في فترة معينة من العام، تكسو الخضرة محافظة ظفار جنوبي سلطنة عمان، لتتحول بكاملها إلى جنة استوائية، فجبالها تتزين بالأخضر، مع أمطار موسمية مصحوبة بسحب كثيفة وضباب خلال شهور الخريف. وتُعرف ظفار بمقومات سياحية طبيعية، وتشتهر بالبخور واللُّبان، وتكثر فيها أشجار النارجيل الاستوائية، المعروفة بجوز الهند. وتنتشر في المحافظة الكثير من التضاريس، وتجمع طبيعتها الجغرافية بين البيئة الصحراوية والنباتية. كما تكتسب ظفار مكانة خاصة في التاريخ العُماني الحديث والقديم؛ فهي المدينة التي بدأ منها السلطان العُماني الراحل، قابوس بن سعيد (1940- 2020)، نهضة هذه الدولة الخليجية. وتقع ظفار في أقصى جنوبي السلطنة، وتتصل من الشرق بمحافظة الوسطى، ومن الجنوب الغربي بالحدود مع اليمن، ومن الجنوب ببحر العرب، ومن الشمال والشمال الغربي بصحراء الربع الخالي. وتاريخيًا، شكلت ظفار همزة الوصل بين عمان وشرقي إفريقيا، وكانت بوابة عُمانية ضخمة على المحيط الهندي، ومعبرًا لطريق القوافل القديم في جنوبي شبه الجزيرة العربية. خريف فريد تمتاز ظفار بأنها منطقة جذب سياحي، خاصة خلال موسم الخريف بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول من كل عام. ويتسم مناخها بالاعتدال طيلة أيام السنة، إلا أنها تتأثر برياح موسمية غربية من المحيط الهندي، حيث تستقبل جبالها الأمطار الموسمية المصحوبة بالسحب الكثيفة والضباب طوال أشهر الخريف. وقال أحمد الغساني، رئيس بلدية ظفار، لموفد الأناضول: «تجذب ظفار خلال موسم الخريف، في الفترة من 21 يونيو إلى منتصف سبتمبر من كل عام، الزوار والسياح من داخل السلطنة وخارجها، للاستمتاع بجمال طبيعة جبالها وشواطئها وسهولها والأجواء المناخية الرائعة، حيث تعد ظفار، وخاصة مدينة صلالة، من أهم المصايف السياحية في المنطقة». وأضاف أن «المحافظة تمتلك مقومات سياحيّة تضم في جنباتها مختلف البيئات الطبيعية، كالشواطئ البيضاء والرمال الناعمة وسلسلة من الجبال والأودية والسهول المنبسطة والصحراء الممتدة إلى الربع الخالي والعيون المائية والنافورات الطبيعية والكهوف المتنوعة». وأشار الغساني إلى أن الطبيعة المتميزة في ظفار ليست فقط في موسم الخريف، بل تمتد طوال العام في مواسم مختلفة. وتابع: «تلك المميزات شكلت منها وجهة سياحية على مستوى الوطن العربي، ولدينا سواح يأتون من الدول الأوربية، والشباب المغامرون الذين يحبون الذهاب في رحلات إلى البادية». وأفاد بأن «البلدية لها دور كبير في دعم السياحة، بالتعاون مع كافة المؤسسات المختصة بالدولة، بمساهمتها في البنية التحتية وتمهيد الطرق عبر الفرق المشتركة من تلك المؤسسات». وأوضح أن «هناك مشاريع طموحة يبدأ انطلاقها في خريف 2022»، متوقعًا أن السنوات القادمة ستشهد زخمًا غير مسبوق للسياحة في المحافظة. وأردف: «رغم جائحة كورونا، فإن ظفار شهدت إقبالًا كبيرًا هذا العام في قطاع السياحة الداخلية». شواهد تاريخية ووفق خالد بن عبد الله العبري، مدير عام المديرية العامة للتراث والسياحة في ظفار، «يتكامل جمال الطبيعة بعناصرها الخلابة مع الآثار والشواهد التاريخية العديدة التي تُعرف بأبعاد المنطقة حضاريًا وتاريخيًا، وهو ما يضيف بعدًا سياحيًا ثقافيًا لهذه المحافظة». وأضاف العبري للأناضول أن «المحافظة تُعد الوجهة السياحية الأبرز للأسر العمانية والخليجية التي تفضل قضاء إجازات الصيف بين أحضان الطبيعة والطقس المعتدل؛ طلبًا للراحة والاستجمام». وتابع أن «وزارة التراث والسياحة تولي اهتمامًا بالغًا بجذب الاستثمارات التي تُعنى بالتنمية والتطور السياحي إلى آفاق مستقبلية». وزاد بأن «الوزارة تسعى إلى إقامة المنتجعات والمشاريع الجاذبة للسياح؛ تلبيةً للطلب المتزايد على الوحدات الفندقية والمقاصد السياحية، لا سيّما في المواقع التي تتمتع بمقومات طبيعية فريدة في المحافظة». وأردف: «توجد في ظفار بعض المعالم السياحيّة التي يحرص السياح على زيارتها كالسهول والمرتفعات الجبلية، بالإضافة إلى العيون المائية الرئيسة المنتشرة في كافة ربوع المحافظة». ولفت إلى أن «منطقة شاطئ المغسيل تستقطب العديد من السياح لمشاهدة كهف المرنيف والنافورات الطبيعية، إلى جانب زيارة الأسواق التقليدية، ومحلات بيع اللُّبان والحلوى العمانية والمنتجات الزراعية المحلية الطازجة». واستطرد: «المحافظة تشتهر بإنتاج اللُّبان الذي تشكل شجرته رمزًا لظفار، ويمثل عمود التجارة الأساسي في جنوب شبه الجزيرة العربية قديمًا، ومصدرًا مهمًا من مصادر الدخل؛ حيث اشتهرت المحافظة بإنتاج أجود أنواع اللُّبان في العالم». كما يوجد في ظفار عدد كبير من القلاع والحصون وأبراج المراقبة تطل على وديان وجبال عمان، بحسب العبري. وأضاف: «هذه المباني التاريخية العريقة بجانب توفيرها للحماية، لعبت دورًا حيويًا في التعريف بتاريخ عُمان؛ كونها تقف كنقاط التقاء للتفاعل السياسي والاجتماعي والديني، وكمراكز للعلم والإدارة والأنشطة الاجتماعية». ثراء بيئي وعن التنوع البيئي في ظفار، قال محمد الشنفري، ناشط في المجال البيئي، للأناضول، إن «بها بيئات مناخية مختلفة، ما بين الطبيعة شبه الاستوائية على النطاق البحري، وتحاذيه صحراء الربع الخالي على بعد كيلومترات قليلة شمالًا، إلى جانب البيئات الصخرية الجافة نسبيًا على جانبها الشرقي». وأوضح أن هذا التنوع له نتاج بيئي فريد؛ فأجود «اللُّبان» يُنتج في شرقي ظفار الصخري الجاف، وتتبادل الأشجار الخضرة بين موسم المونسون الصيفي الرطب ومواسم الجفاف كشجرة السدر، التي تجف في موسم الخريف، وتظل خضراء بقية أوقات السنة». وأفاد بأن «عشاق الطبيعة يجدون موادًا متنوعة ومختلفة وذات خصوصية، حسب أوقات السنة، مما يستدعي زياراتهم المتكررة لمتابعة نباتات معينة». وتابع: «بعد انتهاء موسم الخريف، يبدأ موسم الطيور الجارحة؛ حيث تعد المنطقة من أكثر المناطق استقبالًا لها، وذلك أيضًا ينطبق على عشاق البحار والبيئة البحرية وكائناتها». وأضاف: «يأتي محصول النارجيل، المعروف بجوز الهند، في مقدمة المحاصيل الزراعية، وتشكل المساحة المزروعة (به) الأكبر في سهل صلالة، حيث تتميز هذه الشجرة باستمرار إنتاجها على مدار العام». وأوضح أن «صلالة تشتهر بزراعة الموز، وهو من أهم المحاصيل الاقتصادية والغذائية، إضافة الى شجرة الفافاي، وهي دائمة الخضرة وسريعة النمو، ويأتي الفافاي في المرتبة الثالثة بين محاصيل الفاكهة التجارية في سهل صلالة». وختم بأن «محصول الفافاي في ظفار يتميز بجودته وصنفه وكمية إنتاجه، حيث يمكن مقارنته بالأصناف العالمية (...)، ويعتبر فصل الخريف أفضل الفصول لزراعة وغرس فاكهة الفافاي، وهي تتميز بفوائد صحية وغذائية».
مشاركة :