قصة قصيرة: ليلة المطر

  • 9/11/2021
  • 09:10
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

‭- ‬أهناك‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬المطر؟ مشطتَ‭ ‬شعركَ‭ ‬بأصابعك،‭ ‬مَسدتَ‭ ‬شاربـيك‭. ‬غادرتَ‭ ‬الغرفة،‭ ‬أقفلت‭ ‬الباب،‭ ‬علّقتَ‭ ‬المفتاح‭ ‬في‭ ‬اللوح‭ ‬العتـيق‭. ‬لم‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬المرآة‭ ‬التي‭ ‬صادفتك‭ ‬في‭ ‬الصالة‭. ‬ نـزلتَ‭ ‬الدرج،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬الباب،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬نصف‭ ‬مفتوح‭. ‬ ‭- ‬كم‭ ‬بهية‭ ‬رائحة‭ ‬الأرض‭ ‬بعد‭ ‬المطر‭!!‬ زررت‭ (‬الزر‭) ‬العلوي‭ ‬لستـرتك،‭ ‬وضعت‭ ‬يديك‭ ‬في‭ ‬جيبـي‭ ‬البنطلون‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬جلبته‭ ‬معك‭. ‬ ‭ - ‬خذ‭ ‬الجوزي‭ ‬أيضاً،‭ ‬قد‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭. ‬ ‭- ‬هذا‭ ‬يكفي،‭ ‬لن‭ ‬أتأخر‭ ‬كثيـراً‭. ‬ سرتَ‭ ‬خطوات‭ ‬في‭ ‬الوحل‭ ‬تقارب‭ ‬عدد‭ ‬أصابع‭ ‬قدميك‭. ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬رصيف‭ ‬الشارع‭ ‬المزدان‭ ‬بالكاشي‭ ‬الأصفر‭ ‬والأبـيض‭.. ‬تأملت‭ ‬الجبل‭ ‬الشاهق‭ ‬الصامت،‭ ‬سحبت‭ ‬نفساً‭ ‬عميقاً‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬المعطر‭ ‬بالمطر‭: ‬ ‭ - ‬اااه‭ ‬يا‭ ‬للروعة‭!!‬ كانت‭ ‬أضواء‭ ‬الشارع‭ ‬باسمة،‭ ‬وحبّات‭ ‬المطر‭ ‬تتـراقص‭ ‬حولها‭ ‬والسوق‭ ‬غافياً‭... ‬ كنتَ‭ ‬فرحاً‭ ‬بقطرات‭ ‬المطر‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬شعرك‭... ‬واصلت‭ ‬المسيـر‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬السوق،‭ ‬عبـرت‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬الثانـية‭ ‬وعدت‭ ‬أدراجك،‭ ‬ثمة‭ ‬سيارة‭ ‬سوداء‭ ‬كانت‭ ‬تقطع‭ ‬الشارع‭... ‬ وقفت‭ ‬قرب‭ ‬ذلك‭ ‬المقهـى‭ ‬الصغيـر‭ ‬ ‭- ‬ليكن‭ ‬خفيفاً‭. ‬ ارتشفت‭ ‬قدح‭ ‬ماء،‭ ‬وجلست‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬الخشبـي‭ ‬الهزيل‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬تجاوزت‭ ‬الخيمة‭ ‬المنصوبة‭ ‬فوق‭ ‬رأسك،‭ ‬حمتكَ‭ ‬من‭ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬تحبه‭. ‬مددت‭ ‬ساقيك‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭. ‬ ‭- ‬الله‭ ‬بالخيـر‭. ‬ ‭- ‬الله‭ ‬بالخيـر‭. ‬ قبل‭ ‬أن‭ ‬تلامس‭ ‬أصابعك‭ ‬الملعقة‭ ‬الصغيـرة،‭ ‬وقفت‭ ‬تلك‭ ‬السيارة‭ ‬السوداء‭ ‬قبالتك،‭ ‬رفعتَ‭ ‬شايك‭ ‬وارتشفتَ‭ ‬شيئاً‭ ‬منه‭. ‬ ‭- ‬يا‭ ‬لكَ‭ ‬من‭ ‬محب‭ ‬للشاي‭!!‬ ‭- ‬ولكِ‭ ‬أيضاً‭ ‬يا‭ ‬حلوتـي‭... ‬ ‭- ‬اشرب،‭ ‬اشرب،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبـرد،‭ ‬وكفى‭ ‬كلاماً‭ ‬معسولاً ‭ - ‬وليبـرد‭... ‬ستسخنـينه‭ ‬ثانـية‭ ‬يا‭ ‬خفيفة‭ ‬الظل‭. ‬ ‭- ‬يا‭ ‬لحبكَ‭ ‬هذا‭!!‬ ‭ ‬ابتسمتَ،‭ ‬رفعتَ‭ ‬رأسك،‭ ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬الجالس‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬يحدق‭ ‬فيكَ‭ ‬بغضب‭ ‬معلن‭. ‬أعطيتَ‭ ‬لصاحب‭ ‬المقهـى‭ ‬مائة‭ ‬فلس‭ ‬وقلت‭ ‬له‭: ‬ ‭- ‬ألا‭ ‬تأتـينـي‭ ‬بشاي‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬فضلك؟ ‭- ‬بكل‭ ‬سرور تجاهلته،‭ ‬لم‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬جهته،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يقدر‭ ‬أن‭ ‬يتمالك‭ ‬نفسه،‭ ‬وبانفعال‭ ‬صارخ‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬وقصدكَ،‭ ‬قال‭ ‬لك‭ ‬بصوت‭ ‬جاف‭: ‬ ‭- ‬على‭ ‬من‭ ‬تضحك‭ ‬ وضع‭ ‬رجل‭ ‬المقهـى‭ ‬شايك‭ ‬فوق‭ ‬الطبلة‭ ‬الحديدية‭ ‬ذات‭ ‬الأقدام‭ ‬الثلاث،‭ ‬بهدوء‭ ‬أدرت‭ ‬الملعقة‭ ‬الصغيـرة‭. ‬ نفد‭ ‬صبـره‭: ‬ ‭- ‬اخرس‭ ‬أنت؟‭ ‬ألا‭ ‬تسمعنـي‭. ‬ أخرجت‭ ‬الملعقة‭ ‬من‭ ‬استكان‭ ‬الشاي‭ ‬ووضعتها‭ ‬في‭ ‬الطبق،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬بهدوء‭: ‬ ‭- ‬بأي‭ ‬حق‭ ‬تسألنـي‭ ‬هذا‭ ‬السؤال؟ بدت‭ ‬عيناه‭ ‬وكأنهما‭ ‬ستخرجان‭ ‬من‭ ‬محجريهما،‭ ‬مدَ‭ ‬يده‭ ‬نحوك‭ ‬وقال‭: ‬ ‭- ‬لأنك‭ ‬تضحك‭ ‬عليّ‭.‬ ببـرود‭ ‬أعصاب‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬ ‭ - ‬أنا‭.. ‬أضـ‭.. ‬حَ‭.. ‬كُ‭ ‬عليك؟ ‭ - ‬أجل‭... ‬أجل‭. ‬ ‭ - ‬وهل‭ ‬أعرفك‭ ‬لكي‭ ‬أضحك‭ ‬عليك؟ ‭ - ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرفنـي؟ ‭ - ‬لكننـي‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭. ‬ حينما‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬ذلك،‭ ‬قلّ‭ ‬حماسه،‭ ‬وأصبح‭ ‬في‭ ‬شكٍ‭ ‬من‭ ‬أمرك‭. ‬ بصوت‭ ‬يكتنفه‭ ‬الخنوع‭ ‬قال‭ ‬لك‭: ‬ ‭- ‬من‭ ‬أية‭ ‬مدينة‭ ‬أنت‭ ‬إذاً؟ بابتسامة‭ ‬قلت‭ ‬له‭:‬ ‭- ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬حق‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬أيضاً‭... ‬أليس‭ ‬كذلك؟ ‭-......!‬ مددت‭ ‬يدك‭ ‬إلى‭ ‬جيبك،‭ ‬أخرجت‭ ‬علبة‭ ‬سكائر،‭ ‬أشعلت‭ ‬واحدة،‭ ‬ثم‭ ‬مددت‭ ‬العلبة‭ ‬نحوه‭. ‬ ‭- ‬لا‭ ‬أدخن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭. ‬ صمت‭ ‬قليلاً‭ ‬وأردف‭ ‬قائلاً‭: ‬ ‭- ‬أرجو‭ ‬ألا‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬أزعجتك‭. ‬ نظرت‭ ‬إلى‭ ‬وجهه‭ ‬الأسمر‭ ‬وضحكت‭ ‬ثانـية‭ ‬من‭ ‬الأعماق،‭ ‬ولم‭ ‬تجبه‭. ‬ شربت‭ ‬شاياً‭ ‬آخر،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لديك‭ ‬فكة،‭ ‬لتعطيها‭ ‬لصاحب‭ ‬المقهـى،‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬ ‭ - ‬بقي‭ ‬لك‭ ‬درهم‭ ‬عندي‭. ‬ ‭ - ‬ليكن‭ ‬الشاي‭ ‬الأخيـر‭ ‬على‭ ‬حسابـي‭. ‬ ‭ - ‬فلتعش‭. ‬ نهضت،‭ ‬مغادراً‭.... ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬جثث‭ ‬التلفونات‭ ‬المتـراصة،‭ ‬وددت‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬أطفالك،‭ ‬لكنك‭ ‬تذكرت‭ ‬أن‭ ‬دراهمك‭ ‬قد‭ ‬نفدت‭.. ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ضحكت،‭ ‬رفعت‭ ‬رأسك‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬القاتمة‭ ‬وكنت‭ ‬تبتسم‭ ‬من‭ ‬القلب،‭ ‬لهواء‭ ‬المطر‭ ‬البارد‭... ‬ ‭- ‬حقاً‭ ‬المطر‭ ‬جميل‭!!‬

مشاركة :