اتفاق رباعي يعيد ضخ الغاز المصري في الأنابيب إلى لبنان، مروراً بالأردن وسوريا ، بعد أحد عشر عاماً على توقفه لتشغيل أحد معامل الكهرباء الرئيسية في البلاد الغارقة في أزمة مالية واقتصادية خانقة. فهل يندرج الأمر في إطار المساعدة للبنان أم أنه إحياءٌ أوسعُ نطاقاً لمشروعٍ طموحٍ ٍاسمه خط الغاز العربي؟ هذا المشروع مضى عليه أكثر من عقدين مِلْؤها العُقَد، كان من المفترض خلالَها أن يُنقل الغازُ المصري إلى الأردن وسوريا ولبنان، وفي مرحلة لاحقة إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، في شبكة يصل طولها إلى 1200 كيلومتر. تقلبت الظروف السياسية وتأرجحت مستويات إنتاج الغاز في مصر، فتعطل المشروع قبل عشر سنوات، لكنه يعود اليوم إلى صدارة الأحداث، مع الإعلان عن إحياء اتفاق قديم لتزويد لبنان بالغاز المصري عبر هذا الخط، لتشغيل محطة الكهرباء في ديرعمار شمال لبنان. إنشاء المشروع تدرّج على مراحل، المرحلة الأولى بين العريش والعقبة الأردنية تم إنجازها في يوليو 2003، بطول 265 كيلومترا، وبسعة 350 مليار قدم مكعبة يومياً، والمرحلة الثانية من العقبة إلى الرحاب داخل الأردن، أنجزت في 2005، بطول 390 كيلومتراً. أما المرحلة الثالثة من الأردن إلى دير علي قرب دمشق، بطول 324 كيلومتراً، ومنها إلى حمص وسَط سوريا. وقد تم إنجازها عام 2008، وكانت مصر تضخ عبرها 90 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز إلى سوريا. والمرحلة الرابعة كان من المفترض أن تصل بين حمص وشبكة الأنابيب التركية، لإيصال الغاز المصري إلى أوروبا، لكن المشروع تعثر، وأنجزت منه فقط الوصلة بين حلب وتركيا بطول 15 كيلومترا، وبالتوازي، تم إنشاء وصلتين، إحداهما بين حمص وبانياس داخل سوريا، والأخرى بين حمص والبداوي شمال لبنان. الوصلة مع لبنان أنجزت عام 2009، وبدأت بضخ 28 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً لتشغيل أحد معملي الكهرباء في ديرعمار، من خلال عملية مقاصة مع سوريا، بحيث يصل الغاز المصري إلى دمشق، في حين تزود سوريا لبنان بالغاز من حمص. وكان يفترض أن ترتفع الكمية تدريجياً إلى 60 مليون قدم مكعبة لتشغيل المعمل الآخر في دير عمار، لكن التصدير توقف بعد أشهر قليلة. واعتباراً من مارس 2012 توقف تصدير الغاز المصري إلى سوريا تماماً بعد سلسلة من عمليات التفجير للأنابيب في سيناء وبسبب الحرب في سوريا. وكان هناك عاملٌ آخرٌ حاسمٌ هو تناقص الإنتاج المصري المتاح للتصدير، خصوصاً مع نمو الاستهلاك المحلي، لدرجة أن مصر تحولت في تلك الفترة من تصدير الغاز إلى إسرائيل إلى استيراده منها. نقطة التحول كانت في الاكتشافات الكبيرة للغاز في مصر، لاسيما حقل ظُهر عام 2014، والذي أعاد مصر إلى حالة الاكتفاء الذاتي من الغاز اعتباراً من سبتمبر 2018. حالياً، وصل الإنتاج المصري إلى 7.2 مليار قدم مكعبة يومياً، بينما بلغ متوسط استهلاكها المحلي العام الماضي 5.8 مليون قدم مكعبة، وبالتالي لدى مصر فائض كبير متاح للتصدير يفوق المليار قدم مكعبة، وهي كمية أكثر من كافية لحاجات الأردن ولبنان، وربما سوريا. وبعد الموافقة الأميركية على استثناء تصدير الغاز المصري إلى لبنان من عقوبات قانون قيصر على سوريا، تبقى مشكلة وحيدة هي تأهيل خط الأنابيب بعد سنوات طويلة من التوقف وعمليات التخريب. لكن العقبات التقنية تبقى أهون المشكلات على أي حال، إذا ما أَخْلَت العقباتُ السياسيةُ والأمنية الطريقَ أخيراً في هذا الشرقِ الملتهب. وقال جمال القليوبي أستاذ هندسة البترول والطاقة وعضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية، إنه كان هناك طموحات بدأت في عام 2000 لدى القطر المصري بدفع كميات الغاز المنتجة عبر المتوسط لخدمة الاقتصاد اللبناني بالدرجة الأولى. وأوضح أن الاقتصاد اللبناني سيستفيد من الغاز المصري لتوليد الكهرباء وعمل المصانع. وأشار إلى أن مصر لديها بنية تحتية قوية لتسييل الغاز الطبيعي، واستخدامه، فلديها محطتان لإسالة الغاز، و11 مجمعا للبتروكيماويات و21 مصنعا للأسمدة. وأوضح أن الدولة المصرية تطمح أن يكون لديها قيمة مضافة من فائض الغاز، في الوقت الذي تلتزم فيه بالاتفاقيات مع دول الجوار. وذكر أن مصر سيكون لديها متسع من زيادة قيمة المضافة من الغاز، ليس فقط بضخة، ولكن في الصناعات الملحقة به، فتسعى مصر إلى أن تكون ضمن الدول التي تحتكر صناعة تسييل الغاز الطبيعي وعددهم الآن ست دول تسيطر على سوق حجمه 1.6 تريليون دولار، والنقطة الثانية تسعى لزيادة قدرتها في مجال البتروكيماويات والأسمدة عبر استخدام فائض الغاز.
مشاركة :