مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل 2021، وانطلاق الحملات بطريقة غير رسمية، تعهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، خلال زيارة لمرسيليا، خصوصا إلى الأحياء الشمالية الفقيرة، بتخصيص الملايين لمواجهة الجريمة والمشاكل الاجتماعية في هذه المدينة الجنوبية المهملة، التي تشهد حروب عصابات مميتة. ووصل ماكرون، مساء أمس الأول، إلى مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في فرنسا برفقة و8 وزراء، وسيختتم الزيارة اليوم بعد استعراضه خطة تتضمن استثمار مئات الملايين من اليورو في قطاعات المدارس والتنمية الحضرية والأمن. واعترف مساعد للرئيس، أمس الأول، بأن مرسيليا «مدينة تبعث عدداً من إشارات التحذير»، في حين أن ماكرون مدرك أن منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبن ستقوم بحملة السنة المقبلة على أساس برنامج عمل يتمحور حول القانون والنظام. ووصفت أحزاب المعارضة زيارة ماكرون، بأنها «استراتيجية اتصال انتهازية»، لاسيما أنها جاءت قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية. وأعرب ميشال بارنييه المرشح للانتخابات الرئاسية التمهيدية عن حزب «الجمهوريين» (يمين محافظ) عن أسفه، لأن «السلطة الحالية لم تتخذ تدابير استعجالية للحد من تنامي انعدام الأمن، ليس فقط في مرسيليا بل في باقي المدن والمحافظات». كما ندد رئيس حزب «فرنسا المتمردة» (يسار متطرف) جان لوك ميلانشون النائب عن المنطقة والمرشح المعلن منذ الآن للانتخابات الرئاسية، بـ«جولة وعود» يقوم بها الرئيس الذي «يخوض حملة انتخابية»، مؤكداً أنه «لن يتم إنفاق يورو واحد من هذه الوعود قبل الانتخابات». ورأى المدير العام لمعهد «إيفوب» لاستطلاعات الرأي فريديريك دابي أن «هذا أمر اعتيادي بامتياز: رئيس نعرف أنه سيترشح لولاية جديدة يخوض حملته من دون الإقرار بالأمر». وتعتبر هذه الزيارة الأطول التي يخصصها ماكرون لمدينة واحدة، وتندرج أيضاً في سياق انتخابات الربيع المقبل الرئاسية التي سيخوضها حتما، ولو أنه ينفي قطعاً أن يكون باشر حملة انتخابية، مؤكدا ردا على سؤال في مرسيليا: «لا أبداً، ليس هذا هو الموضوع». ورغم ذلك، عنونت صحيفة «لوفيغارو» اليمينية «في مرسيليا، ماكرون يختبر حملته الانتخابية»، في حين اعتبرت «لو باريزيان» أن «المعركة من أجل الإليزيه انتقلت فعليا إلى مرسيليا». صحيفة «لا بروفانس» كتبت بدورها، «قبل 8 أشهر من الانتخابات الرئاسية، قد نجد أن من الفطنة والمناسب إن نظرنا إلى الأمور عن مسافة، قيام رئيس من شبه المؤكد أنه سيكون مرشحا لخلافة نفسه بهذه الزيارة». وصرح عامل اجتماعي يبلغ من العمر 63 عاماً قبل وصول ماكرون إلى منطقة باسنس، «نحن خائفون في هذه المنطقة» مضيفاً: «حين أعود من العمل مساء عند الساعة العاشرة، يكون المكان مهجورا، وأحيانا تسمع إطلاق نار كأنه فيلم عن الغرب الأميركي». الأحياء الشمالية غير مرتبطة بشبكة نقل عامة جيدة مع وسط المدينة أو المناطق الثرية في الجنوب، وهي مركز تجارة المخدرات في المدينة التي تزدهر بسبب دور مرسيليا كميناء رئيسي على المتوسط. ولقي شخصان مصرعهما هناك في نهاية الأسبوع الماضي في إطلاق نار آخر من سيارة، فيما قتل في الأسبوع السابق ولد يبلغ من العمر 14 عاما في إطلاق نار بسلاح رشاش قرب إحدى الأماكن التي تباع فيها الماريغوانا والكوكايين ومخدرات أخرى بشكل علني. وقال أحد السكان المحليين في مجمع لي روزييه السكني هذا الأسبوع «لا أحد يهتم بما يحصل هنا»، مضيفاً: «لدي شعور بأنهم (السياسيون) يقولون فلندع هؤلاء الفقراء والأجانب يقتلون بعضهم البعض هناك». ويأتي إعلان ماكرون عن ضح الاستثمارات في مرسيليا، بعد غضب من جانب الساسة والسكان، الذين نظموا مسيرات في الشوارع لإحياء ذكرى الذين قتلوا في حروب المخدرات. وقام حشد من المواطنين في واحدة من ضواحي المدينة بتحية ماكرون، في المقابل، استقبل البعض ماكرون بهتافات ناقمة على سياسته وقراراته، خصوصا الصحية منها بعد انتشار السلالات المتحورة من «كورونا» في البلاد. ونشر ناشطون عبر «تويتر» فيديوهات لسكان وهم يهتفون «ماكرون استقيل» للتعبير عن رفضهم لزيارته. وزار الرئيس مركز شرطة، وتعهد زيادة عدد رجال الشرطة خلال العامين الجاري والمقبل. ووجه ماكرون، أمس، تحية للأستاذ سامويل باتي، الذي قُتل بقطع رأسه في أكتوبر 2020 بعد عرضه رسوما كاريكاتورية مسيئة للاسلام على تلاميذه، في يوم بدء العام الدراسي في فرنسا.
مشاركة :