صُدم العالم بتفجير إرهابي تبنته تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) راح ضحيته أبرياء مدنيون وعسكريون. يستغرب الإنسان ما هي الدوافع لمثل هذا التفجير الإرهابي؟ وما هي القناعات التي تجعل إنسانا يفجر نفسه (قتل النفس) في أبرياء. هل هو اعتقاد ما يجيز له القتل العشوائي ليحقق هدفا سياسيا، أو شخصيا؟ أم انحراف مفاهيمي أم شعور بالإحباط واليأس من الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ أم أنه، وهذه إشكالية كبرى، الادعاء بأنه يخدم الدين بهذا التصرف اللاإنساني والإجرامي. وبما أنهم يدعون انتماءهم إلى الإسلام والعمل باسمه نتساءل كيف وصل هو وأمثاله إلى هذه الاعتقاد؟ الأعمال الإرهابية والانتحارية ليست مقتصرة على الجماعات الإسلامية فقد وُجدت على مر التاريخ جماعات متطرفة تجيز لنفسها القتل، منها مثلا الجيش الأحمر في اليابان، والتطرف النازي والفاشي في أوروبا، وحتى باسم الكنائس المسيحية والعصابات الصهيونية المتطرفة. والتاريخ الأمريكي يذكر أعمالا إرهابية منذ 1782 إلى اليوم (2700 حالة إرهابية في الفترة 1970-2017) فضلا عن الحروب غير الإنسانية التي قادتها. كما تجتاح الغرب اليوم حركات يمينية متطرفة. وفي التاريخ الإسلامي كانت هناك جماعة إرهابية مثل الحشاشين وغيرها. حدثت هذه الحالات بسبب نزاعات آيديولوجية دينية أو سياسية أو عنصرية أو لتهجير قامت بها حركات أصولية متطرفة إجرامية. لكن ما يهمنا اليوم هو واقعنا الإسلامي العربي، فهل ما يحدث من تفجيرات واغتيالات هو إفرازات المجتمعات والأنظمة السياسية والفكرية، أم نتيجة الفقر والجهل والتهميش والفساد، أم أنها إفرازات الحقب الاستعمارية وامتدادها الأمريكي التي مرت على العالم العربي الإسلامي وما تعرض له العرب والمسلمون من مهانة على يد الاستعمار؟ أيا كانت الأسباب والدوافع فعلينا كأمة أن نلتزم بعدم تبرير هذه الأعمال الإرهابية تحت أي ظرف، وأن نتحمل مسؤوليتنا نحن العرب بصفة خاصة، كوننا متضررين وأكثر المؤثرين في هذا الفكر، وإبراز التناقض بين الإسلام والإرهاب فكريا وعمليا بالبحث عن جذوره واقتلاعها من حاضرنا ومستقبلنا؟ فمن هي المؤسسات التي ستتولى المهمة؟ وكيف سنتناولها؟ لا يكفي أن نقول إن بعض ما في التراث الإسلامي يحتاج الى تنقيح لمعالجة أي سوء فهم يقود إلى هذا السلوك، فقد اثبت مسلمون احترامهم للنفس والأديان الأخرى، فهل تكون الأزمة إذن في نظامنا الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أم في تفاعل هذه الأنظمة مع مفاهيم آيديولوجية دينية معينة؟ فالتاريخ العربي تمت مراجعته، في الفترة منذ القرن التاسع عشر وسقوط الدول العربية تحت الاستعمار، في محاولة لفهم أسباب التطرف. نشطت قامات فكرية ودينية وثقافية وسياسية في هذا الجهد لكنه توقف ولم يستمر وتراجعت الأمة فكريا بسبب الصراعات ضد الاستعمار وظهور الدكتاتوريات العسكرية والحركات الإسلامية السياسية والأصوليات اليمينية الدينية وغيرها التي اسهمت إلى حد كبير في انتشار الفكر المتطرف وتراجع النقد وحرية الكلمة، ولم تتمكن الأمة من بحث أسباب التخلف العلمي والفقر والجهل. حاولت هذه الجهات فهم تقدم الغرب وعَزَتْه بعض الأدبيات إلى ثلاثة أسباب؛ أولها العلم وثانيا تنظيم المجتمع على أسس ديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وثالثا الثورة الصناعية والرفاه المادي. تقول الأدبيات إن ردة فعل العرب في تلك المرحلة انقسمت إلى ثلاثة مواقف: أولا التقوقع والمحافظة خوفا من القيم الجديدة في تنظيم المجتمع، ورضا عن النفس وانتشار منطق التآمر؛ ثانيا الإصلاح والسلفية الجديدة التي حاولت البحث عن أسباب التخلف واقتنعوا بأن الغرب تقدم بسبب تمسكه بقيم ومقتضيات الإسلام وابتعاد المسلمين عنها، والدعوة إلى العودة إلى منابع الدين (السلف الصالح)، لكن لم يجرؤ أحد على النظر في المسلمات التي أفرزتها ظروف المسلمين وصراعاتهم، واعتقدت أنها تستطيع الإصلاح بمجرد الوصول إلى الحكم. الموقف الثالث هو الانبهار بالغرب والارتماء في أحضانه من دون تمييز والتنكر للمقومات الذاتية وتمسك بعضهم بالتدين الشكلي. الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذه المواقف في نظرهم فشل البلدان الإسلامية والعربية في مجاراة الانتقال البنيوي الذي حصل في المجتمعات الصناعية وتأثيرها على عقلنة السلوك والتفكير المنطقي العلمي ونظام المجتمع المتحرك. استمر العرب والمسلمون يحاولون اللحاق بالغرب المتقدم مما ولد شعورا بالكراهية والإحباط واليأس. فهل الإرهاب هو نتيجة هذا الشعور والإحباط أم أنه انتقام من الغرب الذي أسهم في تأخر تقدمهم؟ السبب الثاني هو الفصل بين منتجات الحداثة التي نسعى إلى الحصول عليها وبين الشروط الموضوعية التي أنتجتها من صراع مع هيكل المجتمع القديم من هيمنة الإقطاع والكنيسة، وحل محله الانتماء الوطني في الدولة الحديثة والمساواة أمام القانون. لم يتمكن العالم العربي الإسلامي من تبني ما تمليه قواعد المجتمع الجديد وقيمة الفرد فيه وكفاءته العقلية؛ السبب الثالث هو عدم مواكبة نظام التعليم للتغيرات التي فرضتها الحداثة معتبرين أنها قيم غربية لا تناسب خصوصيتنا العربية الإسلامية. هكذا استمر العالم العربي الإسلامي في استعادة حلول الماضي والاعتماد على الحفظ وسلطته من دون اعتبار كاف للحس النقدي والتفكير الحر والمغامرة في اكتشاف المجهول علميا وتجريبيا. من الطبيعي في هذه الحالة أن تسود العقلية الإقصائية الأحادية، ورفض الاختلاف والتعددية، وما ينتجه من تطرف وعنف. قد نتفق أو نختلف مع ما جاء في الأدبيات من تحليل، لكن المؤكد أننا بحاجة إلى استمرار النقاش وعدم الجمود أو التوقف عن المراجعة والتفكير في مسيرتنا ومعالجة جذور الإخفاقات والإحباط وما نتج عنه من تعصب أو توجهات إرهابية، وهذه مسؤوليتنا تجاه أوطاننا وعروبتنا وديننا. drmekuwaiti@gmail.com
مشاركة :