تحوّل مقتل عدد لا يستهان به من كبار الضباط الإيرانيين في سوريا، إلى لغزٍ لم تُكشف حتى الآن خفاياه. وما يزيد من تعقيدات هذا اللغز هو اعتراف طهران بسقوط قادة عسكريين كبار ونعيها لهم تحت شعار «الواجب الجهادي»، من دون أن تحدد كيفية ومكان مقتلهم، علمًا بأنها تزعم أن دور هؤلاء يقتصر على تقديم الاستشارات لقوات الرئيس السوري بشار الأسد وليس القتال الميداني على الأرض، وهو ما بات يربك طهران التي لا تملك أجوبة شافية على خسائرها المتعاظمة في سوريا. أما على ضفّة المعارضة السورية، ولا سيما الجيش الحرّ، فتتضارب المعلومات حول الأسباب الحقيقة الكامنة وراء مقتل الضباط الإيرانيين، كما تتعدد الروايات. وفي قراءاته لهذا الواقع يعتبر عضو المجلس العسكري أبو أحمد العاصمي، أن «تداخل المعارك وعمليات الالتحام، هي أحد أسباب مقتل الضباط والجنود الإيرانيين، كما أن غرف العمليات القريبة من جبهات القتال التي يوجد فيها كبار الضباط الإيرانيين، هي عرضة لقصف الثوار بواسطة صواريخ (غراد)، وهو ما يلحق بها هذه الإصابات المحققة، وتكبّد الإيرانيين كل هذه الخسائر». ولا يستبعد العاصمي في كلمه لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون هناك «عمليات تصفية لبعض الضباط الإيرانيين على يد القوات الروسية في الآونة الأخيرة، بعدما بدأ الروس يخشون ذهاب سوريا كلّها إلى حضن إيران، وهذا ما لا يقبلون به»، ملاحظًا أن «روسيا كدولة عظمى في المنطقة، قد تقبل بنفوذ إيراني محدود، لكن أن يتحول هذا النفوذ إلى سيطرة شاملة على النظام السوري وقراراته فهذا خطّ أحمر، ومن هنا نرى عمليات اجتثاث للرؤوس الإيرانية الكبيرة والمخططة للعمليات في سوريا». ويتوقع عضو المجلس العسكري للجيش الحر، أن «تشهد الأيام المقبلة عمليات تصفية في أكثر من مكان، سواء لقيادات عسكرية إيرانية في سوريا، أو لضباط في النظام السوري»، مشيرًا إلى أن «القيادة الروسية لديها بعض الأفكار لحلّ الأزمة السورية، بينما الإيرانيون يعارضون هذه الأفكار، ولربما اتخذ القرار بالحدّ من الهيمنة الإيرانية». وحول الربط بين هذه العمليات وبين ما تردد عن قصف طائرات روسية عن طريق الخطأ مراكز للنظام، قال: «إن مسألة القصف عن طريق الخطأ غير واقعية، فكل شيء بالنسبة إلى الطيران الروسي واضح، وبالتالي ما حصل قصف مدروس وعملية تصفية متعمدة لبعض القيادات العسكرية في هذه المنطقة أو تلك». وشكّل مقتل الجنرال حسين همداني قبل أسبوعين خلال مشاركته في معركة ريف حلب، ضربة موجعة للقيادة الإيرانية، باعتبار أن همداني هو أعلى رتبة عسكرية بين القتلى الإيرانيين. وما كادت طهران تستوعب صدمة همداني حتى أعلنت وكانت وكالة «أهل البيت» الإيرانية، أول من أمس، أن «خمسة عناصر من الحرس الثوري الإيراني بينهم 3 ضباط، أحدهم برتبة مستشار، قتلوا خلال اليومين الماضيين، في معارك مختلفة في سوريا إلى جانب جيش النظام السوري ضد قوات المعارضة». وقالت الوكالة إن «مهدي علي دوست، أحد هؤلاء الضباط القتلى هو قيادي في الحرس الثوري في محافظة قم جنوب طهران». في حين أفاد موقع «نجف أباد نيوز»، بأن «ضابطين من الفيلق الثامن في الحرس الثوري في محافظة أصفهان، وهو الفيلق الذي يضم أكثرية القتلى الإيرانيين في سوريا من ضباط وجنود، قتلا خلال الاشتباكات، وهما الملازم أول كميل قرباني، والملازم حسن أحمدي»، بينما لم يذكر الموقع مكان مقتلهما. من جهته، عزا المحلل العسكري السوري عبد الناصر العايد، مقتل القادة الإيرانيين إلى «مشاركتهم الفعلية في العمليات القتالية». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «حصول الجيش السوري الحر على شريط مصوّر سجله مخرج إيراني قتل في كمين للثوار مع عدد من الجنود الإيرانيين لدى تصويره العمليات القتالية التي يقوم بها هؤلاء، خير دليل على أن الحرس الثوري الإيراني منتشر بكثافة على الأراضي السورية، وهو يشكّل قوة قتالية وليس مجرد فريق استشاري لتقديم الخبرات كما يزعمون». ورأى العايد في الكشف مؤخرًا عن أسماء الكثير من القادة العسكريين الإيرانيين القتلى في سوريا، «مؤشرات حقيقية على تسوية في سوريا، ولذلك تريد إيران أن تقول إنها قدمت تضحيات في سوريا، وقد تريد ثمنًا سياسيًا، خصوصًا بعد الدخول القوي لروسيا، الذي حدّ من وهج النفوذ الإيراني». وبدأت طهران منذ عام 2013 تعترف بمصرع ضباط إيرانيين يحملون رتبًا عالية قضوا في سوريا، أبرزهم الجنرال في الحرس الثوري محمد علي الله دادي الذي قتل مع ستة عسكريين لبنانيين من قوات حزب الله، في الغارة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، في 18 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتم تشييعه في مأتم حاشد في طهران. وسبق لإيران أن أقرت بمقتل أول مسؤول لها في سوريا وهو الجنرال السابق في الحرس الثوري حسام خوش نويس الملقب بـ«حسن شاطري»، الذي قتل على طريق دمشق - الزبداني في عبوة ناسفة استهدفته في 14 فبراير (شباط) 2013، ثم قتل العميد محمد جمالي بكالي القائد الميداني في فيلق «ثأر الله» التابع للحرس الثوري، في معركة مع أحد فصائل المعارضة المسلحة في جنوب دمشق في أكتوبر (تشرين الأول) 2013. وكذلك القيادي العميد حميد الطبطبائي الذي سقط في إحدى المعارك مع المعارضة السورية في عام 2014، تبعه الجنرال جبار دريساوي الذي قتل في حندرات في ريف حلب. بالإضافة إلى عشرات الضباط من رتب مختلفة ومئات الجنود الإيرانيين الذين نقلوا إلى طهران في توابيت ملفوفة بالأعلام الإيرانية.
مشاركة :