القدس أ ف ب يترك أبو عمرو سيَّارته السوداء عند مدخل حي جبل المكبّر ويسير على قدميه صوب مدرسة نجله الواقعة بعد حاجزٍ إسمنتي جديد نُصِب في وسط الحي، قبل أن ينفجر غاضباً مُندِّداً بـ «التمييز» و«العقاب الجماعي» المفروض على سكان القدس الشرقية. وبالنسبة له؛ فإن المدينة المحتلة تدفع ثمناً باهظاً في الوقت الحالي «نظراً لاعتقاد الإسرائيليين أن مزيداً من القوة سيجلب لهم الخلاص، لكنه سيؤدي في الواقع إلى مزيدٍ من العنف». ويلاحظ أبو عمرو، وهو فلسطيني يبلغ 34 عاماً، أن طريقه إلى المدرسة استغرق أكثر من 40 دقيقة بدلاً من 4 دقائق، موضحاً أنه تأخَّر على موعدٍ لدى طبيب الأطفال، لذا عَدَّ «كل هذه الإغلاقات والعقابات الجماعية تمييزاً بحد ذاته». واندلعت في الأول من أكتوبر الجاري مصادماتٌ في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين وعلى حدود قطاع غزة. ويلجأ الفلسطينيون إلى التظاهر ضد المستوطنين والجنود، فيما تنفذ قوات الاحتلال حملة اعتقالات وتطلِق الرصاص الحي لقمع الاحتجاجات. وفي محاولةٍ لمنع الهبَّة في القدس؛ أقامت إسرائيل حواجز عند مداخل الأحياء العربية، وبدأت بناء جدار إسمنتي من مكعباتٍ ضخمة يفصل بين حيي جبل المكبر وأرمون هانتسيف الاستيطاني. وكان مقرراً أن يصل طوله إلى 300 متر، لكن تم وقف العمل فيه بعد أيام من بدء وضع المكعبات الإسمنتية. وذكرت سلطات الاحتلال أن «الجدار سيكون مؤقتاً وقابلاً للنقل، إذ يهدف فقط إلى منع إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على حي أرمون هانتسيف». وقرب الحاجز الذي كُتِبَ عليه باللغة العبرية «مؤقت»؛ توقّفت حافلة صغيرة تنتظر ركاباً لتقلُّهم إلى حاجز آخر. ويتحدث سائق الحافلة، طارق عويسات (24 عاماً)، عن انقسام خدمة الحافلات في حي جبل المكبر، قائلاً «أنا أنقل الركاب مسافة 500 متر إلى حاجز آخر حيث تنتظرهم حافلة تقلُّهم إلى باب العمود». ويعتقد عويسات أن «حياتنا ازدادت صعوبة وتعقيداً بعد التفتيش والحواجز»، مشيراً إلى حاجة الراكب إلى ساعة أو ساعة ونصف الساعة للوصول من جبل المكبر إلى باب العمود بدلاً من 25 دقيقة في العادة. ويسأل بحدة «ماذا يعني ذلك سوى أنهم يريدون عزل المنطقة؟». وعند مدخل حي العيسوية المكتظ في القدس الشرقية؛ يقف أفراد من حرس الحدود الإسرائيليين المدججين بالسلاح على حاجزٍ لتفتيش سكان الحي الخارجين منه. ويطلب الجنود رفع القمصان وخلع الأحذية، فيما يفتحون حقائب السيدات ويفتشونها بدقة قبل السماح لهن بالمرور. ولدى الانتهاء من تفتيشه؛ قال الطالب الجامعي في إدارة الأعمال، مؤمن رابي (19 عاماً)، بغضبٍ وهو ينتظر حافلة ستقلُّه إلى وسط المدينة «نتأخر في كل يوم عن الجامعات وعن المدارس وعن كل شيء، هذا ظلم لكل سكان العيسوية». ويعيش أكثر من 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 وضمتها إليها في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي. فيما يعيش نحو 200 ألف مستوطن يهودي في الأحياء الاستيطانية المحيطة بالمدينة. وتعدُّ دولة الاحتلال القدس بشطريها عاصمتها «الأبدية والموحدة»، بينما يرغب الفلسطينيون في جعل الشطر الشرقي عاصمةً لدولتهم. وتضاف المعاناة نتيجة الإجراءات الأمنية الجديدة إلى وضعٍ صعبٍ يعاني منه سكان الشطر الشرقي في ظل الاحتلال. ويصف أبو عمرو البنية التحتية في المناطق العربية بـ «المعدومة»، ويقول «ندفع كل الضرائب والمخالفات، لكن لا يوجد أي اهتمام بنا في مجالات الصحة والتعليم، حتى الأمان الوظيفي معدوم، ولا نملك أقل الحقوق المجتمعية». وعلى الرصيف المقابل لمستوطنة التلَّة الفرنسية الواقعة في وسط الشطر الشرقي؛ ينهمك عامل من بلدية القدس في التنظيف. وعلى بعد أمتار من الرصيف النظيف والحدائق الخضراء؛ تظهر شوارع متعرجة وحاويات مليئة بالقمامة. ويعتقد المسؤول المحلي في العيسوية، محمد أبو الحمص، أن «هذا جزءٌ من العقاب الجماعي الذي تمارسه حكومة الاحتلال علينا». ويلاحظ أن «العيسوية موجودة قبل التلَّة الفرنسية، لكنهم ينظفون الرصيف في المستوطنة ولا يفعلون شيئاً في حيِّنا». ويرى مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس، خليل التفكجي، أن «الشطر الغربي يعيش في القرن الواحد والعشرين بينما يعيش الشرقي في القرن الخامس عشر». ويلفت التفكجي الانتباه إلى «صدمة ثقافية عند الانتقال بينهما، فكأنك تدخل إلى مكان آخر تماماً».
مشاركة :