بغض النظر عن كل التفاصيل فيما يخص علاقة بشار الأسد بسوريا، ثمة حقيقتان يبدو الإجماعُ عليهما نهائياً منذ زمن. أن دوره انتهى في هذا البلد سياسياً وشخصياً، وأن باب الخروج بعد إسدال الستار على حقبته سيكون من جهة روسيا. لايُغيرُ شيئاً في الحقيقة الأولى مايُطرح من إمكان بقائه بضعة أشهر خلال مرحلةٍ انتقالية، وتأتي زيارتهُ العتيدة إلى موسكو، بإخراجها المتعدد الرسائل، لتؤكد الحقيقة الثانية. فلسانُ الحال أصدقُ من لسان المقال كما قالت العرب يوماً. ورغم تصريحات روسيا، أثناء زيارة الأسد وبعدها، إلا أن ظروف الزيارة نفسها، بكل ملابساتها وإشاراتها الرمزية، كانت تصب في مسار الحراك السياسي الإقليمي والدولي الحثيث لإيجاد بديل له. بشكلٍ محدد، بعد قرابة خمس سنوات من قرار (اللاقرار) الذي كان يحكم الموقف الدولي تجاه ثورة الشعب السوري، يبدو أن المشكلات التي نتجت عن ذلك (اللاقرار) تفاقمت لدى الجميع، بحيث وصلنا إلى مرحلةٍ لامفر فيها من وجود قرار. ولكن، لاداعي للأوهام هنا، فهذه مرحلةُ (كسر عظم) صعبة تسبق الوصول إلى القرار. والأرجح فيما يخص اجتماع فيينا (المقال كُتب قبل حصوله) أن يكون محاولةً روسية لاستثمار وجودها العسكري في سوريا وإثباتِها السيطرة على الأسد عبر (استدعائه) بذلك الشكل المُهين، وهي عمليةٌ لاتمانعُ فيها أميركا أوباما. من هنا يبدو التركيز ضرورياً، أولاً وأخيراً، على ثبات الموقف العربي الداعم للشعب السوري. فالأغلب أن القراءة السعودية قريبةٌ من الرؤية أعلاه، وهو مايُفسر تصريحات وزير الخارجية السعودي الواضحة للصحافيين في فيينا، التي أكد فيها أن التدخل الروسي في سورية خطيرٌ جداً «لأنه يؤجج الصراع»، مؤكداً بعد ذلك أن الجانب السعودي قال هذا للروس بوضوح. ليُعبر بعدها عن مخاوفه من أن يلهب ذلك المشاعر في العالم الإسلامي، ويزيد من تدفق المقاتلين على سوريا، في رسالة واضحة لروسيا التي لاتزال تحاول استهلاك ورقة (الإرهاب) بشكلٍ مُبتذل. لكن الرسالة الأكثر وضوحاً جاءت حين سُئل الجبير عما إذا كان بإمكان الأسد أن يلعب دوراً في أي حكومة موقتة، وذلك حين قال إن دوره سيكون الخروج من سوريا، مشيراً إلى أن أفضل سيناريو يمكن أن يحدث هو الاستيقاظ صباحاً والأسد غير موجود في سوريا. بهذه الدرجة من الحسم والشفافية تقود السعودية موقف العرب الداعمين للشعب السوري في هذه المرحلة الحساسة جداً. وتفعلُ هذا بإصرارٍ كبير لأنها تدرك أن ملابسات اللحظة لاتسمح بأي تردد أو خفضٍ للسقف يمكن أن تلتقطه الأطراف الأخرى، فتحاولَ بالتالي ممارسة عمليات خلط الأوراق ونشر البلبلة، لبدء العملية السياسية من سقفٍ منخفض. وهذا مايبدو واضحاً أنها تفعلهُ بمهارة قبل لقاء فيينا، وبحسابات دقيقة. في هذا الإطار ، يبدو الموقف القطري منسجماً مع الرؤية نفسها. إذ قال وزير الخارجية القطري لقناة «سي إن إن» بكل وضوح «أي شيء سيؤدي إلى حماية الشعب السوري ويحمي سوريا من الانقسام لن نألو جهداً للقيام به مع إخوتنا السعوديين والأتراك مهما كان هذا الشيء». لاشك، من باب الواقعية، أن الموقف الأميركي هامٌ وأساسي. لهذا، يكون جيداً أن يتحدث وزير الخارجية كيري عن اتفاق دول اجتماع فيينا على «مبادئ مشتركة» حول مستقبل سوريا، ثم يؤكد قائلاً: «لكنّ أمامنا شخصاً يجب إزاحته بسرعة، هذا الشخص هو بشار الأسد». قد تكون عبارة كيري دليلاً آخر على الوصول لمرحلة (القرار)، لكننا سمعنا الكثير منها سابقاً. لهذا، يبقى العنصر الحاسم في الموضوع الموقفَ العربي المذكور أعلاه. ولئن كان هذا الموقف ينبثق من إدراك أهمية سوريا المستقبل في استقرار المنطقة وصد الهجمة الإيرانية عليها، فوق تعاطفه مع الشعب السوري، فإن على السوريين، ممثلين في معارضتهم السياسية والعسكرية، الارتقاء إلى مستوى جدية الموقف الاستراتيجي الراهن، دون ترددٍ لم يعد لائقاً ولامفهوماً، قد يكون عنصر الإرباك الأكبر في عملية إنهاء المشهد الأخير من دراما الأسد. waelmerza@hotmail.com
مشاركة :