يزداد دفاع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن اختياره الانسحاب من أفغانستان حماسا في كل خطاب يلقيه. كل يوم يمر ربما يؤكد إنه ربما كان قرارا سيئا تم بتنفيذ أسوأ، ومع ذلك يرفض الرئيس التراجع موقفه. لقد اتخذ القرار، وسواء كان للأفضل أم للأسوأ، يتعين على بقيتنا أن نعيش مع التداعيات. وذكر الباحث وعالم الاقتصاد والسياسة الهندي ميهير شارما في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أنه بينما تعرض بايدن لضربة قوية في استطلاعات الرأي، من المرجح أنه سيخرج أقوى من هذه اللحظة. ليس لأن الانسحاب قد عزز سمعته بالنسبة للكفاءة أو الحكم السليم، لأنها لا تنطوي على ذلك. ولكن لأنه يبدو أن بايدن أنه اكتشف الصيغة الوحيدة التي تحمي القادة المعتدلين في عصر شعبوي وهي: الحسم. وعبر المحيط الأطلسي، ستتقاعد أطول زعماء العالم المعتدلين حكما خلال الشهر الجاري. فقد قادت المستشارة أنجيلا ميركل ألمانيا وأوروبا لمدة 16 عاما، ومن السهل التفكير في الكيميائية السابقة على أنها شخصية حريصة ومن التكنوقراط. بالتأكيد نجحت ميركل في مهمتها، فهل كان ذلك بسبب حكمتها؟ ربما لا. لقد كان الأمر الذي ميز ميركل حقا عن معظم أقرانها هو استعدادها لاتخاذ قرارات خطيرة وإجبار الآخرين على الالتزام بها. وخلال أزمة منطقة اليورو، أكدت ميركل أن دول شمال أوروبا لن تحمي الجنوب المبذر، وخلال تفشي وباء فيروس كورونا، اختارت المسار المعاكس. وقررت ميركل فتح حدود ألمانيا أمام مئات الآلاف من اللاجئين عام 2015، وحتى عندما أتضح أن هذا القرار كان من الصعب إدارته ولا يحظى بالقبول سياسيا، رفضت التراجع عن قرارها. وأعلنت في وقت لاحق "لقد اتخذت قراراي بناء على ما أعتقدت أنه هو الصواب من وجهة نظر سياسية وإنسانية.. سوف أتخذ كل القرارات المهمة التي اتخذتها عام 2015 مجددا بنفس الطريقة". وكانت ميركل قد اتخذت قرارا بعد حادث فوكوشيما النووي في اليابان عام 2011 بوقف الاعتماد على الطاقة النووية في ألمانيا. وغيرت هذه الخطوة السياسة التي ركز عليها حزبها للفوز بالانتخابات، وكانت أمرا كارثيا بالنسبة للمناخ، وفي الأعوام التي تلت إغلاق المحطات النووية التي كانت تزود ألمانيا بربع حاجتها من الكهرباء، ازداد اعتماد البلاد على الفحم. وحتى اليوم، لا تعتزم ألمانيا إغلاق آخر محطات الطاقة التي تعمل بالفحم قبل عام 2038. ولإدراك مدى سوء تداعيات هذا القرار، تجدر الإشارة إلى أن فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب المحب للفحم شهدت إغلاق الولايات المتحدة محطات الفحم بسرعة تبلغ الضعف مقارنة بألمانيا خلال فترة حكم ميركل "مستشارة المناخ". ومع ذلك فهي لا تشعر بأي ندم: وقد أعلنت ميركل في مؤتمر صحفي في يوليو، "لازلت أعتقد، على المدى الطويل، أن الطاقة النووية ليست شكلا مستداما لإنتاج الطاقة". حتى أنها أكدت أن من يخلفها لن يستطيع تغيير قرارها، قائلة "بالنسبة لألمانيا ، قضي الأمر، ولا يمكن التراجع عنه". واعتبر شارما أنه سواء كانت قرارات ميركل صحيحة أو خاطئة، هذا غير مهم (فبالنسبة لمن يركز في النتيجة، كان قرارها صحيحا بشأن خطط الإنقاذ المالي، لكن قرارها بشأن الطاقة النووية كان خاطئا، وكان قرارها صحيحا بشأن اللاجئين). ولا يهم حتى إذا كانت تلك القرارات تحظى بقبول الناخبين. (فقد كان إغلاق المحطات النووية يحظى بقبول الناخبين، في حين لم يكن الترحيب باللاجئين كذلك). الأمر المهم هو أن المواطنين يعرفون أنه عندما يكون الأمر مهما، كانت ميركل قادرة على اتخاذ قرار صعب ومثير للجدل. لقد اعترف المواطنون الألمان أن خيارات ميركل ربما كانت غير مقبولة وربما لم تكن حكيمة. لكنها كانت قراراتها- وعلى الأقل كانت مستشارتهم تفعل شيئا. لقد طور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شيئا ما من هذه القوة في نهاية فترته، أثناء مقاومته للاعتراضات على الالزام بتلقي اللقاح. وربما لهذا السبب لا تزال لديه فرصة لإعادة انتخابه. وتابع شارما قائلا إن القادة الشعبويين يقدمون لأتباعهم بشكل مستمر تصريحات بسيطة وشكلية بشأن السياسة والتي قد لا تصنع أبدا اختلافا في العالم الحقيقي. إنهم يجعلون الأمر يبدو كما لو كانوا يصدرون باستمرار قرارات تعبر عن إرادة قوية، حتى عندما يكون كل ما يفعلونه هو لعب الجولف أو التقاط الصور. واختتم شارما تقريره بالقول إن بايدن وميركل شخصان مختلفان للغاية. لكن من المحتمل أن ينجو بايدن من كارثته في أفغانستان لنفس السبب الذي جعل ميركل تظل في السلطة لفترة طويلة: على الأقل إنها كارثته... لقد اكتشف بايدن نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما سره في النجاح وهو "اتخذ قرارات حاسمة والتزم بتنفيذها، حتى لو كانت غبية".
مشاركة :