استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على ارتفاع فوق 73 دولارا للبرميل، من جراء إعصار إيدا في ساحل خليج المكسيك الأمريكي، الذي أدى إلى تعطيل 95 في المائة من الإمدادات وإغلاق مئات المنصات البحرية، علما بأن إمدادات خليج المكسيك تشكل نحو 17 في المائة من إنتاج النفط على مستوى الولايات المتحدة. ويتأهب المنتجون في "أوبك +" لاجتماع وزاري جديد، غدا، لتقييم تطورات السوق ومراجعة أحدث بيانات العرض والطلب والمخزونات، وسط توقعات بتأجيل الزيادة الشهرية المقررة مسبقا وقدرها 400 ألف برميل يوميا بسبب استمرار معاناة الطلب من جراء الانتشار الواسع لمتغير دلتا. وقال لـ «الاقتصادية»، مختصون ومحللون نفطيون، إن "ما يقرب من 95.65 في المائة من إنتاج النفط، ونحو 93.75 في المائة من إنتاج الغاز، في خليج المكسيك، تم إغلاقه نتيجة إعصار إيدا - بحسب بيانات أمريكية - ما يعكس حجم فداحة الخسائر غير المسبوقة، لكن السوق تتطلع إلى قصر أمد الأزمة. وشدد المختصون على دور اجتماع "أوبك +"، غدا، في مناقشة التحديات المستقبلية وليس الأزمات الراهنة فقط، خاصة ما يتعلق بضعف الاستثمارات الجديدة في الصناعة نتيجة تقلبات الأسعار المتزايدة وانضباط الإنفاق الأكثر صرامة في الشركات، ما أدى إلى انخفاض أمن الإمدادات في المستقبل. ولفت المختصون إلى تقرير صادر عن معهد أكسفورد لدراسات الطاقة يؤكد فيه أن الطاقة الاحتياطية والفائضة لـ"أوبك" كان لها تأثير جيد في استقرار السوق، وتجنب الإفراط في تحركات أسعار النفط العالمية صعودا وهبوطا". وأكد روبرت شتيهرير؛ مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن قوة الإعصار كبيرة للغاية ولديها تداعيات واسعة على الإنتاج الأمريكي الذي تقلص على نحو حاد وغير مسبوق، لكن السوق تتطلع إلى عدم استمرار الأزمة لفترة طويلة، وأن تعود العمليات الإنتاجية إلى طبيعتها مع احتواء تهديدات الإعصار لأنشطة النفط والغاز في خليج المكسيك. وذكر أن الجميع يتطلع إلى نتائج الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك وحلفائها، غدا، مشيرا إلى أن تحالف "أوبك +" أصبح أكثر أهمية لمستقبل الصناعة من أي وقت مضى رغم تباين وجهات النظر داخل المجموعة، لكن هناك رغبة جماعية في الحفاظ على العمل المشترك والوحدة ومواجهة أي مخاطر للتفكك والانقسام. من جانبه، قال ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة "إنه لولا وجود تحالف "أوبك +" وحرصه على التشاور بشكل شهري وتحديد مستوى الإمدادات النفطية الملائم أولا بأول بعد مراجعة بيانات السوق لكان المنتجون قد سارعوا إلى استغلال الاحتياطيات النفطية الوفيرة وضخ صادرات نفطية إلى أقصى حد والاستفادة من أي فرصة لزيادة حصة كل منتج في السوق، لكن التزامات العمل الجماعي تحد من الرغبات الفردية التي قد تكون جامحة في بعض الأحيان". وأشار إلى أن تدخلات "أوبك +" أسهمت كثيرا في استعادة التوازن في السوق والتقليل من مخاطر تقلبات الأسعار، مبينا أن تماسك المجموعة وتشاورها المستمر والتزامها بالسياسات الهادئة والتحولات التدريجية منعت بشكل جذري حدوث صدمات في أسواق الطاقة، وهي التى وقعت بالفعل في مراحل سابقة من تاريخ الصناعة. من ناحيته، أكد ماثيو جونسون؛ المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن مجموعة "أوبك +" تدرك جيدا جميع تحديات الصناعة الحالية والمستقبلية، وهي تعمل حثيثا على ضمان أمن إمدادات النفط العالمية، ومنع اهتزاز السوق والاستعداد بشكل استباقي جيد لمرحلة تحول الطاقة، مع ثقتها الشديدة ببقاء النفط الخام كمصدر رئيس مهيمن على مزيج الطاقة العالمي لعقود مقبلة، حيث لن يفقد أبدا أهميته بالسرعة التى يتصورها أو يروج لها بعض من المنحازين بشكل غير موضوعي إلى موارد الطاقة الجديدة. وأشار إلى انشغال المجموعة جديا بتعزيز الاستثمارات الجديدة، خاصة في مشاريع المنبع التى عانت كثيرا منذ اندلاع الجائحة وقبلها في 2014 بسبب اضطراب السوق وتدهور الأسعار، لافتا إلى قناعة المجموعة الكبيرة بأهمية دعم الاستثمار وتحفيز إنتاج جديد لتأمين الإمدادات المستقبلية وتوفير الأمن في العرض على المدى الطويل. بدورها، ذكرت نايلا هنجستلر؛ مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، أن أزمة الإعصار الأمريكي أدت بالفعل إلى تعطيل نسبة مرتفعة للغاية من حجم نشاط الإنتاج والمصافي، وأشعلت الأسعار إلى مستويات عالية قبل تراجعها، معتبرة الأزمة في الأغلب مؤقتة وسيعود الإنتاج الأمريكي إلى طبيعته سريعا، بينما يتأخر نسبيا نشاط المنشآت النفطية التى تضررت مباشرة من الإعصار. وأوضحت أن تعاون "أوبك +" المتواصل منذ أربعة أعوام نجح في حماية الصناعة من صدمات كانت ستطول إمدادات النفط نتيجة الأحداث الجيوسياسية التى كان من الممكن أن يكون لها تأثير أكبر بكثير في أسعار النفط، مبينة أن هذا التحالف منع المنتجين من أن يضخوا بأقصى طاقاتهم، والحفاظ على طاقة احتياطية للاستفادة منها في فترات أزمات العرض، وملء أي فجوة بين العرض والطلب تحول دون توازن السوق. وفيما يخص الأسعار، ارتفع النفط أمس، بعد أن أجبر السلطات على وقف احترازي لإنتاج النفط في الخليج الأمريكي بسبب إعصار إيدا. وبعد 12 ساعة على وصولها إلى البر، تراجعت قوة العاصفة لتصل إلى مستوى إعصار من الدرجة الأولى. وجرى تعليق كامل إنتاج النفط البحري في خليج المكسيك تقريبا، أو ما يعادل 1.74 مليون برميل يوميا، ترقبا لقدوم العاصفة. وبحسب "رويترز"، صعد برنت 42 سنتا إلى 73.09 دولار للبرميل، بينما ارتفع الخام الأمريكي 21 سنتا إلى 68.95 دولار. وقال جيفري هالي؛ كبير محللي السوق لدى أواندا، "إعصار إيدا سيحدد اتجاه النفط في الأمد القريب جدا.. إذا اعترى الضعف "إيدا" وبات مساره التدميري أقل من المتوقع، فإن ارتفاع النفط سيفقد زخمه مؤقتا هنا". وقال فيفيك دهار؛ محلل السلع الأولية لدى بنك الكومنولث الأسترالي، "ما زال الوقت مبكرا.. المنتجات النفطية، مثل البنزين والديزل، من المرجح أن ترتفع أسعارها بوتيرة حادة بسبب توقف عمل المصافي، على الأخص إذا كانت ثمة مصاعب لإعادة المصافي وخطوط الأنابيب إلى العمل". وارتفع برنت نحو 40 في المائة منذ بداية العام الجاري بدعم من تخفيضات للإمدادات تنفذها منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء، المجموعة المعروفة باسم "أوبك +"، وتعافي بعض الطلب من الانهيار الناجم عن الجائحة في العام الماضي. وتجتمع "أوبك +"، غدا، لبحث زيادة مقررة قدرها 400 ألف برميل يوميا لإنتاجها النفطي، فيما سيمثل تخفيفا آخر لتخفيضات قياسية للإنتاج تنفذها منذ العام الماضي. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 71.48 دولار للبرميل، الجمعة الماضي، مقابل 70.75 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أمس، إن "سعر السلة التى تضم 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق سادس ارتفاع له على التوالي، كما أن السلة كسبت نحو خمسة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 66.13 دولار للبرميل".
مشاركة :