بقلم: سيسيل بريور تدور حرب نفوذ مباشرة ما بين الولايات المتحدة وحلفائها, وخاصة منهم الأوروبيون, من جهة, والصين وروسيا, من جهة أخرى, بدعم من إيران. هناك رؤيتان للعالم ونوعان من الأنظمة السياسية ذات المصالح المتضاربة التي تواجه بعضها البعض. بعيدًا عن التبادلات الهادئة التي تحدث عادةً في القمم الدبلوماسية, كان الاجتماع, الذي عُقد في ألاسكا أكثر برودة، بل إنه كان مثل الصقيع الذي تتجمد له الدماء في العروق. ففي يوم في 18 مارس 2021، تبادل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أسماء الطيور مع نظيره الصيني, يانغ جيتشي, خلال مناقشتهما على أرض محايدة في أنكوريج. أمام عدسات الكاميرات وتحت أنظار أعيان المراسلين الصحفيين الذي جاؤوا من كل حدب وصوب فقد انخرط الرجلان في الكلام الذي اتسم بحدة نادرة في حرب مواقف معلنة وغير معلنة، حيث اتهمت أمريكا الصين بـارتكابها «أفعالا من شأنها تهديد استقرار العالم»، فيما راحت الصين تندد وتستنكر سعي الولايات المتحدة إلى «فرض ديمقراطيتها على بقية دول العالم عنوة». نادرًا ما تم التعبير عن مثل هذا الصدام العلني ما بين كتلتين متعاديتين تتنافسان بكل الطرق من أجل تكريس الهيمنة على بقية دول ومناطق وشعوب العالم وهو ما أثار الكثير من التساؤلات وأطلق العنان للكثير من الكتابات والتحاليل السياسية التي أسهب أصحابها في الحديث عن مستقبل العلاقات الدولية، بل إن الكثير منهم بدأوا يتحدثون عن ظهور إرهاصات حرب باردة جديدة. لقد خلنا وخال الكثيرون في العالم أن مفهوم الحرب الباردة قد دخل طي النسيان وذهب إلى مقابر التاريخ مع سقوط جدار برلين وانهيار الكتلة السوفيتية وتفكك المعسكر الشرقي. ها هو مفهوم الحرب الباردة يستدعى من جديد من أجل وصف المواجهة الوحشية التي بدأت تشكل الآن علاقات القوة الدولية. في الأشهر القليلة الماضية, تبدد ضباب سنوات ترامب في النظام العالمي. إذا أظهر الرئيس الأمريكي السابق رضا كبيرا تجاه روسيا والأنظمة الأوتوقراطية, فلا يوجد مزيد من الغموض الآن: تدور حرب مباشرة بين الولايات المتحدة وحلفائها, ولا سيما الأوروبيين, ومن ناحية أخرى, الصين وروسيا, بدعم من إيران. خلال الأسابيع الأخيرة, تصاعدت المناوشات. عقوبات الولايات المتحدة على القادة الصينيين لإدانتهم للقمع العنيف للأويجور؛ انتهاك خطير للمجال الجوي التايواني من قبل الصين بعد أن وقعت الجزيرة اتفاقية تعاون أمني معزز مع الأمريكيين؛ استئناف التوترات بين أوكرانيا وروسيا في دونباس؛ اختطاف وحشي من قبل بيلاروسيا لصحفي معارض من خلال اختطاف طائرة ركاب في وجه ولحية الأوروبيين. كتلة تناصب كتلة أخرى العداء، رؤيتان للعالم، شكلان من أشكال النظام السياسي و مصالح لا يمكن التوفيق بينها لأنها ببساطة تقف على طرفي النقيض. لقد ولت منذ زمن بعيد تلك الأيام التي كان فيها المعسكر الغربي، في أعقاب سقوط الجدار, قد قرر بسذاجة «نهاية التاريخ»* وظهور الديمقراطية عاجلاً أم آجلاً في أعقاب الاقتصاد الليبرالي. فعندما أصدر فرنسيس فوكوياما كتابه (نهاية التاريخ)، والتي يطرح فيه رؤية ساذجة للتاريخ وقراء خاطئة لطبيعة الدول والعلاقات الدولية راح الغرب يتغنى بدوره بأسطورة نهاية التاريخ. أما اليوم فإن الولايات المتحدة وحلفاؤها يرون أن دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية على النمط الغربي لم تعد تمثل الأغلبية في العالم وهي تتعرض إلى التحدي بل والرفض من قبل النفوذ المتزايد للدول غير الليبرالية. كان الرئيس الأمريكي جو بايدن أول من دق ناقوس الخطر في شهر فبراير الماضي عندما خطب يقول: «إن الديمقراطيات تتعرض للهجوم» قبل أن يؤكد لحلفائه أن «أمريكا عادت». في يوم 6 يونيو 2021، دق الإسفين مرة أخرى عندما قال في مقال نشر في صحيفة الواشنطن بوست قبل بضعة أيام من اللقاء الذي جمعه في جنيف بسويسرا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوم 16 يونيو: «لن يكون هناك شك في أن قرار الولايات المتحدة هو الدفاع عن قيمنا الديمقراطية»، متعهداً بتعزيز «تحالفاته» في مواجهة التهديدات المتزايدة من موسكو وبكين. هذه التصريحات ليست مجرد واجهة. لأن الدول الغربية تتعرض الآن للهجوم على أرضها, كما رأينا مع التدخل الخطير للقراصنة الروس في الاستطلاع الأمريكي لعام 2016. هجمات الكمبيوتر والحرب الإلكترونية, وتسلل المؤسسات, وحملة التسمم والأخبار المزيفة: كل من روسيا والصين استخدم جميع الأساليب الحديثة لزعزعة الاستقرار, والتي لا تستبعد بأي حال الأساليب الإجرامية القديمة الجيدة مثل محاولات تسميم المعارضين الروس في أوروبا. في فرنسا, يُمارس النفوذ الروسي من خلال وسائل الإعلام الملائمة والمنافذ السياسية, والتي يلعب الكثير منها في أيدي اليمين المتطرف. يجب أن تؤخذ الحرب الباردة الجديدة على محمل الجد لأنها تدور الآن في الداخل: ضد الجواسيس الذين يأتون من البرد, وأسلحة الديمقراطية التي هي حرية التعبير, وقوة الصحافة ودعم معارضي الأنظمة. الرؤساء هم كذلك أكثر أهمية من أي وقت مضى. لا شك أن المشهد أحادي القطب الذي تهيمن عليه القوة العظمى الأمريكية قد تفكك مما يخلق أرضية لإعادة هيكلة العلاقات الدولية حول نمط قطبين متعارضين. يحدث كل شيء وكأن نظام الكتل, الذي اعتقدنا أنه قد انتهى, قد أعيد إحياؤه مع كل أبطاله: من ناحية, تقود واشنطن «العالم الحر», من ناحية أخرى, «المشتبه بهم المعتادون», موسكو وبكين، مع الفارق أن الصين هي التي تتولى القيادة هذه المرة وروسيا التي تلعب دور «السكاكين الثانية». إذن ما الذي حدث بحيث سيطر القلق فجأة على الوزارات ومراكز الفكر ووسائل الإعلام؟ لم تشرع روسيا ولا الصين في اتخاذ إجراء يضع الكوكب على حافة الهاوية. لا شيء جديد في «اللعبة الطويلة» التي يلعبها هذان البلدان منذ عشر سنوات على الأقل. يعتبر الغرب أن روسيا والصين تسعيان، كل بأسلوب مختلف، إلى تقويض المجتمعات الحرة من أجل «إعادة تشكيل» النظام العالمي القائم حاليًا على القيم التي يكرهونها. يعتبر بالنسبة إلى الرئيس بوتين أن سقوط الاتحاد السوفيتي - الذي يسميه «أعظم كارثة جيوسياسية في التاريخ» – هو أساسا خطأ ارتكبه الغرب. أما الحزب الشيوعي الصيني فإنه ينسب حركة تيانانمين التي حدثت في سنة 1989 إلى مناورة غربية، لكن الخصم قوي للغاية، ومن الأفضل أن «تظل بعيدًا عن الأضواء وتنتظر وقتك», كما قال دنغ شياو بينغ. في سنة 2013 كانت الأزمة السورية مستعرة وكان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يحذر بشار الأسد: استخدام الأسلحة الكيماوية يشكل «خطا أحمر» وهو الخط الذي أسقطه الرئيس السوري في اليوم التالي حيث تم قصف إحدى ضواحي المعارضة في دمشق بغاز السارين. تقرر الانتقام في يوم الحادي والثلاثين أغسطس لكن أوباما يتجاهل «خطه الأحمر» في اللحظة الأخيرة في تراجع تاريخي فادح. أما بالنسبة للأطراف التي لاتزال تبكي على انهيار الاتحاد السوفيتي فإنها اعتبرت ذلك التراجع دليلا على ضعف الولايات المتحدة الأمريكية ونهاية مرحلة هيمنت فيها أمريكا على العلاقات الدولية بالطول والعرض. بعد ستة أشهر, قام بوتين بضم شبه جزيرة القرم واحتلال إقليم دونباس الأوكراني - الأمر الذي سيؤدي إلى عقوبات اقتصادية. في ظل اللامبالاة الغربية, راح الرئيس الصيني شي جين بينج يعزز نفوذ بلاده في بحر الصين للمطالبة بالمياه الدولية التي يمر عبرها 30% من التجارة العالمية. والأفضل من ذلك: في زيارة رسمية للبيت الأبيض في سبتمبر 2015, وعد أوباما بعدم عسكرة هذه الجزر الاصطناعية التي أقامتها سلطات بيكين. في سنة 2013 فتحت سلطات بكين صفحة جديدة في تنافسها المتصاعد مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مع إطلاق مشروع «طرق الحرير الجديدة» الذي يعكس رغبة الصين في استخدامه كقوة ناعمة لتكريس الانتشار في جميع أنحاء العالم، وغالبًا ما يضع الدول المشاركة في هذا المشروع تحت التأثير الصيني. تكمن وراء هذا النشاط قناعة مشتركة بين موسكو وبكين بأن القوة العظمى الأمريكية دخلت في الانحدار. تعتقد الصين أن الوقت قد حان لتولي القيادة العليا في العالم والتأثير في خريطة العلاقات الدولية أكثر من أي وقت مضى. على الرغم من فورة الغضب التي أبداها الرئيس السابق دونالد ترامب، وعلى الرغم من الأضرار التي سببتها الحرب التجارية, إلا أن الصين تواصل مسيرة الصعود وهو ما يتجلى في زيادة أسلحتها وحيازتها للتكنولوجيات المتقدمة ووصولها إلى القمر والمريخ ونجاحها في بناء محطة خاصة بها في الفضاء. إن المجتمع الدولي يشهد ما يشبه مسيرة لا هوادة فيها نحو الهيمنة. لكن كيف تتصرف في ظل هذا الوضع وفي الضعف الأوروبي وانحدار النفوذ الأمريكي في العالم؟ لا شك أن بكين وموسكو ليستا منخرطتين في أي عدوان مسلح, ولكن في «حرب مختلطة» متقنة, يصعب استيعابها. في منطقة آسيا والمحيط الهادئ, تلتزم الصين بإجراءات «المنطقة الرمادية»: إنها متعبة من حيث الأعداد لكنها لا تزال أقل من الحد الذي يبرر الرد العسكري. في خضم هذا الارتباك بدأت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تتفشى في مختلف مناطق العالم. إن الطريقة التي تستخدم بها بكين, التي تنكر أي مسؤولية, الأزمة لتضع لنفسها نموذجًا للعالم, هي بمثابة شرارة. تدرك الولايات المتحدة ودول أخرى الخطر الوجودي الذي يخيم على ديمقراطياتها. بعد عقود من خداع النفس والغرق في الوهم القائل بأن «الديكتاتورية» كانت قابلة للذوبان في النمو والعولمة أخذ الغرب أخيرًا في الاعتبار الكراهية العميقة التي يحملها خصومه لقيمه - حقوق الإنسان والحريات ودولة القانون. تثبت الصين وروسيا أنهما قوتان تميلان إلى نهج «المراجعة». إنهما تريدان تغيير الوضع الدولي الراهن الذي يعتبرانه مخالفًا لمصالحهما. لذلك فإنهما لا تريان أي داع لمواصلة سياسة الاسترضاء والتعاون والتوافق. ها هو وقت ما يسمى على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي «المنافسة الاستراتيجية» وفي أوروبا «التنافس المنهجي». في واشنطن تغيرت النغمة بشكل كبير وكانت البداية مع روسيا على وجه الخصوص. اعتبارًا من أغسطس 2020, حذر المرشح الديمقراطي والرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن قائلا: (على عكس ترامب, سأدافع عن قيمنا الديمقراطية وأقف ضد المستبدين مثل بوتين). وبالكاد يتم تنصيبه في البيت الأبيض يطلق على سيد الكرملين «القاتل», وأقسم أن يجعله «يدفع الثمن» لعملياته التخريبية التي استهدفت الانتخابات الأمريكية. رغم هذه اللهجة الحادة فقد التقى الزعيمان في 16 يونيو في جنيف في محاولة لضخ «القدرة على التنبؤ في العلاقة». لنرى كيف سيكون الجو على أي حال بعد سنوات ضوئية من الاجتماع مع أوباما في عام 2015, الذي أشاد «بالعمل الاستثنائي الذي أنجزه بوتين نيابة عن الشعب الروسي» وفق كلام المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض. أما مع الصين، فإنه يبدو أن الطلاق لا رجعة فيه. فقد فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سلسلة من العقوبات على الصين خلال فترة ولايته التي امتدت أربع سنوات وانتهت في يناير 2021. بعد مرور ستة أشهر على انتخابه وتوليه مقاليد الرئاسة في 20 يناير 2021 لم يخفف جو بايدن العقوبات بل إنه اضاف في قائمة الشركات الصينية المدرجة في القائمة السوداء. خطب جو بايدن يقول متحدثا عن القوة الصينية الصاعدة بسرعة: «إنهم سوف يتفوقون علينا بكل قوة بحلول عام 2030 أو 2035 إذا لم نرد بقوة. ... إن هدف الصين هو أن تصبح رقم واحد في العالم, الدولة الأكثر ثراءً وقوة. لن يحدث هذا تحت إدارتي». هذه ليست مواجهة بين القوى المتنافسة. إنها «معركة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية». سعيا منه لخوض هذه المعركة راح بايدن يعيد أمريكا إلى قلب المؤسسات الدولية التي هجرها ترامب وينهي ما يسميه الأوروبيون «فترة العزلة الأمريكية» التي أحبطتهم في عهد دونالد ترامب. بعد ذلك وجه الدعوة إلى الدول «التي تشترك في نفس الرؤية للعالم» - أستراليا والهند وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية - للانضمام إلى قمة مجموعة السبع التي عقدت في الفترة من 11 إلى 13 يونيو في كورنوال في رسالة موجهة مباشرة إلى الصين وروسيا. ينظر الغرب بأعين الريبة إلى ما يعتبره تقاربا غير مسبوق بين الصين وروسيا. لم يكن الأمر كذلك في الأشهر الأخيرة, لكنه أصبح جليا لدرجة أنه يمكننا الآن التحدث عن اتفاق، بل حتى شبه تحالف. أفاد تقرير استخباراتي أمريكي تم تقديمه إلى مجلس الشيوخ في عام 2019 بأنه لم يسبق لروسيا والصين أن كانا بلدين متحالفين أبدًا منذ سبعين عامًا. تقول أندريا كيندال تيلور، مديرة برنامج الأمن عبر الأطلسي في مركز الأمن الأمريكي الجديد: «يذهب هذا التآزر بين البلدين إلى أبعد مما يعتقد. فالصين تلتف على الحظر عن طريق شراء أنظمة أسلحة متطورة من روسيا: تقنيات مضادة للطائرات وللسفن وللطائرات والغواصات من أجل الوقوف في وجه أمريكا». «يقوم البلدان بتكثيف المناورات المشتركة الرئيسية. مثل مناورات فوستوك في سيبيريا في سبتمبر 2018, ثم في المحيط الهندي وبحر البلطيق وحتى في البحر الأبيض المتوسط في إشارة واضحة إلى رغبتهما في تحدي الهيمنة الأمريكية.. من غير المعروف إلى متى سيستمر هذا التقارب. ولكن, في الوقت الحالي, يسمح هذا التقارب الواضح للبلدين بزيادة ظهورهما على الساحة الدولية». بالإضافة إلى الصين وروسيا يشمل هذا المحور أيضا إيران وكوريا الشمالية, وهي كلها دول مرتبطة بمصالح استراتيجية متقاربة وحتى اتفاقيات أمنية. كما أن لديهم العديد من الأشياء المشتركة مثل خطط التوسع الإقليمي والأسلحة النووية والتوق إلى المجد الإمبراطوري والرغبة في الانتقام من «الإهانات» الماضية. يمكن للآخرين الانضمام إليهم مثل بورما, أو ميانمار حاليا، إضافة إلى فنزويلا وباكستان وكوبا وغيرها. سيكون هذا المحور قوياً بما يكفي لتحدي التحالف الغربي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى بنائه. في هذا الصدد يقول المؤرخ الصيني المنشق وانج دان، الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية: «لم يتضح بعد ما إذا كانت حرب عالمية ثالثة ستندلع, لكن هناك نمط خطير من المواجهة العسكرية آخذ في الظهور وهو بصدد التشكل». يتمثل السيناريو الذي يخشاه الأمريكيون أكثر من غيرهم في حدوث هجوم متزامن على جبهتين. لقد تجلى ذلك السيناريو على أرض الواقع في الآونة الأخيرة عندما حشد بوتين 100000 جندي على حدود روسيا مع أوكرانيا فيما انتهكت الطائرات المقاتلة الصينية المجال الجوي التايواني ثلاثين مرة في يوم واحد. ثم هدأ كل شيء لسبب غير مفهوم. هل كانت بروفة؟. يعكف مستشارو الرئيس بايدن على تصور عشرات السيناريوهات المتصاعدة وهم يفكرون في طرق لمعالجتها. في هذا الصدد يعتبر الخبير المختص في الأمن عبر الأطلسي أندريا كيندال تايلور أنه من الأفضل منع تشكل جبهة مشتركة بين روسيا والصين والعمل على الاستفادة القصوى من كل تناقضاتهما، مع السعي إلى إقناع المستشارين العاملين مع الرئيس بوتين بأن اتفاقًا جزئيًا مع واشنطن أفضل من الخضوع للصين. اقترح مايكل أوهانلون, الباحث في معهد بروكينجز, إنشاء «منطقة عازلة» لدول عدم الانحياز في أوروبا الشرقية، بما في ذلك دول مثل فنلندا والسويد وأوكرانيا وصربيا، على أن يحاول مخططو حلف الناتو توسيع نطاق هذه القوة الأوروبية حتى تصل إلى منطقة شرق آسيا. كان جيم تاونسند مسؤولاً في البنتاجون عن السياسة تجاه أوروبا وحلف شمال الأطلسي في إدارة أوباما، وهو لايزال يؤمن بفاعلية الجبهة الموحدة وهو يقول في هذا السياق: «يجب على قادة الغرب - الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة - التحدث بصوت واحد والقول لروسيا وأنصارها: لن نتسامح مع هذا وسنفرض عقوبات مؤلمة». تقول الممثلة التجارية كاثرين أن خطة بايدن في التعامل مع القوة الصينية تتمثل في استخدام «كل أداة أو وسيلة متاحة» وذلك من أجل وضع «استراتيجية أكثر منهجية من تلك التي كانت تعتمدها الإدارة الأمريكية السابقة». تتمثل الأولوية الأكثر أهمية والتي تحتل الصدارة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في وضع ما يسمى «استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ» التي تشجع حلفاء واشنطن على التحدث مع بعضهم البعض وإنشاء تحالف عسكري إقليمي من شأنه أن يعقد مهمة القوات الصينية في حالة اندلاع نزاع. هذه فرضية لا يمكن استبعادها، وفقًا لجياديفا رانادي، مستشار الحكومة الهندية ورئيس مركز الصين للتحليل والاستراتيجية في نيودلهي. لذلك يتم إنشاء تحالفات مختلفة على عجل وخاصة منها تحالف «الرباعي» الذي يجمع ما بين بين اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة. أنشأت فرنسا، الذي تنشط كثيرا في المنطقة «محور باريس - دلهي – كانبيرا» وقد أجرى هذا المحور فعلا أولى مناوراته البحرية. قال رانادي: «في كل هذه البلدان، يعتقد الدبلوماسيون أنه من خلال التحدث إلى الصينيين يمكنهم حل المشكلات لكن الصين لا تستمع إلى أي شخص وهي تسير في طريقها الخاص وماضية في نهجها. الجميع يفهم ذلك الآن, لكنني أخشى أن يكون قد فات الأوان». هناك بالفعل الكثير من السفن والطائرات التي تعبر وتحدق في بعضها البعض وتتحدى بعضها البعض في المنطقة. لن يستغرق الأمر سوى حادث واحد يشعل شرارة لتتحول الحرب الباردة الجديدة إلى صراع مسلح. لعل ما يخفف من مشاعر القلق هو أنه, على عكس الكتلتين المغلقة قبل خمسين عامًا, فإن الاقتصادات في عالمنا المعولم مترابطة بشكل وثيق، ناهيك وأن ثلثي دول العالم - بما في ذلك الحلفاء الذين يستقطبهم جو بايدن يكثفون من مبادلاتهم التجارية مع الصين أكثر مما يفعلون مع الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يضع إدارة جو بايدن أمام تحد كبير لتمرير استراتيجيته. بدأت واشنطن وحلفاؤها الآسيويون، أي اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، بالفعل في نقل العديد من خطوط التصنيع الموجودة في الصين، وخاصة تلك المتعلقة بما يسمى المنتجات «الاستراتيجية». تدريجيا بدأ شريان الحياة للاقتصاد المعولم بالانسحاب من الصين. تسعى سلطات واشنطن بالتوازي مع ذلك، وعلى غير عادتها، إلى تعبئة أقصى ما يمكن من موارد الدولة وذلك من أجل تعزيز قدرتها على الابتكار. ففي خطوة نادرة في ظل حالة الاستقطاب الحادة، اتفق الجمهوريون والديمقراطيون على تمرير قانون الابتكار والمنافسة الأمريكي, وهو قانون يهدف إلى منح الولايات المتحدة الوسائل للتنافس مع الصين في سباق التقنيات المتقدمة، علما بأنه سيتم استثمار 250 مليار دولار من الأموال الجديدة في البحث العلمي والتقني. هناك نصوص تشريعية أخرى في طور الإعداد وهي تهدف جميعا إلى حماية الصناعات الوطنية وتعزيز «صنع في أمريكا». كيف نفسر مثل هذا الإجماع؟ تقدم الرأي العام على السياسة نفسها، حيث أظهرت الأرقام الإحصائية أن نسبة الآراء السلبية في الولايات المتحدة تجاه الصين قد ارتفعت، وفقًا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث، من 47% في عام 2017 إلى 73% في عام 2020. تظهر الدراسات أن نفس هذه الظاهرة تتجلى في أربعة عشر دولة ديمقراطية. بوسطن جلوب
مشاركة :