الجمعة الثالث من أيلول لم يكن يوما عاديا لمجموعة من كتّاب وأدباء الأردن، فقد نظمت إدارة هايكو الأردن ( نادي شعراء الطبيعة الأردني ) رحلة مغامرة الى شلالات وادي راجب/ عجلون، شارك فيها أدباء من هيئات ثقافية على اعلى المستويات.. مع إشراقة الشمس كانت شوارع عمّان تصحو متثائبة على خطوات من جمعهم الحرف وألّفت الكلمة بين قلوبهم.. ركلنا سنين العمر وراءنا وانطلقنا في باص المدرسة نغني مع فيروز “طيري يا طيارة طيري”.. شوارع عمان هادئة، غير مزدحمة، نتأملها: حضارة اليوم وعراقة الأمس.. ما أجملك مدينتي وانت تخلعين عنك ضجيج المدن، وترتدين هدوء الريف وطهره.. نسابق الشوارع؛ يشدّنا الفضول للوصول، نغادر عمّان الحبّ وجرش العراقة.. و.. عبر طريق طويل ضيق يتلوى نقترب من وجهتنا.. متنزّه راجب للعائلات؛ جلسات عائلية وسط طبيعة مدهشة حيث الجبل والشجر والماء الجاري والنوافير التي تتدفق مرحّبة.. استقبلنا قائد المكان السيد ابو احمد عامر فريحات وفريقه الرائع مرحّبين، ودعونا إلى تناول الإفطار على عجل، فكل دقيقة مهمة… كان إفطارا شهيا من خيرات المنطقة: لبن ولبنة وقشطة، زيت وزعتر وزيتون ومربيات.. اكلنا بشهية وحمدنا الله وعلى بركته بدانا المسير.. الدهشة تفتح عينيها منذ الخطوات الأولى، سحر الطبيعة يعلن تحدّيه لشعرائها، الخوف، الفضول، الثقة، الضعف، القسوة، الألفة.. كل شيء هنا يعلن حضوره بطريقته.. لم يكن عبور الجبل عبر ممرات صخرية ضيقة تحف الوادي سهلا، لكنه كان آمنا برفقة مشرفين مؤهلين.. وتستمرّ ساعات مسيرنا: حقّا هنا تسكن الدهشة؛ كل شيء مختلف؛ الشجر، الحجر، الشمس، الظلال، الألوان.. كل الأشياء تتكامل لتبهرنا.. وادي الراجب محبرة تملأ أقلام شعراء الطبيعة بالقصائد.. ونصل نقطة الإنزالات الجبلية؛ أنظر الى الوادي البعيد البعيد في الاسفل، يقفز الكابتن مشدودا بحبل ليصل الوادي.. يا لها من مغامرة ممتعة، لنجربها.. تهمس صديقتي: “جربي وحدك، العمر مش بعزقة”.. كانت لحظات محفوفة بالإثارة؛ مدهش ان تكون معلقا بين الارض والسماء كصلاة مربوطة بشرط.. بين الأرض والسماء أشعر ان جاذبيتي تفوق نيوتن وقوانينه، أقترب من نافذة صفي المدرسي ليختلط صوت مدرسة الفيزياء تتحدث عن السقوط الحرّ بصوت المشرف الذي يطلب مني ان اترك الحبل فأستجيب فورا.. أضع قدمي على الارض، وأتأمل ارتفاع الجبل.. وألتقي بباقي أفراد المجموعة عند نبع الماء الزلال، حيث تشكلت بركة متفاوتة الارتفاعات.. ما اجمل أدبائنا يمارسون طفولتهم فيتراشقون بالماء ويشربون من النبع الصافي البااارد، ويتسلقون الصخور برشاقة.. من هذا الرحم تولد القصائد.. نواصل المسير عبر ممر مائي صغير، ثم نصعد ممرا حجريا لنجد انفسنا امام مشاهد تفوق الخيال جمالا وروعة حتى كدنا ننسى الحافة التي نسير عليها.. نتابع.. لنصل الوادي حيث الشلال المتدفق من أعلى الجبل، نجلس لنأخذ استراحة من تعب لم نشعر به ونداوي بعض كدمات لا ندري متى اتت.. لكوب الشاي على الحطب طعم مختلف، ولمياه الشلال الباردة تلفح الوجوه والاجساد فعل السحر؛ المتعة لا توصف.. ونتابع مسيرنا لشلال ثالث ورابع.. وعبر مسير قصير تتخلله المياه مرة والحجارة مرات، واشجار الليمون، وشجيرات التوت البرّي، نجد أنفسنا نقترب من استراحتنا الأولى.. يااااه، أكثر من اربع ساعات من السير تستحق وجبة مميزة.. الطعام هنا لذيذ ومميز والتكرار مسموح.. نأكل بشهية لتنطلق موسيقي واغنيات وطنية تجمع الشباب في وصلات من الدبكة والرقصات الشعبية.. وفي ركن هادئ يطل على مجرى مياه في الاسفل وجبال ساحرة في الأعلى يلتقي شعراؤنا في أمسية شعرية ممتعة بدأها عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب الأردنيين د. مهدي العلمي بقراءة مميزة، تلته الشاعرة المبدعة منتهى السوداني عضو الهيئة الإدارية لنادي شعراء الطبيعة الأردني بقصائد هايكو مدهشة كما اعتدنا منها، ثم قرأت الشاعرة منى طه/ عضو رابطة الكتاب الاردنيين، ونادي شعراء الطبيعة الأردني، قصيدة نثرية مميزة، وكان مسك الختام قصائد في الهايكو للرائعة رئيس نادي شعراء الطبيعة الأردني د. فاتن انور… و.. وقبل المغادرة اتفقنا على نشاطات كثيرة بالتعاون مع اتحاد الكتاب ممثلا بالدكتور مهدي العلمي، ومجموعة فكرة وعبرة ممثلة بالأستاذ حسين ابو نبعة.. وكما لكل شيء نهاية كان لا بد من مغادرة المكان الذي ملأ جيوبنا همسات وقصائد وذكريات جميلة.. وفي درب العودة، كانت أمسية طربية رائعة جمعت عصورا من الطرب فمن عصر العمالقة طربنا لعيون قلب نجاة الصغيرة وجواب عبد الحليم الى ميادة الحناوي وكاظم الساهر، ثم صفق الجميع وغنوا مع نجوى كرم “كل العمر ع حسابك”.. ومع الشابة الواعدة نوره جرار غنينا بحماس انا بتونس بيك، واستمعنا لها في رائعتها: “عطشانة للحب”.. فكانت ختام مغامرتنا التي استمتعت بها إلى أقصى حدّ لكني لن أفكر ابدا بتكرارها.. 23
مشاركة :