العنصرية والعقل التلقائي

  • 9/7/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل العنصرية أمر طبيعي وتلقائي تلقائية مجتمعية وبيئية وعقلية، وليست فطرية كالجشع والهلع وحب الذات والرغبة في البقاء على قيد الحياة؟ الإنسان لا بد أن يشعر بالانتماء الظاهري والباطني، والانحياز الذي يبعد عنه المخاطر، والتحديات التي تهدد وجوده ومكتسباته، وعادةً ما يرسل المخ إشارات للفرد تجعله يكّون رأياً أولياً في أي شخص في العالم، إما بدافع الخبرات والمعلومات والبرمجة العقلية والعصبية السابقة، أو كردة فعل بيولوجية طبيعية كالخوف أو الشك..إلخ. ومقاومة العنصرية مهمة في غاية الصعوبة وتبرّر أبشع الجرائم، ويُصور المجرمين كأبطال قوميين بسبب العنصرية الإيديولوجية البيولوجية. فالعقل ليس سوى مجرد آلة عمليات ذهنية، وليس جوهر الإنسان الذي ينبع منه القرار كالقلب والفؤاد والنفس وما يحيط بهم من هالات إيجابية، وتفاعلهم مع الروح، وهي الأصل النقي في الإنسان من بُعد روحاني. وأما من الناحية العلمية، فالعقل مادي يعمل من خلال الإشارات والمحتوى المفرّغ فيه، والأنماط الذهنية التي تكوّنت في الدماغ البشري مع مرور الوقت، ويعكس العقل هنا ما تطبّع به الفرد وأصبح جزءاً من كيمياء المخ، ولذلك فالعنصري هو ابن بيئته ونتاج طبيعي للثقافات الإنسانية في الماضي والحاضر وستكون كذلك في المستقبل، وإن كانت ستتحول لعنصرية معرفية اختيارية لضمان التفوق النوعي بين المجتمعات البشرية. فالإنسان محاصر بدوائر السائد والمقبول والمألوف في مجتمعه ومخزونه المعرفي، ويمرر الأحكام تباعاً وهو مسلوب الإرادة نسبياً دون أن يدرك أو يشعر بذلك، متأثراً بالتصورات المسبقة المزروعة في العقل الباطن. ويعتقد البعض أن الدماغ لا يمّيز بين الحقيقة والوهم، ولا بين الخطأ والصواب ككيان مادي محضّ، ولكنه يحصد ما زرع فيه بالأمس وتشرّبه في رحلته في الحياة على صورة قرارات اليوم، ويعبّر عن الغرائز والأهواء والاحتياجات البيولوجية والنفسية ورفض كل ما هو مغاير لما تبرمج عليه، ولذلك حتى ما نحسبه يحرر الإنسان من عبودية الاحتياجات الأولية، ويجعله أقل عنصرية مثل التعليم هو في الواقع بثوبه الحالي أحد أهم ركائز جعل العنصرية جزءاً من النظام العام للبشرية. فالكل دون استثناء وبدرجات متفاوتة يملكون قدرات تحكّم مختلفة في الخلل المتوارث للحكم على الآخر المختلف، ويقيسون على الدوام إلى أي مدى يتسق حكمهم على الأشياء مع ما قبلوه كحقيقة وثوابت ومعلومات أصبحت قناعات يتعاملون من خلالها مع الآخرين، ويميزون بين من يشبههم ويشاركهم القناعات والأفكار والمفاهيم المهمة بالنسبة لهم، ومن وليس كذلك، مع الخضوع لمن هم يخالفونهم، وربما لا يشبهونهم البتة أو يشاركونهم الإيمان بنفس المبادئ، ولكنهم في موقع قيادة وهيمنة ونفوذ ولديهم القوة والسلطة وبالتالي الاحترام والتقدير بالتبعية لتأثيراتهم، وللعجز في مجاراة تفوقهم وبالتالي الإعجاب بهم أو الحلم في الوصول إلى ما وصلوا إليه والاستفادة مما يملكون. والعنصرية التي تمثل ظاهرة سلوكية في مجتمع ويعتبرها المجتمع أمراً ثانوياً وليس حقيقياً تغلب عليه غرائز وطبائع القطيع، والرأي العام فيه يكون مؤسّساً على الجهل الجمعي، وبالتالي يكون التضليل بمثابة التنوير القطيعي المقبول به. وبغض النظر عن الفئات التي تتمتع بذكاء حاد في تلك الثقافات، إلا أنهم يعطلون العقل النقدي وحيادية النسبية بحكم احتياجاتهم، ويصبح الذكاء محصوراً في النسق العام للمجتمع، ولذلك فالعنصري قد يحمل أعلى مراتب الشهادات العلمية وفائز بجائزة نوبل للسلام ولكنه مريض بداء العنصرية، وإنْ لم يتم تشخيصه بعد، ولذلك فالأمم تحتاج لاستراتيجيات وطنية ومراكز تفكير لمحاربة العنصرية وفق مبادرات مبتكرة ومستدامة وغير مؤدلجة. *كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات

مشاركة :