دخلت أزمة الدولار في مصر على خط الصراع السياسي بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، حيث اتهمت سلطات التحقيق المصرية رسميا رجل الأعمال الإخواني حسن مالك بـ«السعي لتنفيذ مخطط يستهدف الإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، من خلال تجميع العملات الأجنبية وتهريبها للخارج»، وأمرت بحبسه احتياطيا 15 يوميا على ذمة التحقيقات، لكن خبراء اقتصاديين شككوا في تماسك الرواية الرسمية، وحذروا مما عدوه «تضليلا للرأي العام» بشأن الأزمة الاقتصادية. وقال مصدر قضائي، إن التحقيقات نسبت لمالك تهم «السعي لتنفيذ مخطط يستهدف الإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، من خلال تجميع العملات الأجنبية وتهريبها للخارج، والعمل على تصعيد حالة عدم استقرار سعر صرف الدولار، لإجهاض الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي»، كما وجهت النيابة للقيادي في جماعة الإخوان تهم الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف الدستور والقانون وتمويلها. وشكك خبراء اقتصاد في تماسك الرواية الرسمية التي تحمل جماعة الإخوان مسؤولية شح الدولار. وقال الدكتور جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك من يزعم أن الماكينات تعمل حاليا على عد الأموال (المضبوطة بحوزة حسن مالك) ويُتصور أنها ستصل إلى 35 مليار دولار.. لا يوجد في مصر 35 مليار دولار، ولا حتى 10 مليارات في كل القطاع المصرفي». وتحدثت تقارير صحافية في مصر أمس عن ضبط 20 مليار دولار في منزل حسن مالك، كما روجت مواقع إخبارية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لصور لمنزل زعمت أنه للقيادي الإخواني مالك، وبه تلال من الأوراق المالية. وألقت السلطات المصرية القبض على رجل الأعمال مالك مساء الخميس الماضي داخل منزله بالتجمع الخامس (شرق القاهرة). ويعد مالك القيادي الإخوان الوحيد داخل البلاد الذي ظل يتحرك بحرية خلال العامين الماضيين، ولم يدرج اسمه ضمن عشرات القضايا التي يحاكم فيها قادة الجماعة، والتي صدرت في بعضها أحكام بالإعدام. وأضاف بيومي، وهو أيضا أمين عام وحدة الشراكة المصرية الأوروبية، أنه «لا يمكن قبول هذه الرواية، قد تكون (مسؤولية جماعة الإخوان عن الأزمة) عاملا من بين عشرات العوامل الأخرى، لكن الأكيد أن هناك تخلفا للطلب عن العرض، وأهم مصدر تأثر هو السياحة التي تدر حاليا نصف عائداتها المعتادة، كما أن عائدات الصادرات أيضا تراجعت بنحو 4 مليارات دولار بعد أن وصلت إلى 30 مليار دولار قبل ثلاثة أعوام». وأشار بيومي إلى الجانب النفسي لأزمة الدولار قائلا إن «من يملك الدولار حاليا لن يتعجل في تحويله إلى الجنيه»، لافتا إلى أن الدولار عالميا يأخذ منحى صعوديا في مقابل العملات الأخرى. وسمح البنك المركزي المصري للجنيه بالهبوط عشرة قروش في عطاء العملة الصعبة في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ليجتاز سعره في البنوك حاجز الثمانية جنيهات للدولار للمرة الأولى على الإطلاق، بينما هوى في السوق السوداء إلى مستويات غير مسبوقة. وتراجع في مصر احتياطي النقد الأجنبي ما عزز اتجاها عاما للاحتفاظ بالدولار في بلد يعتمد إلى حد بعيد على تحويلات العاملين في الخارج من مواطنيه. ويتدفق إلى مصر 18 مليار دولار سنويا من تحويلات العاملين في الخارج. وباع البنك المركزي في مزاد قبل أسبوع 37.5 مليون دولار بسعر 7.9301 جنيه للدولار مما يعني أن سعر بيع الدولار في البنوك بلغ 8.03 جنيه مسجلا مستوى قياسيا جديدا. ويسمح البنك المركزي للبنوك بتداول الدولار بفارق عشرة قروش فوق أو دون سعر البيع الرسمي، بينما يسمح لمكاتب الصرافة بتداول الدولار بفارق 15 قرشا. وسبق أن كشفت السلطات المصرية ضلوع أنصار جماعة الإخوان وأعضاء بها في مخطط لتدمير شبكة الكهرباء في مسعى لرفع درجة الغضب بين المصريين الذين عانوا من أزمة انقطاع الكهرباء، لكن استخدم هذا الاتهام في مناسبات أخرى وعلى نطاق واسع في مسعى لتفادي الاعتراف بالمسؤولية عن التقصير. وتضمنت تحريات الأمن الوطني، اتهام اثنين من قيادات التنظيم، هما حسن مالك صاحب مجموعة شركات مالك جروب، وعبد الرحمن سعودي (الهارب)، باستغلال بعض شركات الصرافة التابعة للجماعة في تهريب الأموال خارج البلاد، ومن بين أبرز الشركات المدرجة في التحريات شركة «التوحيد» للصرافة، وشركة «النوران» للصرافة المملوكتان لكرم عبد الوهاب عبد الجليل، وشركة «الغربية» للصرافة والمملوكة لعضو التنظيم نجدت يحيى أحمد بسيوني، وأحمد أبو المعاطي مسؤول تهريب الأموال، وفارس السيد محمد عبد الجواد مسؤول تهريب الأموال، بحسب التحريات. وقال الدكتور أحمد عبد الحافظ الخبير في سوق المال إن «الدولة لم تقدم جديدا.. نعرف أن جماعة الإخوان تضارب في سوق العملة منذ سنوات.. لكن من العيب أن يراد لنا أن نصدق أن الجماعة تقف خلف أزمة الدولار». وأضاف عبد الحافظ وهو أستاذ في كلية التجارة بجامعة عين شمس: «الحكومة التي تدفع أقساط نادي باريس، ومتأخراتها لدى شركات البترول، وتعاني من تراجع شديد في عائدات السياحة وتراجع مماثل في حجم الاستثمار المباشر نتيجة إحجام المستثمرين عن ضخ أموالهم في بلد عاش ثلاث سنوات بلا برلمان، يصعب على الحكومة أن توهمنا أن جماعة الإخوان التي لم نعد نرى لها وجودا تتحكم في اقتصادنا». وتشكلت في مصر أواخر عام 2013 لجنة لحصر أموال جماعة الإخوان المسلمين، وتحفظت اللجنة على عشرات المشروعات التابعة لجماعة الإخوان وقياداتها. وتابع عبد الحافظ أن الحكومة اقترفت خلال الفترة الماضية أخطاء كارثية، ألم نسمع جميعا تصريحات وزير الاستثمار التي قال فيها إن «الدولة ستخفض سعر العملة خلال الفترة المقبلة..» هل هذا معقول.
مشاركة :