الروس يحولون قاعدة {حميميم} السورية إلى خلية نحل عسكرية

  • 10/25/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تنطلق الطائرات الحربية الروسية المحملة بالقنابل الخارقة للتحصينات هادرةً في سماء سوريا، في حين يمرّ العسكريون الروس ذوو السترات العسكرية الخضراء بالقرب من صف من المساكن الجميلة في القاعدة العسكرية الروسية، داخل مجمع مطار حميميم العسكري أحد أكبر المطارات السورية في البلاد. وحسب تقرير أوردته وكالة {أسوشيتدبرس} فإن الحملة الجوية في سوريا، وهي أول عمل عسكري تنفذه روسيا خارج حدود الاتحاد السوفياتي السابق منذ حربه الأخيرة في أفغانستان، تُظهر الجيش الروسي بعد تجديده، وهو هنا يبدو مختلفًا اختلافًا كبيرًا من حيث القدرات والعقلية العسكرية عما كانت عليه الآلة العسكرية السوفياتية القديمة. فلقد صار الجيش الروسي قادرًا على عرض القوة بسرعة كبيرة بعيدًا عن الحدود الوطنية الروسية، وبات يستخدم الطائرات من دون طيار (الدرون) على نطاق واسع مع الأسلحة الدقيقة، في ظل مراعاة راحة الضباط والجنود. والواقع، أنه لا يمكن سماع هدير الحرب الأهلية السورية في حميميم، تلك القاعدة – المطار التي تطل على البحر في محافظة اللاذقية الساحلية، والتي ظلت إلى حد كبير بعيدة عن الفوضى والدمار على مدار أكثر من أربع سنوات ونصف السنة من القتال الدائر في مختلف أنحاء سوريا. لقد زارت مجموعة صغيرة من المراسلين الأجانب القاعدة الجوية الروسية خلال هذا الأسبوع وشاهد أفرادها عشرات القاذفات من طراز «سوخوي سو - 24» وهي تقلع أثناء الليل وهديرها يصم الآذان، منطلقة في الظلام مع ألسنة اللهب القرمزية المنبعثة من محركاتها النفاثة. كانت مثل هذه المهام تعد مستحيلة قبل بضع سنوات قليلة. فيومذاك كانت القوات الجوية الروسية لا تملك إلا بضع طائرات معدودة قادرة على ضرب الأهداف أثناء الليل. غير أن سلاح الجو الروسي، كجزء من برنامج التحديث العسكري الكبير، الذي أمر به واعتمده الرئيس فلاديمير بوتين، تسلّم مئات الطائرات الجديدة والحديثة، مزوّدة كلها بأحدث الأجهزة الإلكترونية فباتت هذه الطائرات الحربية المتطورة تقف على قدم المساواة مع نظيرتها الأميركية وتلك التابعة لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو). الجنرال إيغور كوناشينكوف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، يقول شارحًا «كل الطائرات في القاعدة (حميميم) مجهزة بأنظمة الاستهداف التي تسمح بضرب الأهداف بدقة متناهية». وفي مجال آخر، نفى كوناشينكوف ما اعتبره «مزاعم المعارضة السورية بأن الغارات الجوية الروسية تستهدف المدنيين وتلحق بهم إصابات»، ووصفها بأنها «محض هراء وهذيان». وتابع كلامه قائلاً إن «الطائرات لا تستهدف إلا مستودعات الذخيرة والتحصينات وغيرها من الأهداف البعيدة كل البعد عن المناطق المأهولة بالسكان». من ناحية ثانية (في نطاق الحرب الإعلامية الحالية) أصدرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو من قمرة قيادة إحدى الطائرات الحربية لدعم مزاعمها السالفة الذكر، تماما كما فعلت وزارة الدفاع الأميركية أثناء حربي الخليج الأولى والثانية. من جانب آخر، تختلف الضربات الجوية الدقيقة هذه المرة في سوريا، عن ضربات سلاح الجو الروسي إبان حربي الشيشان الأولى والثانية، فحينذاك كان الجيش الروسي يستخدم بشكل عشوائي الأسلحة غير الدقيقة التي عفا عليها الزمان، مما أدى إلى دمار كبير في العاصمة الشيشانية غروزني. هنا، توفر محافظة اللاذقية، وهي معقل عائلة الرئيس السوري بشار الأسد العلوية، بيئة آمنة للجيش الروسي - وكذا يلقى العسكريون الروس ترحيبًا حارًا من المواطنين الذين يطلقون نفير سياراتهم ابتهاجًا وفرحًا ويهتفون «شكرا» باللغة الروسية إلى الضباط والجنود في القاعدة. وفي معسكر للاجئين في اللاذقية، يضم الآلاف من اللاجئين من الطائفة العلوية النازحين من محافظات سوريا أخرى، يهتف الأطفال السوريون الصغار «شكرًا بوتين!» ويرحب السكان بحرارة وعلى مسافة آمنة من حدود القاعدة بالعسكريين الروس العاملين في القاعدة الجوية بحميميم، التي تبدو هادئة ومريحة. مع هذا، لا يزال الجيش الروسي يدير نقاط التفتيش مع قوات الأمن السورية فيتفحص المركبات المارة، وتتولى القوات الخاصة حراسة المرافق المهمة، وتحوم سفن «إم 24» الحاملة للهليكوبترات حول القاعدة في دوريات منتظمة رصدًا لأي نشاط مشبوه. كذلك شهدت المنطقة نصب نظام الدفاع الجوي «بيتسار» على أطراف مهبط الطائرات لتكتمل فقاعة الأمن. ومن جهة ثانية، يزهو العسكريون الروس داخل القاعدة بزيهم المموّه الجديد وأحذيتهم المرتفعة ذات اللون القريب من لون الرمال، في تضارب شديد مع اللون الرمادي الفاقع الذي يميّز الزي السوفياتي الذي ظل مستخدما حتى زمن قريب. هذا، وتدعم القوات الجوية الأطقم التي تعمل على وضع القنابل الثقيلة والصواريخ تحت أجنحة الطائرات، ويرتدي جنودها سراويل قصيرة وأحذية رياضية حديثة مريحة في طقس حار يختلف كليا عن طقس روسيا الذي يقترب من 30 درجة مئوية. مع الإشارة إلى أنه في الأيام الاعتيادية، تقوم الطائرة الواحدة بعدة غارات على مدار الليل والنهار. كوناشينكوف، بما يخصه، لم يبد اهتماما يذكر بالانتقادات الأميركية التي ركزت على انتقاد استهداف الروس الجماعات المعارضة المعتدلة المناهضة للأسد بدلاً من استهداف تنظيم داعش، الذي كان الهدف الرئيس الذي أعلنه الكرملين. وقال كوناشينكوف في تصريح صحافي «لا يوجد فرق بين هذا العدد الوافر من الجماعات المسلحة التي تمتلك قدرات لتصنيع الأحزمة الناسفة وقنابل لتفجير الشاحنات في العمليات الانتحارية، كلهم يعتبرون أهدافا للطائرات الروسية». ولكن بعيدًا عن المواقف السياسية، وفي تحديث جديد للتقاليد العسكرية الروسية القديمة، يراعى المخططون في قاعدة حميميم الجوية توفير الراحة للجنود، على غير المعتاد في العسكرية الروسية التي لا تبالي كثيرا براحة جنودها. وتشتمل الوحدات السكنية المتراصة التي يسكنها من شخصين إلى ثمانية أشخاص، حسب الرتبة، على أجهزة تكييف للهواء، الذي يعتبر ضروريًا في مثل هذا الطقس الحار، بالإضافة إلى وحدات للاستحمام. وبدا المطبخ والمقصف نظيفين إلى حد كبير، وهذا أيضًا مشهد غير مألوف لكل من يعرف الأسلوب القديم الفظ الذي طالما اتصفت به العسكرية الروسية. المقدم آلكساندر يوفيكيموف تحدث بحماسة عن نظام تنقية الماء المتعدّد الذي يقوم بتنقية ماء الصنبور السوري ليصل إلى أعلى المعايير القياسية ليمنع أي تهديد بعدوى بكتيرية أو كيميائية. وقال للصحافيين «تذوقوها من فضلكم، فطعمها جيد». وبالنسبة للطعام، يتولى مخبز القاعدة العسكرية بعمل الخبز للجنود ويقوم المطبخ بطهي وجبات بسيطة لكنها تحاكي تقاليد المطبخ الروسي. كذلك يعرض متجر الجيش الهدايا، ومستحضرات التجميل، والملابس، بينما يبيع مقهى قريب الحلوى والكعك والمثلجات (الآيس كريم) المجلوبة من روسيا. كوناشينكوف، المحارب القديم الذي حارب في الشيشان وفى مناطق أخرى شهدت صراعات ما بعد الاتحاد السوفياتي، يحرص على الإشارة إلى التطور الذي حققته العسكرية الروسية. فيوضح «تَذَكّر الشيشان، حيث تغطى كل شيء بالأوساخ»، مشيرا إلى أراضي القاعدة المرصوفة حديثًا التي تحافظ على نظافة الزي الرسمي والوحدات السكنية. أما الضباط الآخرون في القاعدة فيبدون مرتاحين لتصميمها الهادئ وخدماتها اللوجيستية المدروسة جيدًا، التي تعكس العناية الشخصية من جانب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي يبدو أنه يحظى بشعبية واسعة النطاق في صفوف الجنود، بعكس سلفه أناتولي سيرديوكوف. وللعلم، سيرديوكوف، الذي تلقى أوامر بوتين بتنظيم الجيش المتضخم، والذي كان يعاني من نقص التمويل بعد الحرب الروسية – الجورجية عام 2008، اضطر لإجراء تقليصات واقتطاعات حادة مؤلمة بجانب بعض التغييرات الجذرية الأخرى، لكنه أُقيل في نهاية المطاف وسط تذمر أفراد الجيش. وبعدها، رحب الجيش بتعيين شويغو، الذي كان قد شغل منصب وزير الطوارئ الروسي لعقدين من الزمن، وحاز على سمعة بأنه واحد من ضمن عدد قليل من المسؤولين الذين يمكنهم إنجاز الأمور على أرض الواقع. وحقًا، طوّر شويغو، الذي انضم أخيرًا إلى «دائرة بوتين الداخلية»، علاقات شخصية قوية مع الرئيس، حتى أنهما ذهبا في رحلة صيد معًا. ويبدو أن وزير الدفاع الحالي هو الآن أحد المسؤولين القلة الذين يثق بوتين بهم بشكل خاص. الإنفاق على الجيش ازداد تحت قيادة شويغو، بتمويل المئات من الطائرات والصواريخ الحربية الجديدة، والتكليف بتصنيع الكثير من الأسلحة الجديدة الأخرى. وأجرت القوات المسلحة الروسية سلسلة من المناورات الضخمة، تضمنت إشراك مئات الآلاف من القوات، ومئات الطائرات الحربية، في مناطق شاسعة، تبدأ من البلطيق إلى المحيط الهادي، ومن بحر قزوين إلى القطب الشمالي. أتت تلك المناورات ثمارها عندما تحرّك بوتين نحو ضم شبه جزيرة القرم. ففي غضون ساعات، نقل سرب من طائرات النقل الروسية القوات الخاصة التي حاصرت سريعًا القوات الأوكرانية في قواعدها دون الاضطرار لإطلاق رصاصة واحدة. واندهش الغرب من هذه العملية السريعة. وبعكس الماضي، عندما دفع انهيار الجيش في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي الكرملين للاعتماد على الأسلحة النووية بشكل متزايد، تزداد ثقة الكرملين اليوم في قدرات قواته التقليدية. ولقد كان الهدف من الانتشار السريع لقوة كبيرة العدد عن طريق البحر والجو – وهي حملة جوية قصفت العشرات من الطائرات خلالها الأهداف بلا هوادة على مدار الساعة لمدة أسابيع، بجانب إطلاق صواريخ «كروز» بعيدة المدى من بحر قزوين – هو إرسال رسالة واضحة مضمونها «يمكن للجيش الروسي أن ينافس القدرة التشغيلية لمنافسته الولايات المتحدة». وخلال تصريحات أخيرة، أوضح بوتين أن إطلاق 26 صاروخ «كروز» (تسياري) من القطع البحرية الروسية في بحر قزوين على أهدف في سوريا التي تبعد 1500 كيلومتر، بمثابة إشارة للولايات المتحدة بأن روسيا قادرة أيضًا على شن ضربات قوية مماثلة. وحول قول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن أربعة صواريخ من الصواريخ الـ26 سقطت في إيران، تجاهل الجنرال كوناشينكوف الأمر، لكنه رد مع ابتسامة تهكمية «إذن لا بد وأن كل تلك الأهداف (في سوريا) انفجرت جميعها من تلقاء نفسها»، مُصرًّا على أن كل تلك الصواريخ أصابت أهدافها.

مشاركة :