ويسبح باسمه ، ويذكر آلاءه صباحا ومساءا ، وهذا أمرُ يُكلف فيه الله عبده المؤمن حتى يتجانس ويتناغم مع المخلوقات الأخرى ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم ) الإسراء 44. وبالذكر والتسبيح تتجدد علاقة المرء بربه ، فيشعر بأنه موصول بالله في كل أوقاته ، مما يوّلد عنده الأمل رغم العثرات ، ويمده بالقوة في مواجهة النوائب ومصاعب الحياة ، والقرآن في هذا الأمر يُحارب الغفلة التي من شأنها أن تُضعفَ الإيمان ، وتُثبطَّ المؤمن عن السلوك إلى الصراط المستقيم ، فالمسلم في التصور الإسلامي لايكون إلا فاعلا ، نشطا يتمتعُ باليقظة الدائمة ضد الغفلة ، وبالحركة ضد السكون. ثم يبرز الخالق – جل شأنه – السبب والعلة من وراء الذكر الكثير والتسبيح ، فيقول : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } ، ما أعظم هذه المثوبة لك أيها المؤمن : إنه الله – فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة – يصلي عليك وملائكته ، أي نعيم هذا ؟؟ ولا يكتفي سبحانه بهذا ، بل يُطنب ويُسهب في بيان أثر هذه الصلاة ونتيجتها على حياة المؤمن ، فيقول : { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } ، والظلمات لفظٌ مطلق يُرادُ به الضلال والفسق والفساد ، والنور لفظٌ مطلق ويراد به الهداية والمعرفة والحكمة. ثم يتوّجُ الحديث عن المؤمنين بتأكيد صفة من صفاته العلى ، وهي الرحمة فيقول : { وكان بالمؤمنين رحيما } ، وهذه دعوة أخرى لأي مؤمن خاطيء ليفتح باب الرحمة أمامه ، فلا تيأس ، ولا تحزن ، فقط ثقْ بالله ، وتوجّه إليه بقلبك ( إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ) الشعراء 89، و هذا وعد من الخالق حقيق منا التهافت والسعي حثيثا للفوز به . قال الشاعر : إني لأثقُ بالله حتى كأنني أرى بجميل الظنَّ ما الله فاعلُ .
مشاركة :