تأتي الانتخابات التشريعية والمحلية المغربية، التي انطلقت اليوم الأربعاء، في ظروف استثنائية غير مسبوقة في تاريخ المغرب، بسبب الأزمة الصحية العالمية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى. فمن المنتظر أن يتوجه اليوم 17 مليونا و983490 ناخبا من أصل 36 مليون مغربي إلى صناديق الاقتراع في ختام حملة انتخابية تختلف عن مثيلاتها في ظل ظروف الحظر الصحي ومنع تجمع أكثر من 25 شخصا، إذ سيطر عليها الطابع الافتراضي أكثر. كما جاءت الحملة، التي انطلقت في 26 أغسطس/ آب الماضي، في ظروف المنحى التصاعدي لتفشي الفيروس في البلاد، إذ سجل المغرب خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين أعلى معدلات إصابة بفيروس كورونا وأعلى معدل وفيات، حيث تجاوزت الإصابات عشرة الآف والوفيات 100 في اليوم. من جانبه، قال الأكاديمي والمحلل السياسي المغربي، مصطفى السحيمي، لرويترز، “انتخابات 8 سبتمبر تأتي في ظروف جد خاصة، فلأول مرة يجري المغرب انتخابات محلية وجماعية وتشريعية في نفس الوقت”. وأضاف “كما أنها انتخابات تأتي في ظل ظروف أزمة كوفيد-19 لهذا فالحملات الانتخابية محدودة، وليست هنالك تجمعات أو مهرجانات خطابية، بالإضافة إلى تنقلات محدودة، لأن الناس متخوفون من الوضع الصحي بسبب تصاعد أعداد الإصابات والأموات في الفترة الأخيرة”. ولعل ما يلقي بظلاله أيضا على المشهد السياسي المغربي، وبصفة خاصة على السياسة الخارجية للمملكة، هو توتر العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها، الجزائر شرقا وإسبانيا شمالا وقال السحيمي “وهذا شيء جديد بالنسبة للسياسة المغربية، الأزمة الصحية والتخوفات والإجراءات الوقائية، تأتي ليضاف إليها محيط إقليمي متوتر”. ويرى السحيمي، أن الحملة الانتخابية لا تمر في ظروف عادية بالنسبة للأحزاب السياسية، لسبب رئيسي آخر هو “النموذج التنموي الجديد”، وهو نموذج أعلن عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2017 بعد أن اعتبر أن النموذج التنموي المتبع في المغرب لسنوات قد فشل. وجاء في النموذج التنموي الجديد، الذي عين له العاهل المغربي لجنة في ديسمبر كانون الأول من العام 2019، لترفع له تقريرا في مايو/أيار 2021 ويتم نشره في أوائل يونيو/حزيران 2021، تشخيص للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب، كما قدم رؤية وتصورات عن الأوضاع وكيف يجب أن تكون البلاد بحلول عام 2035. ورصد التقرير تراجع ثقة المواطنين في السياسة والسياسيين، واتساع الفوارق الاجتماعية خاصة في المدن الصغرى والمتوسطة. وقال السحيمي، “الأحزاب السياسية المغربية لم تشتغل على برامجها لأنها كانت تنتظر النموذج التنموي الجديد وما سيسفر عنه”. وأضاف “الأحزاب لم يكن بإمكانها أن تذهب بعيدا في برامجها، كان عليها أن تنتظر هذا النموذج الذي حدد المحاور الاستراتيجية للسياسة التنموية المغربية”. وهو ما يفسر، حسب السحيمي، ضعف برامج الأحزاب في الحملة الانتخابية الحالية وتشابهها إذ “لم ينفرد أي حزب ببرنامج له خصوصية أو تميز” فهي “أعادت المحاور الأساسية للنموذج التنموي”. ويشارك 31 حزبا سياسيا في هذه الانتخابات منها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده عزيز أخنوش رجل الأعمال ووزير الفلاحة منذ عام 2007. كما يشارك في الانتخابات حزب الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، وكلها أحزاب داخل الحكومة الحالية. وقال السحيمي إن هذه الأحزاب “كانت في الحكومة والناخبين يحاسبونها، ما هو الجديد الذي ستقدمه في الولاية الحالية ولم تقدمه في الحكومة السابقة؟”. وأضاف أنه ليس هناك إلا أحزاب ثلاثة تختلف في المشهد “وهي حزب الاستقلال الذي اختار المعارضة منذ 2013، وحزب التقدم والاشتراكية المعارض أيضا منذ ثلاث سنوات، أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة فهو في المعارضة منذ نشأته لكنه يفتقد إلى المصداقية، ويعتبره المواطن حزبا إداريا” إذ أسسه صديق العاهل المغربي والمقرب منه فؤاد عالي الهمة في العام 2008. كل هذه العوامل بالنسبة للسحيمي تجعل “الناخبين غير متحمسين، فالحملة باهتة باستثناء الثلاثة أيام الأخيرة التي عرفت بعض الحركية”. ويقول مغربي لم يذكر من اسمه سوى عبد الغني ويعمل معلما للتاريخ في المرحلة الثانوية “بالنسبة لي الانتخابات في المغرب دائما كانت مسرحية، ولست متشائما أو عدميا بالقول إنني لا أنتظر منها الجديد، أو بالأحرى التغيير في البلد لأن الأحزاب أو الحكومة في الواقع ليست هي من تمتلك زمام الأمور أو السلطة الفعلية، هذه الأخيرة هي بيد الملك، فعلى من أصوت”. ومن جهته، فسر رشيد أوراز، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، التقارب في برامج الأحزاب السياسية بأن “الدولة متقدمة في مقترحاتها التي قامت بها منذ 2017، وإعلان فشل النموذج التنموي الذي تطلب إعداد لجنة لنموذج تنموي جديد تطرق إلى نقاط عديدة وحتى إلى ما لا تفكر فيه الأحزاب وجاء بمقترحات عديدة في مجال الصحة والتعليم”. وأضاف لرويترز، “الدولة جعلت البرامج الحزبية تتقارب لأنها وضعت البرامج في كل القطاعات المهمة، الاجتماعية مثلا والصحة والتشغيل”. وقال أوراز، إنه لا يمكن القول بأن الدولة سحبت البساط من تحت أقدام الأحزاب” فربما نيتها تسريع عمل الحكومة ودفعها لأن تشتغل بوسيلة أكبر وأسرع، لأن لو لها نية سحب البساط كان من الممكن ألا تجري حتى الانتخابات و تعيين حكومة تكنوقراط أو ما إلى ذلك”. ويضيف قائلا “الدولة في المغرب تعرف ما هي كلفة عدم الإصلاح، هي اهتزاز اجتماعي وقلاقل هي في غنى عنها”. وقال إن الدولة “لا تزال عاجزة لحد الساعة عن محاربة الفساد والرشوة وإصلاح الإدارة وتحسين الحكامة، والأحزاب السياسية ليست لها القدرة على القيام بهذه الإصلاحات”. وأضاف أن هذا ما يفسر جانبا آخر من فقد “المواطن،إلى حد ما، الثقة في المشاركة في عملية الاقتراع، وهو ما قد يؤثر على نسبة المشاركة والنظر بعين الرضى إلى ما يتم تحقيقه في المجالات الأخرى”. وقادت النسخة المغربية من احتجاجات الربيع العربي إلى دستور مغربي جديد أعطى بعض الصلاحيات للحكومة والبرلمان، لكن سرعان ما استعاد الملك صلاحيات اتخاذ معظم القرارات المهمة. وقال أوراز “سجل المعهد المغربي للسياسات تراجعا في معدلات الثقة في الأحزاب السياسية، وفي بعض المؤسسات كالبرلمان والحكومة”. وقالت “حفيظة.س” عاملة النظافة البالغة من العمر 54 عاما أمام بيتها في وسط حي شعبي بالرباط، وهي تمسك أوراق مرشح من حيها “لن أصوت على أحد، تعبنا من الوعود الكاذبة، لا شيء يتغير، الوضع أصبح أسوأ بكوفيد، لي ولدان عاطلان عن العمل بسبب تشديد إجراءات الحظر الصحي”. وتوقع المحللون، أن تنعكس كل هذه الظروف على نسبة المشاركة، إذ توقع أوراز “أن جمع الانتخابات المحلية والجماعية والبرلمانية لن يحسن مستوى المشاركة، ولكن على الأقل سيتركها لن تقل عن 35 في المئة ولن تتجاوز 43 أو 44 في المئة”. كما تساءل السحيمي هل “ستقود هذه الانتخابات إلى نسبة مشاركة لا بأس بها أم لا، حتما سيكون هناك تفاوت ما بين العالم القروي الذي سيتم تحفيز الناخبين فيه بوسائل إدارية، مقارنة مع العالم الحضري، الذي يتوقع أن تقل فيه نسبة المشاركة”.
مشاركة :