تعتبر الإسعافات الأولية من أهم المهارات الحياتية التي يجب اكتسابها منذ سن الطفولة، إذ ربما تفرض الظروف على شخص عادي ليست له أي علاقة بالطب التدخل لإنقاذ حياة إنسان يعاني حالة طارئة، وفي حالة توفر هذه المهارة ربما كتبت لهذا الإنسان النجاة، بينما لو عجز أحد ما عن التدخل، أو أساء التصرف، فربما ساءت الحالة وتوفي المصاب. وتختلف التدخلات الإسعافية بحسب كل حالة، إلا أنها تتفق كلها في الهدف، إنقاذ المريض والمحافظة على حياته حتى وصول الطبيب أو نقل المصاب إلى أقرب مستشفى، كذلك اجتمعت وتلخصت مهام الإسعاف العاجل في ثلاثة أهداف واضحة، ومرتبة حسب الأولوية، وهي تأمين التنفس ومنع النزيف وتثبيت الكسور. ويعرف العلماء هذه المساعدة الطبية بأنها العناية الأولية والفورية التي يتلقاها الإنسان نتيجة التعرض المفاجئ لحالة طارئة أدت إلى النزيف أو الجروح أو الكسور أو الإغماء، لإنقاذ حياته حتى يصل الطبيب لمكان الحادث أو ينقل المريض إلى أقرب مستشفى. والتدريب على الإسعافات الأولية يعتمد على مبادئ عامة، أهمها عدم اعتبار المصاب ميتاً لمجرد زوال ظواهر الحياة مثل توقف التنفس أو النبض والاهتمام بعمليات التنفس الاصطناعي وإنعاش القلب، وتدوين المعلومات المتوفرة عن الحادث والإجراءات التي اتّبعت. ولابد لمن يقوم بتقديم الإسعافات الأولية والعناية بالمصاب، أو من تعرض لحالة مرضية مفاجئة، أن يكون مؤهلاً للقيام بهذا العمل بحصوله على التدريب المناسب بالمراكز الصحية المتخصصة ولديه المعلومات التي تمكنه من تقديم الإسعافات الأولية للمصاب أو المريض بشكل صحيح لإنقاذ حياته، كما يوجد حد أدنى للمعلومات يجب على مقدم الإسعافات الأولية أن يدركها ويتعلمها، منها فهم قواعد الإسعافات ومسؤولياتها وإدراك أهمية تأمين موقع الحادث، وإجادة القيام بعملية التنفس الصناعي ومعرفة الأعراض وعلامات الخطر للمشاكل الطبية، وفهم علامات الاستجابة من عدمها للمصاب، والإلمام بأسس السيطرة على النزيف الداخلي وإدراك طرق التعامل مع إصابات العمود الفقري، مع الإلمام بالمعلومات العامة عن جسم الإنسان وتشريحه، وأعضائه وأجهزته المختلفة، ومعرفة كيفية حمل المريض، ومعرفة طريقة تدليك القلب، والتعامل مع الحروق والكسور وتضميد الجراح، والتعامل مع إصابات الأطفال. ويمكن تحديد مسؤوليات المسعف بتقييم وتشخيص صحيح وسريع للإصابة أو الحالة لمعرفة سبب الحادث، وتحديد نوع المرض أو الإصابة معتمداً على وصف وقائع الحادث والأعراض والعلامات المشاهدة، مع فحص المصاب بالكامل والاهتمام بالإصابة كبيرة كانت أم صغيرة، وتقديم المعالجة الفورية المناسبة حسب الإصابة أو المرض، ونقل المصاب إلى المستشفى أو المركز الصحي حسب خطورة الحالة. ولابد من ترتيب خطوات عمل المسعف حتى لا يضيع وقته وجهده هباء، كما يجب عليه فهم الأولويات التي تجب مراعاتها، بحيث يتمكن في وقت قصير من إنهاء كل الإجراءات اللازمة لحفظ المصاب أو المريض في حالة جيدة، ريثما يحضر الطبيب أو وصول المريض إلى المشفى، وأول هذه الخطوات يجب على المسعف طمأنة المصاب وتشجيعه ومعاملته بلطف والتخفيف من انزعاجه. كما يجب عليه ألا يسمح بتزاحم الناس حول المصاب ليساعده على التنفس مع الاحتفاظ بشهود الحادث واستدعاء الطبيب والشرطة ومراعاة البدء بملاحظة التنفس كأول خطوات العملية الإسعافية، وإزالة أي عوائق من مجرى التنفس ربما تتسبب في اختناقه، وفي حالات حوادث السيارات يكون اللسان على الأغلب هو عائق التنفس إذا التوى في الفم بشكل معكوس، ومن ثم على المسعف البحث عن مواقع النزف لإيقاف تدفق الدم، إذ يعتبر النزف ثاني أسباب الوفاة من حيث الوقت بعد الاختناق، وأخيراً على المسعف البحث عن الكسور لتثبيتها مستعيناً بما يتوفر في الموقع، وإذا تعذر وجود ما يعينه على ذلك فيمكنه ترك ذلك للمسعف المحترف أو الطبيب المختص. ويجب على المسعف المدرب فهم جسم الإنسان وتشريحه، وأعضائه وأجهزته المختلفة، مع الإلمام بكيفية حمل المريض، وذلك لتخفيف تعرضه لمزيد من الضرر مع معرفة الأعراض المتعلقة بمختلف الأمراض وكيفية التعامل معها، وإدراك كيفية تدليك القلب وتضميد الجراح. يعتبر صندوق الإسعافات الأولية ضرورة، لا غنى عنه في المنزل أو السيارة أو العمل أو الرحلات، فوجود وسائل الإسعافات الأولية يساعد على سرعة إسعاف المصاب، وتجنب تدهور حالته وتفادي حدوث المضاعفات المترتبة على الإصابة، فمعظم الإصابات يمكن التعامل معها بسهولة وبقليل من الخبرة وكثير من العناية، وبتجهيز صندوق الإسعافات الأولية على أكمل وجه، ويجب حفظ مواد الإسعافات الأولية داخل صندوق محكم الإغلاق والكتابة عليه بشكل واضح ووضعه في مكان ظاهر يسهل الوصول إليه. ولفهم كيفية وقف النزيف يجب إدراك طريقة انتقال الدم في جسم الإنسان عبر الأوعية الدموية، التي تقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الشرايين والأوردة والشعيرات الدموية، حيث يقوم الدم بحمل الأوكسجين إلى خلايا الجسم التي تستخدمه كوقود لها، ومن دون الأوكسجين لا يمكن لأعضاء الجسم وأنسجته العمل. فإذا نزف الدم من جسم الإنسان، واستمر النزف لفترة طويلة فلن يبقى في الجسم دم كاف لنقل الأوكسجين إلى الخلايا، وفي حالة نقص الأوكسجين فان بعض الأعضاء الحساسة والحيوية في الجسم مثل الدماغ والقلب سيصيبها التلف، لهذا كان وقف النزف على قدر كبير من الأهمية، وتختلف درجة خطورة النزف تبعاً لنوع الوعاء الدموي النازف، كما تختلف طريقة النزف من أنواع الأوعية الدموية، حيث إن كلاً منها يكون تحت درجة ضغط مختلفة عن الآخر. الشرايين أوعية ذات أنسجة عضلية قوية تقوم بنقل الدم الغني بالأوكسجين من القلب إلى مختلف أعضاء وأنسجة الجسم، وحيث إن الدم الذي يجري فيها مقبل من القلب مباشرة فإن ضغطه يكون عالياً، ويسير الدم في الشرايين على شكل نبضات مع كل ضربة من ضربات القلب، وفي حالة حدوث قطع في أحد الشرايين فإن الدم ينزف من الجرح على شكل نبضات من شدة الضغط الواقع عليه. ويعتبر النزف في هذه الحالة خطراً، لذا فانه يجب وقف النزف فور التأكد من عمل القلب والرئتين وتولي أمرهما، ونظراً لارتفاع ضغط الدم في الشرايين فإن الجسم يمكن أن يفقد معظم الدم إذا لم يتم وقف النزف الشرياني. تقوم الأوردة بنقل الدم من مختلف أعضاء الجسم إلى القلب، والأوردة ليست بقوة الشرايين، ثم إن الدم فيها ليس تحت ضغط عال، ويكون النزف من الأوردة على شكل دفق ثابت وليس على شكل دفقات نبضية، ويعتبر النزف الوريدي أقل خطورة من النزف الشرياني، ويتوقف النزف الوريدي تلقائياً بعد مدة تتراوح بين 6 و8 دقائق، ويستثنى من هذه القاعدة بالطبع النزف الناجم عن جرح قطعي في وريد كبير الحجم. أما الأوعية الدموية الشعرية فهي صغيرة الحجم ودقيقة وتصل بين الشرايين والأوردة، وينتقل الأوكسجين عبر هذه الأوعية إلى خلايا الجسم كما تقوم بنقل الفضلات مثل ثاني أكسيد الكربون من الخلايا إلى الدورة الدموية، ويكون النزف الوعائي الشعري على شكل ترشيح بطيء غير متدفق ولا يعتبر خطراً أو مميتاً لذا فإن من الممكن تأجيل معالجته. ويتوقف هذا النوع من النزف تلقائياً بعد مرور 2 - 3 دقائق، وتجدر الإشارة إلى أن معظم حالات النزف التي يواجهها المسعفون هي من النوع الوعائي الشعري. يمكن وقف 99% من حالات النزف بالضغط على مكان النزف باستخدام ضمادة، وهي قطعة من أي مادة يمكن وضعها على الجرح لوقف النزف، والضمادة المثالية التي يمكن استخدامها المصنوعة من الشاش الطبي الذي يتميز بخاصية امتصاص السوائل وعدم الالتصاق بالجرح، ولكن الحوادث والإصابات لا تقع دائماً في أماكن تتوفر فيها الضمادات المثالية، في الحالات التي لا تتوفر فيها ضمادات طبية، يمكن استخدام مادة بديلة بشرط أن تكون نظيفة وتتميز بخاصية عدم الالتصاق بالجرح. ويمكنك كمسعف استخدام أقمشة الملابس أو المناشف أو أغطية الأسرة كضمادات للجروح النازفة، أما المحارم الورقية أو ورق التواليت فلا يمكن استخدامها كضمادات، لأن هذه المواد تتفتت عندما تبتل كما تلتصق بالجروح، الأمر الذي يؤدي إلى تلوث الجروح والتهابها ويجعل تنظيفها فيما بعد أمراً شاقاً. وأول خطوات الإسعاف تقتضي التأكد من أن المجرى التنفسي للمصاب مفتوح ورئتاه تعملان بشكل طبيعي، وأن قلبه أيضاً يعمل بشكل طبيعي، وتذكر دائماً بأنه لا يوجد ما هو أهم من ذلك، ثم ضع المصاب في وضع استلقاء على الأرض للحيلولة دون فقدانه للوعي، واتبع طريقة الضغط لوقف النزيف، ثم اربط الضمادة على الجرح بواسطة عصابة أو منديل. إذا كان النزف من الأذن نتيجة لحادث، فإن ذلك مؤشر خطر، لأن النزف في هذه الحالة يكون ناجماً عن كسر في الجمجمة، فلا تحاول وقف النزف من الأذن. الشخص الذي يقدم الإسعافات الأولية عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض وخاصة تلك التي تنتقل عن طريق الدم مثل الإيدز، أو الالتهاب الكبدي، لذلك لا بد من اتخاذ بعض الاحتياطات الوقائية، مثل استخدام قفازات يتم التخلص منها بعد القيام بالإسعافات الأولية، وذلك لأن المسعف يكون عرضة للمس دم المصاب (أو سوائل الجسم المختلفة مثل البول أو أغشية مخاطية - براز، أو في حالة التقاطه لملابس المصاب الملوثة، أو عند تغيير الضمادات يتم تغيير مثل هذه القفازات بين كل مصاب وآخر أو عند تمزقها أثناء التعامل مع مصاب واحد فقط، ويجب غسل الأيدي مباشرة بعد التخلص من هذه القفازات مع مراعاة ارتداء قناع واق للمحافظة على الأنف والفم، على أن يتم غسل الأيدي والوجه بعد التعرض لأي شيء. وهذه هي وسائل الحماية الأولية التي يجب اتباعها عند القيام بأية رعاية أو عناية أولية للمصاب أو المريض، ولكن ماذا إذا تعرض الشخص المسعف للمس دم الشخص المصاب أو إحدى سوائل الجسم، أو لمس أحد الأدوات المستخدمة في عملية الإنقاذ، فهناك أيضاً بعض الإرشادات التي يجب وضعها في الحسبان للتعامل مع أي إصابات محتملة الحدوث.
مشاركة :