كتب د.عبدالله بن سليمان القفاري كتاباً في 415 صفحة خلاف الملاحق 44 صفحة. الكثير مما سطره في كتابه من الأطياف الشاردة،كان دفقاً دافعاً للسير في ركب الحياة العملية والشخصية بما لها وعليها. كان الدافع لكتابة كتابه كما قال في المقدمة (عندما بلغت الستين من العمر، وجدت وأنا أراقب شريط الحياة، وحوادث الأيام وتقلبات الزمن. إن ثمة فرصة لتدوين شيء ما، لعله يكون عنواناً للحياة، قبل أن تضعف الذاكرة أو تتراجع الهمة أو تذبل المعاني، كان يتمنى أن يقنع أناساً مروا في ذاكرته، كانت لهم أدوار أن يسجلوا مذكراتهم. الرجل متخصص في الفيزياء، محاضراً وأستاذاً ثم باحثاً تقنياً جاداً مجداً في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. كان مهووساً بالعلم الطبيعي والبحث عن مستجدات تثري البحث العلمي. عمل عمراً غير قصير جاهداً لترسيخ علم الفيزياء ليكون في متناول الناس، لكن واقع الحال لا يسند ما سعى إليه، لأن ما يجري في معامل المختبرات، هو علم يعنى به الأكاديميون وما ينتج من نتائج هي أيضاً من اهتمامات الدارسين والمعلمين داخل المعاهد والمدارس. سافر لبلدان كثيرة من أجل إيجاد روابط وترابط وارتباط، وكتب أبحاثاً وأوراقاً علمية، لكنه وجد أن منهجه الفكري يستدعي النظر في العلوم الاجتماعية والفكر الإنساني، ذاكراً ومستذكراً أطياف أناس مروا في ذاكرته، من معلمين وزملاء ورفاق وأصدقاء جلهم في مراتع صباه في حفر الباطن والدمام والرياض. تعرفت عليه في مجلس أخي البروفيسور مرزوق بن صنيتان بن تنباك الأسبوعي في الرياض. أبو راشد بن تنباك زميل دفعة من جامعة الرياض وهو من هو في قيم وقمم العطاء الفكري والوطنية الصادقة. كانت تعليقات وتعقيبات القفاري تتسم بالعمق والرزانة والبعد عن الشخصنة. أنا مدين بالاعتذار من القفاري أنني لم اقرأ كتبه، هو ربما هو مدين بالاعتذار لنخبة مجلس ابن تنباك فلم يذكر أي من كتبه، رغم أن ابن تنباك يعرض في طرف مجلسه المخصص لصلاة العشاء ما يصل إليه من كتب ومؤلفات. أثنى القفاري على رموز ثقافية فكرية في بلادنا وفي العالم العربي، وخص الراحل الدكتور راشد المبارك وعبدالله القصيمي وعبدالعزيز الربيعي رحمهم الله بذكر ما كان لهم من أدوار في التنوير وإثارة ثرة في الفكر العربي. وأثنى على رفاق خلص رحلوا إلى ربهم، ونشر أشعاراً جميلة في بحورها ورويها ومعانيها، لكن بسبب الضمير المنفصل ربما تاه على المتابع أن يعرف أهو الشاعر أم الراحلون. لا أعلم لم كتب العزيز القفاري بضمير المستتر؛ متجنباً ضمير الأنا، هو يكتب: وكتب مقالاً، كتاباً، حاور ؟؟ وهذا يشبه ما يقول به بعض أهلنا في السودان: هو الشخص ذات نفسه! وجدت أن أبا مروان - القفاري- فيما سطر عن قراءاته شبيه بما كان من رفات عقل لحمزة شحاته رحمه الله أو خواطر مصرحة لمحمد حسن عواد رحمه الله. لكني لم أجد أنه قد ذكر أحداً منهما في مسار قراءاته، فهل كان الرجل منحصراً في وسط وشرق الوطن أم أن علم نظم المعلومات الجغرافيا لم يكن ذا صلة بالفيزياء. قال عن نفسه (أصبح من مرتادي الندوات الثقافية في مدينة الرياض، لكنه يحمل روح المثقف لا وظيفة الكاتب ولذا غادر جمعية كتاب الرأي لأنها لم تكن فاعلة ولا مؤثرة). كل هذا كما قال عن نفسه (تحمل طبيعته الشخصية، نزعة فردية لا انقيادية). ثم ماذا بعد؟ قال عن نفسه (تراكمت التجربة عن نسق يحاول إلا يسكن للسائد من القول، دون فحص أو محاكمة). كتب أبا مروان عن العقيلات النجديين، وتجاربهم وتجاراتها بالإبل لبلدان الشام ومصر، وربما لم يحط خبراً بالعقيلات من الحجاز والجنوب الذين كانت لهم رحلات ومتاجرات مع السودان ومصر. الرجل تحدث عن الأكراد الذين زار مصايفهم في سوريا وأكل معهم وتسامر معهم لكن لا أعلم هل كتب عما يلاقيه الأكراد من عنت رغم كونهم من مكونات المجتمع في سوريا والعراق وإيران. لقد ناضل الرجل كثيراً ليكون كاتباً لم تقبل به بعض الصحف لكنها في النهاية طلبت أن يكون كاتباً مستديماً لديها فاثراها بما كتب وهنا كما قال الشاعر الأنيق محمد جبر الحربي: حاربت بالحب حتى عاد الحب منتصراً. شكراً أخي وصديقي القفاري الذي كان سمحاً وأكثر تسامحاً.
مشاركة :