'تفاحة الضوء' مختارات بانورامية من مسيرة الشاعر علي جعفر العلاق الإبداعية

  • 9/6/2021
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

عمّان   - يقدم علي جعفر العلاق في ديوانه "تفاحة الضوء" مجموعة مختارة من القصائد والمقطوعات التي تمثل مجمل مسيرته الإبداعية في عالم الشعر، تلك المسيرة التي بدأت منذ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وضمَّنها إصداره الأول "لا شيء يحدث.. لا أحد يجيء"، الصادر عام 1973، وصولا إلى قصائد ديوانه "فراشات لتبديد الوحشة" الصادر عام 2021. وتخللت تلك الأعوام الطويلة مجموعة كبيرة من الإصدارات، وصل عددها إلى عشرين ديوانا، واختير من كل واحد منها مقتطفات لـ"تفاحة الضوء"، منها على سبيل المثال: وطن لطيور الماء، شـجر العائلة، فاكهة الماضي، أيّام آدم، وطائر يتعثر بالضو، فراشاتٌ لتبديد الوحشة. وجاءت المختارات الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 454 صفحة من القطع المتوسط، وحفلت صفحاتها بحالات وجدانية وتجليات أسلوبية تنقَّل خلالها العلاق بين مواضيع متعددة خاطب فيها المرأة والصديق والوطن والعائلة والبشر المقهورين والجمال المهدد بالزوال وسائر المواضيع التي أثرت تجربته الإنسانية والإبداعية على مدى يتجاوز نصف قرن من الزمان. ويرى الناقد العراقي فاروق يوسف في كلمة له وُضعت على غلاف المختارات أن غنائية العلاق كانت إحدى العلامات الفارقة التي ميزت تجربته، وبين أنها : "كانت من صُنْع اللغة، وجاءت مستلهَمةً من عجينتها كما لو أنها مرآتها، أو أنها قُدَّت منها".  ويضيف مبينا ملامح هذه الغنائية: "حرصَ العلّاق على رعاية النغم الداخليّ الذي يحْدُث عند لقاءِ المفردات أو تصادُمِها بعضها ببعضها الآخر، كما لو أنّ تلك المفردات لم تلتقِ من قبل، حتى ليشعر القارئ أنّ الشاعر قد حذف الكثير من الكلمات التي وقعتْ خطأً في المسافة التي تفصلُ بين مفردتين كانتا تتجاذبان عن بُعد، من أجل أن يَصْدُر نغمٌ بعينِه هو في حدّ ذاته هدفُ القصيدة. كانت موسيقى ذلك الشعر نوعاً من الهِبَة التي تطلعُ من مكانٍ لم تنتبه التقنيةُ إلى وجوده". وتظهر الغنائية تلك ممتزجة بالصور الفنية التي تغذّي شوق القارئ إلى العوالم شبه السحرية التي يرسمها له العلاق. يقول في "القصيدة المائية" من مجموعة "وطن لطيور الماء" الصادرة عام 1975: ذاكَ وجهُكِ، من أيّما أُفُقٍ تنظُرينَ؟ أرى غابةً مَلأتْها العصافيرُ: تهرُبُ من مطَرِ الصيفِ، والوردُ فاجأَني ليّنًا..  وثيابُكِ، تلك السماءُ الخفيفةُ،  تأخذُني لمواسِمها إنّ موسمَكِ الرخوَ  دشداشةٌ تخلِطُ الصيفَ بالماءِ،  والماءَ بالصَيْفِ. وتحافظ الصورة على نصاعتها، لكنها تمتزج بتراكمات السنين التي تترك تأثيرها في نفس الشاعر وفي لغته وموقفه من الحياة، فيخاطب قارئه في نص يجمع بين الذاتي والعام من مجموعة "حتى يفيض الحصى بالكلام" الصادرة عام 2013: صنّاعُ هــذا الحنينِ الممضّ..   بناةُ المجـاعـاتِ وارفـــةً..   وارثــو لعنـةِ الأوّلــينْ..   ليس من وطنٍ نتعشقـهُ، ليس من بلدٍ  ليقـول: ادخلــوا آمـنينْ..   ليس من مطرٍ كي نلــمّ لآلئَهُ بالشباكْ..   ومنذ ابتداءِ الحنينِ طريًّا ومنذ اندلاع الهلاكْ   وهتافاتنا تنهشُ الريحَ:  يا مطـرَ اللهِ دعـنـا نراكْ..  ويظهر حنين علي جعفرالعلاق للعراق، وطنه ومهد طفولته، في غير مكان من المختارات، وهو حنين يعكس وجهة نظره التي ترى أن ارتباط بالمبدع بالمكان هو ارتباط حتمي وقوي وحميم. يقول في قصيدة "حنين عابر للطوائف" من ديوانه "فراشات لتبديد الوحشة" الصادر عام 2021: إنه الدرويشُ العابرُ بين الثعابـين   المسكونُ بقصائد الحنينِ العابرِ للطوائف  سـيّدُ الأنهـارِ التي كفّـتْ عن النحيب  بعد أن يبس فيها المـاءُ وأينعتِ الحجارةْ..   رأيته أمس:  وهو يصغي إلى المتنبّي   حين كان يودّعُ بلادًا لا صديقَ بها..   مع دعبل الخزاعيِّ يدًا بيـدٍ   وهما يعبرانِ بين جمعٍ من الناس  دون أن يريا أحـدًا..   رأيته اليومَ مع الشريفِ الرضيِّ   وهما يحملانِ، وحيدينِ،   جثمانَ عبدالرزاق عبدالواحد  إلى قصيدته الأخيرة..  وتظهر حالة التشظي التي يجسدها العلاق قائلا في أحد لقاءاته الصحفية: "لا أنا منفي ولا أنا مقيم. وهذه الثيمة تتشظى في كل شعري؛ فالإبداع العراقي كذلك يتبعثر ويتشظى والكل في ترقب للمجهول"، تظهر هذه الحالة في غير نص، منها "متعبا أدخل البيت" من مجموعة "طائر يتعثر بالضوء" الصادرة عام 2018: متعبًا أدخلُ البيتَ   أبحثُ دون طائلٍ عما يعينني على النومِ..   لا نعاسَ ينتظرني في السرير..   لا ليلَ يتمشّى حنونًا خارجَ النافذةْ..   ليس إلّا رجالٌ يشقّون ذاكرتي  بمخالبهم..    ويهبطونَ على لغتي  بمظلاتٍ من الأسلاكِ الشائكة..  ليس إلّا أطفالٌ يرضعون من قيثارةٍ   بلغَتْ سنّ اليأس..  ومن الجدير ذكره أن علي جعفر العلاق شاعر وناقد وأستاذ جامعي عراقي، حاصل على جائزة العويس للشعر ، للعام2019 . ولد في محافظة واسط عام 1945، وهو حاصل على الدكتوراه من جامعة إكستر في بريطانيا عام 1984. غادر العراق عام 1991 ، وعمل استاذاً للأدب والنقد الحديث في جامعة صنعاء، ثم في جامعة الإمارات . وهو مقيم حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وله إضافة إلى إصداراته في مجال الشعر مجموعة كبيرة من الإصدارات النقدية، بدأها بـ"مملكة الغجر" (1981)، ودماء القصيدة الحديثة (1988)، وصولا إلى "في مديح النصوص" (2019)، و"المعنى المراوغ" (2020).

مشاركة :