ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي في منتصف التسعينات في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الربع الأخير من القرن الماضي دخلت الحياة البشرية في دائرة الارتباط أكثر فأكثر بوسائل الاتصال، لما له من أهمية كبيرة في حياة الأفراد والجماعات والتنظيمات المجتمعية. وهذا ما بات جلياً للجميع. وفي هذا السياق حققت مملكة البحرين المركز الرابع عالمياً على مؤشر البنية التحتية للإتصالات، وهذا يشير إلى أن جميع سكان المملكة تتوفر لديهم خدمة الهاتف المتنقل بنسبة 118 % وقد بلغ عدد المشتركين 2.16 مليون مشترك. ولعل هذا الرقم يدعونا للسؤال؛ هل حلّ العالم الافتراضي على الأسرة بالقدر الذي غابت فيه اللقاءات الأسرية؟؟ تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرت إلى درجة الإدمان، حتى باتت بديل عن العالم الحقيقي، وصرنا نتحدث عن النهم الاستهلالكي لهذه المواقع، وقد أصبحت أحد أهم المواضيع المحمومة اليوم والتي تشغل الأسرة والمختصين في مجال الإرشاد الأسري والنفسي على السواء. فتواجه الأسرة مع أبنائها الكثير من التحديات والتغيرات نتيجة دخول بعض الثقافات والمتغيرات عن طريق تطبيقات الهواتف الذكية، كما تواجه مراكز الارشاد الأسري والمرشدين النفسيين والاجتماعيين دراسة وعلاج مشكلات العصر الرقمي، وتطوير البرامج للتعامل مع الأسرة لتواجه العالم الافتراضي وما يحمله من أنماط حياة لا وجود لها على أرض الواقع في مجتمعنا، حيث مظاهر الثراء الفاحش وعادات الأكل والشرب والأزياء والترفيه وأساليب العمل، فضلاً عن ما خلفته من الاتجاه نحو العزلة والنفور من الواقع والذي يأتي على حساب أنشطة اجتماعية عديدة يحتاج إليها الفرد لإعداد نفسه اجتماعيًا للحياة. أضف إلى ذلك مفهوم القوة والممارسات التي تمجد السلطة والجنس وتبرز علاقات العنف والسيطرة والتفكك الإنحرافي بطريقة تشويقية. إن وظيفة الأسرة منذ الأزل وهي المؤسسة الأولى التي يتلقى فيها الفرد منذ نعومة أظافره القيم والمعايير الأخلاقية، وهي التي تقوم بعملية التنشئة الاجتماعية للطفل الذي يتعلم منها مهارات الحياة الأساسية، ويؤدي أفرادها الأدوار والواجبات المتبادلة بين بعضهم، بهدف إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لأفرادها، لكونها الوحدة التي تتشكل فيها عمليات التفاعل الاجتماعي الأولى. لقد فرضت مواقع التواصل الاجتماعي نفسها على كل أسرة، فباتت مهمة الأسرة شاقة في المحافظة على القيم والموروثات الثقافية، حيث أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في دمج الثقافات واستحدثت ثقافات وقيم و غابت أخرى، ثم طغت ثقافات وترسخت ثقافات أخرى. والتبس الأمر على الأسرة كيف تنقل قيمها الأصيلة إلى أبنائها. ولأنّ المنع مضيعة للوقت، ولأنّ التكنولجيا سبّاقة، وجبّ علينا العمل بجد والتفكير بجدية في وضع أسس فعّالة للتعامل مع هذه الوسائل وتدريب الأبناء على حسن الاستغلال والاستفادة من الجوانب الايجابية الوفيرة؛ بحيث يصبح من الممكن التصدي لها والتخفيف من آثارها على صعيد الأنشطة الحياتية الأساسية وعلى صعيد صحة الأبناء، وحمايتهم من العزلة الاجتماعية والاغتراب الأسري. لم يكن خافيًا على أحد منذ دخول وسائل التواصل الاجتماعي لمنازلنا، الفائدة والأثر الايجابي على جوانب حياتنا المختلفة وكيف قصرت المسافات ولينت الشديد وصار مانريد ولا نريد في متناولنا. ولكنّ المسئولية الأخلاقية والمهنية التي يتحملها العاملون في الإرشاد الأسري والنفسي تؤكد على أهمية العمل لمواجهة الآثار السلبية التي تفرزها وسائل التواصل الاجتماعي على الأسرة والمجتمع بشكل مستمر ومتطور. وفي هذا السياق نرى بأنه لابد من الاستفادة من هذه الوسائل، ولكن لابد أيضاً من الانتباه والمحافظة على وقتنا من الضياع وعلى أسرنا من الانجرار وراء عالم افتراضي، صار الإدمان عليه يخلق فجوة بين الآباء والأبناء ويكسبهم أنماطاً مختلفة من التفاعل والاتصال تنبأ بفشل في إقامة علاقات إجتماعية طبيعية مع الآخرين في العالم الواقعي. أن نضع القواعد ونرسم الحدود في التعاطي مع التكنلوجيا، وننظم أوقات الفراغ، بأن يحدد الأهل وقتاً لدخول هذه التطبيقات، على أن يلحقها أوقات راحة بعيدًا عن أشعة الهاتف والأجهزة الالكترونية. ومن المهم تفحص كافة التطبيقات والتوقف عن استخدام بعضها المتشابه مع الآخر. والأهم هو فهم الغاية الأساسية التي وجدت من أجلها أجهزة الهواتف النقالة والتطبيقات الالكترونية. أخيرًا، إن الوعي بهذا العالم ومتغيراته والانتباه والاهتمام الذي كان ولا زال واجبًا علينا اتجاه أبنائنا، وقد صار أكثر صعوبة، فإن يتلقوا المعلومة من الأسرة حتى قبل أن يبحثوا عنها، وأن يحصلوا على الاهتمام والحب قبل أن يجدوه في العالم الافتراضي، ويُنصت لهم قبل أن يبحثوا عن من يسمعهم في وسائل التواصل الاجتماعي. فليس كل من فيه أصحاب نوايا حسنة أو أصحاب قيم تتوافق وقيم مجتمعنا العربي. جليلة إسماعيل الخباز مديرة مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين
مشاركة :