دلالات العنوان في رواية قناديل ملك الجليل للروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله

  • 9/4/2021
  • 01:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لقد‭ ‬وقفت‭ ‬أمام‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬بالغ‭ ‬الإتقان،‭ ‬هو‭ ‬قمة‭ ‬من‭ ‬قمم‭ ‬الرواية‭ ‬التأريخية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭.‬ عمل‭ ‬أبهرني‭ ‬بجمال‭ ‬الأسلوب‭ ‬وإحكام‭ ‬البناء،‭ ‬ودقة‭ ‬وثراء‭ ‬التفاصيل،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬سلب‭ ‬لب‭ ‬القارئ‭. ‬حسبتني‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬شاهد‭ ‬عيان‭ ‬مرافقا‭ ‬لظاهر‭ ‬العمر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحداث‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬شبابه‭ ‬إلى‭ ‬مقتله‭.. ‬لم‭ ‬يغب‭ ‬عني‭ ‬لحظة‭.‬‮ ‬ولشغفي‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬ألتفت‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬التخييل‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬الواقع‭. ‬يكفي‭ ‬أنني‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬طبرية‭ ‬أرقب‭ ‬وقع‭ ‬الخيول،‭ ‬وآذانها‭ ‬تلامس‭ ‬سماء‭ ‬النصر‭.‬‮ ‬ تعد‭ ‬العتبات‭ ‬النصيّة‭ ‬آلية‭ ‬نقدية‭ ‬لمراودة‭ ‬آفاق‭ ‬النص‭ ‬ومفتاحا‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬العلائق‭ ‬النصية‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬ومتعالياته‭ ‬كالعنوان‭. ‬فالعنوان‭ ‬أحد‭ ‬النصوص‭ ‬الموازية،‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬وظيفي‭ ‬تفاعلي،‭ ‬ومستقل‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.‬‮ ‬ مفردة‭ ‬قناديل‭ ‬في‭ ‬العنوان‭ ‬جمع‭ ‬قنديل،‭ ‬مصباح‭ ‬كالكوب‭ ‬في‭ ‬وسطه‭ ‬فتيل،‭ ‬يملأ‭ ‬بالزيت‭ ‬ليشتعل‭.‬‮ ‬له‭ ‬صفة‭ ‬الاشتعال‭ ‬والإنارة‭. ‬كما‭ ‬تطرأ‭ ‬عليه‭ ‬حالات‭ ‬القوة‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬خزان‭ ‬الزيت‭ ‬ممتلئا،‭ ‬ويصاب‭ ‬بالضعف‭ ‬والرعشة‭ ‬عندما‭ ‬يقل‭ ‬مقدار‭ ‬الزيت‭ ‬الذي‭ ‬يغذيه‭. ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الرياح‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفتأ‭ ‬تهب‭. ‬وهو‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬يقاوم‭ ‬الانطفاء،‭ ‬وقد‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬زجاج‭ ‬يقيه‭ ‬تلك‭ ‬المخاطر‭.‬‮ ‬ قارب‭ ‬الراوي‭ ‬القناديل‭ ‬في‭ ‬صفاتها‭ ‬بالإنسان‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬شكيمته‭ ‬وتمتعه‭ ‬بنفس‭ ‬وروح‭ ‬متوهجتين‭ ‬وجسد‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬معاركه‭ ‬الوجودية‭. ‬وكيف‭ ‬يطرأ‭ ‬عليه‭ ‬ما‭ ‬يطرأ‭ ‬على‭ ‬القنديل‭ ‬بسبب‭ ‬عواصف‭ ‬الحياة،‭ ‬فيتخاذل‭ ‬ويضعف‭ ‬ويجبن‭. ‬بل‭ ‬ويسهل‭ ‬انطفاؤه‭.‬‮ ‬ وقد‭ ‬ارتبط‭ ‬القنديل‭ ‬بعقيدة‭ ‬أسطورية،‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬موروث‭ ‬أهل‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬وخاصة‭ ‬الشام‭ ‬وفلسطين،‭ ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬شعلة‭ ‬القنديل‭ ‬حياة‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬حالاتها‭ ‬المختلفة‭. ‬فاشتعالها‭ ‬وثباتها‭ ‬دالان‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬عمر‭ ‬وصحة‭ ‬وعافية‭. ‬وعندما‭ ‬تضطرب‭ ‬يصاب‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬حوله‭ ‬بالوجل،‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬وشيكة،‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭. ‬وإذا‭ ‬انطفأ‭ ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬تهديد‭ ‬لحياة‭ ‬صاحب‭ ‬القنديل‭.‬‮ ‬ في‭ ‬إضافة‭ ‬قناديل‭ ‬لملك‭ ‬الجليل إشارة‭ ‬دلالية‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الشخوص‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬بالشيخ‭ ‬ظاهر‭ ‬العمر‭. ‬واستند‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬قوته‭ ‬وسطوته،‭ ‬تلهمه‭ ‬وتقويه‭ ‬وتشير‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تضعفه‭ ‬وتفتّ‭ ‬في‭ ‬عضده،‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬والإخوة‭ ‬والأولاد‭ ‬والأعوان‭.‬‮ ‬ وقد‭ ‬عكس‭ ‬المتن‭ ‬السردي‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬ذلك‭ ‬المعتقد‭. ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬عندما‭ ‬تتوهج‭ ‬القناديل‭ ‬وتقوى‭ ‬شعلتها‭. ‬وحالات‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والخوف‭ ‬عندما‭ ‬تهتز‭ ‬وتخفت‭. ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬تنطفئ‭.‬‮ ‬ ورغم‭ ‬حرص‭ ‬الشيخ‭ ‬ظاهر‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬قناديله‭ ‬مشتعلة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬تهتز‭ ‬أو‭ ‬تنطفئ‭.. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬قناديل‭ ‬من‭ ‬يحتاج‭ ‬إليهم‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬بقائهم،‭ ‬تنطفئ‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭.. ‬أما‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬فتلتهم‭ ‬الناس‭ ‬كما‭ ‬تلتهم‭ ‬النار‭ ‬الفراش،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬سلطان‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منه‭. ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬ترتعش‭ ‬قناديلهم‭ ‬تحت‭ ‬إغراء‭ ‬الأطماع،‭ ‬والأنا‭ ‬المتضخمة‭ ‬للاستحواذ‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والخيانات‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تنكشف‭.‬ انطلقت‭ ‬رحلة‭ ‬القناديل‭ ‬منذ‭ ‬اجتمع‭ ‬الإخوة‭ ‬بعد‭ ‬دفن‭ ‬أبيهم،‭ ‬لاختيار‭ ‬خليفة‭ ‬له‭: (‬فتح‭ ‬ظاهر‭ ‬عينيه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح‭ ‬فوجد‭ ‬إخوته‭ ‬فوق‭ ‬رأسه،‭ ‬لولا‭ ‬أنّ‭ ‬سيوفهم‭ ‬في‭ ‬أغمادها،‭ ‬لظنّ‭ ‬أنهم‭ ‬قاتلوه‭!.. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬الواسعة‭ ‬أربعة‭ ‬قناديل‭ ‬كانت‭ ‬تضيء‭. ‬الريح‭ ‬ساكنة،‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬سوى‭ ‬صوت‭ ‬أنفاس،‭ ‬أنفاس‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬رئات‭ ‬بعيدة،‭ ‬رئات‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬للأجساد‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬أشبه‭ ‬بتماثيل‭.. ‬أمواج‭ ‬بحيرة‭ ‬طبرية‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬جدار‭ ‬البيت‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬وقع‭ ‬هدير‭ ‬بحر‭. ‬كلّ‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬جلس‭ ‬محدّقًا‭ ‬في‭ ‬شعلة‭ ‬قنديله‭ ‬التي‭ ‬أمامه،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أنه‭ ‬يحدّق‭ ‬في‭ ‬قدره‭! ) ‬ص13‭.‬ أما‭ ‬أول‭ ‬الانطفاء‭ ‬أمام‭ ‬عيني‭ ‬ظاهر‭ ‬فكان‭ ‬قنديل‭ ‬الشيخ‭ ‬حسين‭ ‬وابنه‭ ‬عباس‭ ‬على‭ ‬مذبح‭ ‬البعنة‭. ‬ص38‭. ‬لكن‭ ‬القناديل‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬سيرورة‭ ‬الاشتعال‭ ‬والانطفاء‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭...‬‮ ‬ وللقناديل‭ ‬حكاية‭ (‬خطوة‭ ‬إشعال‭ ‬القناديل‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلتجئ‭ ‬إليه‭ ‬الناس‭ ‬حينما‭ ‬يختلفون‭. ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أمر‭ ‬عظيم‭ ‬فيه‭ ‬ملامسة‭ ‬لأطراف‭ ‬الموت‭ ‬لاختيار‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬ستنطفئ‭ ‬شعلته‭ ‬أولا،‭ ‬الذي‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬حظه‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬يعيش‭ ‬طويلا‭.. ) ‬ص41 ورغم‭ ‬ارتعاش‭ ‬قنديل‭ ‬ظاهر‭ ‬ثم‭ ‬استقامته‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬القناديل‭ ‬فقد‭ ‬بقي‭ ‬قنديله‭ ‬وقنديل‭ ‬نجمة‭ ‬مُشعَّين‭ ‬حتى‭ ‬لحظة‭ ‬موته‭ ‬قتيلا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أحد‭ ‬قناديله‭ ‬الغادرة‭.‬ ورغم‭ ‬ذلك‭.. ‬فقد‭ ‬ذوى‭ ‬قنديله‭ ‬مختزلا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قناديله‭ ‬التي‭ ‬انطفأت‭:‬‮ ‬ ‭(‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الليل‭ ‬الموزع‭ ‬بين‭ ‬فرح‭ ‬غاب‭ ‬وفرح‭ ‬عائد،‭ ‬جلس‭ ‬ظاهر‭ ‬في‭ ‬الحديقة‭ ‬مع‭ ‬نجمة‭ ‬حتى‭ ‬الصباح،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صوته‭ ‬هناك‭ ‬لأحست‭ ‬نجمة‭ ‬أنها‭ ‬أمضت‭ ‬الليل‭ ‬وهي‭ ‬تكلم‭ ‬نفسها‭.‬ ‭- ‬تعرفين‭ ‬يا‭ ‬أمي‭! ‬لم‭ ‬تزل‭ ‬ليلة‭ ‬القناديل‭ ‬تلح‭ ‬علي‭ ‬بين‭ ‬وقت‭ ‬وآخر‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬بعيدة،‭ ‬وظل‭ ‬قنديلي‭ ‬الذي‭ ‬انطفأ‭ ‬مشتعلا‭! ‬ولكني‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬أحسه‭ ‬يخبو‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬كلما‭ ‬رأيت‭ ‬قنديلا‭ ‬أحبه‭ ‬يطفأ‭. ‬لقد‭ ‬انطفأ‭ ‬قنديل‭ ‬أبي،‭ ‬ليكون‭ ‬لي‭ ‬قنديل،‭ ‬وانطفأت‭ ‬قناديل‭ ‬عباس‭ ‬والشيخ‭ ‬حسين‭ ‬وأخي‭ ‬صالح،‭ ‬وأخي‭ ‬سعد،‭ ‬وقنديل‭ ‬نفيسة،‭ ‬وقنديل‭ ‬بشر،‭ ‬وقنديل‭ ‬الجهجاه‭ ‬وقنديل‭ ‬صليبي،‭ ‬ولا‭ ‬تستغربي‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬قنديل‭ ‬الأمير‭ ‬رشيد‭ ‬الجبر‭ ‬أيضا‭! ‬كأن‭ ‬قنديلي‭ ‬الذي‭ ‬انطفأ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قنديلي،‭ ‬كان‭ ‬قنديل‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬أما‭ ‬قنديلي‭ ‬فكان‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القناديل‭ ‬التي‭ ‬انطفأت‭ ‬واحدا‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭.‬ ‭- ‬لكنني‭ ‬مازلت‭ ‬حية‭ ‬يا‭ ‬ظاهر،‭ ‬أم‭ ‬إنني‭ ‬لست‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬القنديل‭.)‬ وفي‭ ‬التركيب‭ ‬الإضافي‭ (‬ملك‭ ‬الجليل‭) ‬تقدح‭ ‬عبارة‭ ‬ملك‭ ‬الجليل‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬القارئ‭ ‬صورة‭ ‬مرئية‭ ‬لملك‭ ‬يتربع‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬مملكته‭. ‬فالقارئ‭ ‬إذن‭ ‬بصدد‭ ‬رواية‭ ‬تسرد‭ ‬تأريخ‭ ‬زعيم‭ ‬وشعب‭ ‬ومملكة‭.‬‮ ‬ هنا‭ ‬أخرجت‭ ‬العبارة‭ ‬كل‭ ‬الأجناس‭ ‬الروائية‭ ‬الأخرى‭.. ‬فليس‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬الملوك‭ ‬إلا‭ ‬الملاحم‭. ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬تشي‭ ‬بالسلطة‭ ‬والقوة،‭ ‬ونفاذ‭ ‬الأمر‭.‬‮ ‬ولكن‭ ‬القارئ‭ ‬سيكتشف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البطل‭ ‬الملك‭ ‬لم‭ ‬يعلن‭ ‬يوما‭ ‬نفسه‭ ‬ملكا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عارف‭ ‬حكيم،‭ ‬رجل‭ ‬متواضع‭ ‬صاحب‭ ‬شيمة‭ ‬وحميَّة‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭. ‬باختلاف‭ ‬أديانهم‭ ‬كالنصارى‭ ‬واليهود،‭ ‬وعقائدهم‭ ‬ومذاهبهم‭ ‬كالمتاولة‭ ‬شيعة‭ ‬لبنان،‮ ‬أما‭ ‬كلمة‭ ‬ملك‭ ‬فإنما‭ ‬أطلقها‭ ‬عليه‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬النصراني‭.‬‮ ‬ أما‭ ‬دلالة‭ ‬المضاف‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ (‬الجليل‭) ‬فتذهب‭ ‬بالقارئ‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬مسرح‭ ‬الحدث،‭ ‬ليسأل‭ ‬عن‭ ‬مغزاها‭ ‬الذي‭ ‬يحيله‭ ‬إلى‭ ‬موسوعة‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬ليعرف‭ ‬أن‭ ‬ارض‭ ‬فلسطين‭ ‬وما‭ ‬جاورها‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬ولبنان،‭ ‬تلك‭ ‬الرقعة‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬الخصبة‭ ‬والمراعي،‭ ‬تقع‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬لتصافح‭ ‬وجهه‭ ‬مدن‭ ‬عريقة‭ ‬كالناصرة‭ ‬وصفد‭ ‬وعكا‭ ‬وحيفا‭. ‬إن‭ ‬اتجهت‭ ‬جنوبا‭ ‬ألفيت‭ ‬مرج‭ ‬بني‭ ‬عامر،‭ ‬وإن‭ ‬اتجهت‭ ‬غربا‭ ‬وجدت‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬وإن‭ ‬ارتقيت‭ ‬شمالا‭ ‬وطئت‭ ‬الأراضي‭ ‬اللبنانية‭ ‬الجنوبية‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تستنشق‭ ‬هواء‭ ‬بحيرة‭ ‬طبرية‭ ‬العليل‭.‬‮ ‬ فعتبة‭ ‬العنوان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬النصوص‭ ‬المجاورة‭ ‬للنص‭ ‬الرئيس‭. ‬يختزل‭ ‬طوله‭ ‬وعرضه‭ ‬وعمقه‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬بضع‭ ‬كلمات‭ ‬يسند‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا‭.. ‬وكأنها‭ ‬سلة‭ ‬من‭ ‬أطعمة‭ ‬النص‭ ‬يقدمها‭ ‬الكاتب‭ ‬للضيف‭ ‬القارئ،‭ ‬يتناول‭ ‬منها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬الفكرية‭ ‬والنفسية‭ ‬والميثالوجية‭ ‬والتأريخية‭ ‬والجغرافية،‭ ‬في‭ ‬تعالق‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬النص‭. ‬فيضيء‭ ‬قناديل‭ ‬الردهة‭ ‬المؤدية‭ ‬إليه،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطأ‭ ‬رجله‭ ‬حرم‭ ‬الرواية‭. ‬فيحفزه‭ ‬ويشوقه‭ ‬لاستكناه‭ ‬خفاياه‭ ‬وأسراره‭ ‬التي‭ ‬وجهه‭ ‬إليها‭ ‬ذلك‭ ‬العنوان،‭ ‬الذي‭ ‬صيغ‭ ‬بعناية‭ ‬بالغة‭. ‬بل‭ ‬حرص‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬مرافقته‭ ‬للقارئ‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحطات‭.. ‬وكأنه‭ ‬أبى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬العنوان‭ ‬فانوسا‭ ‬يتلمس‭ ‬به‭ ‬القارئ‭ ‬طريقه‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬حرف‭ ‬في‭ ‬الرواية‭.‬‮ ‬ *‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬البحرين

مشاركة :