سادن المعالي إلى الرفيق الأعلى

  • 10/23/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كما هم العظماء في سكون وتُؤدَة وجلال وطمأنينة غادرنا يوم الخميس الماضي ليلة الجمعة الأستاذ الدكتور علي بن عبدالعزيز آلعبدالقادر أحد الرموز الأكاديمية والثقافية والاجتماعية لهذا الوطن وهو الأستاذ والمربي الذي مر من تحت مظلته مجموعة كبيرة من الوزراء والقادة في السلكين العسكري والمدني وكبار المسؤولين، ونحن عندما نسلِّمُ بما عند الله وأن الموت هو نهاية كل كائن حي إلا أن الرجال من طراز ابي عبدالعزير، يجبرون المستقرئ لسيرهم العطرة على الوقوف وقفة إجلال وهيبة تسربلها مشاعر الحب والرحمة والحنين الذي يأسرني في فقده كما هو حال أبنائه الكرام ورجال الأسرة والمجتمع السعودي والعالمي قاطبة. والفقيد كما أحاول مجتهداً أن أستوفي جزءاً من مفردات وصفه إلا ان من استشعر الدكتور علي رحمه الله في منزله وفي مجتمعه وفي عالمه الكبير يعلم ان الكلمات تطأطئ رؤوسها أمام أمثاله من الرجال الذين فطرهم الله على جمال المحيا وجاذبية الروح والقدرة على الإمساك بمقاليد القلوب قبل الرجال، ولا غرو فهو من بيت بني النجار من الخزرج وجده وجد الأسرة الشيخ علي بن محمد بن أحمد قد قدم لأرض الأحساء الطيبة من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم في مطلع القرن العاشر الهجري، وقد ولد رحمه الله العام ١٣٥٩ هجرية (١٩٤٠م) وقد صقلته الحياة في مدارسها فأكمل دراسته الابتدائية سنة ١٣٧٤ هجرية واشتغل بمهنة التعليم في سن مبكرة جداً وهو ابن الخامسة عشرة في مدرسة الرفعة بمدينة الهفوف ثم حصل على شهادة تدريب المعلمين عام ١٣٧٥ هجرية ثم عمل وكيلاً لنفس المدرسة وبعدها عين مشرفاً على المكتبات المدرسية بالأحساء سنة ١٣٨١ إلى ١٣٨٢ هجرية وحصل بعدها على دبلوم في علوم المكتبات من بيروت في نفس العام وانتقل بعدها أميناً لمكتبة جامعة الملك سعود (الرياض آنذاك) من سنة ١٣٨٢ حتى العام ١٣٨٤ هجرية ومن محطات حياته الرئيسية التي يذكرها الأحسائيون فترة عمله بثانوية الهفوف، وهي أهم مؤسسة تعليمية في منطقة الأحساء آنذاك، كان وكيلاً لها ثم مديراً (١٣٨٨- ١٣٩٢ هجرية) وهي الفترة التي ارتقى فيها بحنكته التعليمية بهذه المؤسسة التعليمية ما أهلها لتخريج مجموعة من أهم رجالات المنطقة. لقد عرف عنه رحمه الله في ريعان شبابه حميته على أحسائه ما جعله يخطب خطبته الشهيرة في العام ١٣٨٤ هجرية أمام شهيد الأمة الملك فيصل بن عبدالعزيز غفر الله له في بعض مطالب الأحساء وعاود الكرة في العام ١٣٨٥ هجرية في الطائف، وفي العام ١٣٩٢ هجرية غادر للولايات المتحدة الأمريكية للدراسات العليا حيث حصل على درجة الماجستير في الادارة التربوية من جامعة كانساس ثم حصل على درجة الدكتوراة في إدارة الجامعات من نفس الجامعة في العام ١٣٩٧ هجرية حيث عين بعدها أستاذاً بجامعة الملك فيصل وكلف بعدة مناصب إدارية مع عمله كأستاذ ومشرف على عدة رسائل ماجستير ودكتوراة فضلاً عن ما كلف به لزيارة عدد من الجامعات العربية والأجنبية، وقد كان خلال فترات قيامه بهذه المسؤليات مثالاً للأستاذ ذي الفضل والخلق الرفيع. أتذكر في طفولتي في بداية تكوين جامعة الملك فيصل وعندما كان عميداً لشؤون المكتبات كان والدي يحفظه الله مكلفاً بأحد مشاريع الجامعة حين زرنا المغفور له بإذن الله في مكتبه ولا أزال أذكر كلمته لوالدي حين قال: إن ابنك هذا تشع من عينيه علامات النجابة القادرية، وكان هذا من حسن ظنه بي رحمه الله رحمة واسعة وقد امتدت أياديه البيضاء لي حين شرفني في مؤتمرات ملك الأعضاء كضيف شرف ورئيس لبعض الجلسات العلمية في مؤتمري العام ٢٠٠٨ و٢٠١٠ ميلادية، وكان من فيض فضله أن كتب في شخصي الضعيف أكثر من مقال وكان ذاك من جماليات روحه الطيبة التي أشعت الحب والجمال وحسن الخلق وبالأخص على أسرة آل عبدالقادر ومواقفه في مواطن الشرف في صلة رحم أبناء الأسرة وكلماته الضافية في بيانه الساحر المعهود أكثر من أن تعد، وقد تميز بحسن إلقاء وفن بديع في اصطياد الاستشهاد من الشعر والحكمة والحديث الشريف والذكر الحكيم ما جعل الجميع ينتظر كلمة الدكتور علي، ورغم اشتداد وطأة المرض والألم عليه رحمه الله إلا أنه وقبل ما يقارب من العام قد أُتي به بكرسي عجل إلى اجتماع الأسرة وألقى من البيان ما ألقى مما أبهر الجميع وأبكى البعض. مخزون الحكمة لدى الرجل موثق في أكثر من ١٥٠٠ مقالة كتبها لهذه الجريدة الغراء والتي كان يحبها وتحبه وكذلك في صحف الرياض وعكاظ ومجلات القافلة والفيصل واليمامة وغيرها وله عدة بحوث وقد أصدر العام ١٤٢٥ هجرية كتابه (المرأة الإرادة والتحدي- نموذج المرأة في المملكة العربية السعودية، دراسة في التاريخ الاجتماعي) وأصدر قبل عامين آخر إنتاجه الأدبي (من أجلك يا وطني)، ونحن حين نعزي أنفسنا في فقيدنا العظيم لنجد عزاءً في ذريته المباركة فهذا الكابتن الطيار عبدالعزيز أحد كبار مسؤولي الطيران في شركة أرامكو وذاك العميد عماد الذي كان آخر مناصبه ملحقاً عسكرياً للمملكة في فرنسا وهناك هشام أحد كبار موظفي شركة أرامكو وقد تقلد عددا من المناصب القيادية للشركة في المملكة والولايات المتحدة وبريطانيا، وأخيراً وليس بآخِر المربي الكريم الأستاذ هاني الذي رزقه المولى من طلاقة الوجه ما يُرِي إرث أجداده ولا ننسى كريمتيه المصونتين هيام وعبير، والله نشهد ونحن شهداؤه على خلقه، أننا عنك يا دكتور علي لراضون فقد عشت سادناً للمعالي وراعياً للخلق الرفيع وأنموذجاً حياً لكمال الرجال ورجال الكمال، ومرتادو مجلسك كل جمعة الذي كانت تحفه الهيبة ويعلوه الجلال يذرفون الدمعة الحارقة لفراقك ويقولون بصوت شاعر مجلسك الأستاذ ياسين المدني: يا من يرى في الضمير ويسمع رحل الحبيب وفاض منا المدمع أما ما أقوله لك أيها الكبير في كل شيء فإني لفراقك لمحزون ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا فهو عند ظننا به سبحانه، لنا ولك، يا سادن المعالي وكبير الرجال.

مشاركة :